الصيام جُنَّة

عبد المعز الحصري

[email protected]

عن أبى هريرة رضى الله عنه تعالى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :الصيام جنة فلا يرفث ، ولا يجهل ، إن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إنى صائم مرتين ،والذى نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك . يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلى،الصيام لى وأنا أجزى به، والحسنة بعشر أمثالها." حديث صحيح،رواه البخارى فى الجامع الصحيح ،رقم 1894

الحمد لله الذي جعل الصوم مدرسة ودورة ربانية تعز فيه الامة ويزداد فيه كرامتها وترتقي به الى العالم الملائكي وتراجع به  حسابها مع الله وتقوى شوكتها بالصوم  ،  ويكون لها وقاية  وحفظ وحصانة  لجميع أفرادها شيبا وشبانا" 

كلمة جنّة تعني : الوقاية والحفظ والحصانة  (1)

ومجنّة تعني : الترس الذي يتقى  به المجاهد ضربات عدوه

قال الله تعالى :  " ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلك لعلكم تتقون " الآية 183 سورة البقرة           

 وفي الحديث " الصيام جنّة ... " رواه البخاري    

 وفي تعريف التقوى قال الامام ابن رجب رحمه الله : " وأصل التقوى أن يحصل العبد بينه وبين ما يخافه ويحذره وقاية تقيه منه  (2)

الآية والحديث يتكلمان عن الصوم  ومن أهم وأجلّ حكم الصوم هي التقوى ،

 والتقوى هي الجنة و الوقاية والحصانة ،   و الصوم يكبح شهوات النفس حتى عن الحلال في نهار رمضان ولمدة شهر كامل لاينقص منه  يوم واحد  أوبعض يوم والذي يترك الحلال من أجل الله فأولى به أن يترك الحرام من أجل الله فالصوم جنة ووقاية وحصانة ،  والصوم يهذب السلوك ويزكي النفوس ويرفع من قدر المؤمن حتى يتشبه بالاملائكة فهو - المؤمن – في نهار رمضان لايأكل ولايشرب وفي الليل قائم بين يدي ربه راكعا ساجدا

وقد ثبت علميا أنّ التزام الانسان أيتها عادة   22 يوم ،  تصبح العادة لديه سهلة التطبيق ومن البديهيات له

الصوم جنّة لأن فيه

1-     وقاية السمع والبصر واللسان من الوقوع في اقتراب الحرام و قيل انّ آفات اللسا ن أكثر من اثنى عشر آفة منها الشرك بالله ، وقذف المحصنات وشهادة الزور والكذب والغيبة وفي حالة  السب والشتم لايكون الرد الا بقول الصائم : " اني صائم  اني صائم "  ...

2-              صوم القلب عمّا سوى الله وهذا صوم خواص الخواص كما قال الامام الغزالي رحمه الله

3-              وقاية بكف شهوة البطن حتى للمفطر بعذر لايأكل أمام الناس أو في الشارع

4-     تخليص الجسم من مخلفات وسموم  تراكمت فيه  خلال أحد عشر شهرا            " صوموا تصحوا " ألاترى أن الطبيب يمنع المريض من تناول بعض الاطعمة من أجل صحته ويفرض عليه الحمية

5-     حصانة للشباب الذي ترهقه تكاليف الزواج وتشوش فكره بالكاسيات العاريات فبالصوم   تكبح شهوة الفرج ويكون الصوم  له وجاء    

6-     ضبط  شهوات الدنيا  في الامة كلها من أدناها " السيجارة "- ان ساغ التعبير -   والعزة  بالاثم  والانتقام للنفس .. الى أعلاها  وهي الشهوة  الواقعة بين  لحييه وفخذيه   

7-     عزة الامة ووحدتها فهو يشبه الحج في وحدة الامة وقد يكون أعم لأن كل من على الارض يرى الامة صائمة ملتزمة بأمر ربها  ولو صدقت الامة في صيامها لهابها أعداؤها

8-     المؤمن في الصوم  يزكي   نفسه من الشح والبخل  بالانفاق والجود والعطاء ولقد كان صلى الله عليه وسلم جوادا وأكثر مايكون في رمضان فهو صلى الله عليه وسلم أجود من الريح المرسلة   

9-     الجهاد   ، والجهاد : جهادان  جهاد أكبر وجهاد أصغر والجهاد الاكبر هو مجاهدة النفس ، والجهاد الاكبر هو أساس الجهاد بأنواعه وتشعباته  ، فالقلوب المتلعقة بالله  والجباه النيّرة والتي استمدت عزتها من سجودها لله  والأيدي                                                    المتوضأة التي حملت البندقية بحقها  هي التي تثبت  الاقدام  أمام الأعداء والاصبع التي أعلنت التوحيد لله هي التي لاترتجف ولاترتعش في ضغطها على الزناد واصابة الهدف وتحقيق النصر لأنها نصرت الله في الرخاء والسلم فنصرها الله في الشدة والحرب فكان في رمضا ن غزوة بدر وفتح مكة

10-         زيادة المؤمن في تقواه فيتقرب الى الله فيكون من أهل الجنة

11-   لأنه يضبط جوارح المؤمن وأهمها اللسان وآفاته بضع عشرة آفة  ومن آفات اللسان الكذب وقذف المحصنات الغافلات وشهادة الزور     

   عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني عن النار

قال: لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله -تعالى- عليه

تعبد الله ولا تشرك به شيئا

وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت

ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ألا أدلك على أبواب الخير؟

الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم تلا قوله -تعالى-: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ حتى بلغ: يَعْمَلُونَ ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ قلت: بلى يا رسول الله

قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله،

ثم قال:

ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا رسول الله. فأخذ بلسانه وقال: كف عليك هذا. قلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم، أو قال: على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم

رواه الترمذي

كلمة أخيرة : أرجو من الله أن يحقق الصوم لهذه  الامة الحفظ والوقاية والحصانة والوجاء والسداد والرد الى الاسلام ردا جميلا  والنصر على الاعداء

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين

               

(1) سمعت هذا المعنى من سيدي الشيخ الدكتور محمد هشام البرهاني حفظه الله آمين

(2) من حكم الصيا م وأحكامه : أخي الكبير المفضال الدكتور محمد صالح أحمد الحصري حفظه الله "رئيس قسم الدراسات الاسلامية بجامعة الملك عبد العزيز بجدة سابقا.