الحمد لله
الحمد لله
رضوان سلمان حمدان
الحمد لله، في كلام العرب، معناه الثناء الكامل، والحمد والشكر بمعنى واحد، وإن كان البعض يرى أن الشكر أعم من الحمد، بينما يعكس البعض القضية ويقولون: إن الحمد أعم من الشكر، وأيا ما كان الأمر فالحمد لله جملة خبرية معناها أن الله سبحانه وتعالى مستحق الحمد على جزيل نعمه؛ التي أنعم بها على الإنسان.. (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها). وما على الإنسان، أي إنسان، إذا حاول أن يحس بنعم الله عليه، إلا أن ينظر لمن هم دونه في الدرجة أو الرزق أو الصحة؛ ليرى أنه ينعم بالكثير مما كان يمكن أن يحرم منه، ما على أي إنسان مبصر أو يسمع ويتكلم ويتحرك ويعقل إلا أن يتصور نفسه محروما من هذا الذي ينعم به ليدرك مقدار رحمة الله به.
حتى الذين سلبوا بعض هذه النعم كنعمة البصر، أو السمع أو الكلام.. حتى المكدودين والمحرومين والمرضى والمعذبين، لو أنهم تأملوا في أحوالهم لوجدوا رحمة الله ونعمته لم تبعد عنهم. فما أكثر الذين يعوضون عن فقد الإبصار تفوقا في العقل والاستيعاب؛ حتى ليصلوا إلى أرفع المراكز، وما أكثر ما يجد من يتعرضون للمحن من يخف لنجدتهم، ويمد اليد لمساعدتهم، ويقف بجوارهم.
فالرحمة الإلهية تصل للإنسان، كل إنسان، أيا كانت الظروف التي تحيط به. والفارق بين إنسان وآخر أن البعض يحس بنعمة الله عندما توافيه، والآخرين لا يحسون بها، وإذا أحسوا أنكروها واعتبروها أمرا طبيعيا.
قصة مؤمن:
موظف كبير دهمه المرض، وهو في شرخ الشباب، وقد أصيب بحالة مرضية من نوع الشلل الذي أقعد كل أطراف جسمه عن الحركة وأصابها بالضمور والذبول، ولم يبق له إلا الرأس فقط هو الذي ظل سليما يسمع ويبصر ويتكلم ويعي.
ومرت عليه السنون وهو على هذا الحال يتطور من سيئ إلى أسوأ.
ولكنه ما رؤي في يوم من الأيام إلا هاشا باشا يحمد الله على نعمته.
وقد عجب صديقه لهذا الحمد والثناء، والرجل لا يمكن أن يكون أسوأ مما هو عليه بغير أمل في الشفاء، فسأله علام يحمد الله بكل هذا الإيمان، فازداد وجهه إشراقا، وقال له: وهلا ترى نعم الله التي لا تعد ولا تحصى عليّ. لقد صدر قانون يحظر فصل من هو في مثل حالتي من الحكومة، وعلى ذلك فأنا موظف كبير في الحكومة وأتقاضى مرتبي.. ما كان يمكن يا صديقي أن يصيبني هذا المرض، فأطرد من العمل ولا أجد ما أنفقه على نفسي فضلا عن أسرتي. وانظر فوق ذلك إلى النعمة الكبرى من وقوف زوجتي إلى جواري. إنها كما ترى شابة جميلة، ولقد عرضتُ عليها تسريحها بإحسان، فأبت إلا أن تقف إلى جواري بكل عجزي ومرضي وقلة حيلتي.
ويمضي صاحبنا ليقول: وأنا بعد ذلك أرى نفسي مغمورا بالرضا، فهل هناك نعيم يفوق هذا النعيم.
وينطلق، وقد أشرقت عيناه، ليقول: الحمد لله ما أشرق صبح وما خفق قلب وما أذَّن مؤذن.. يقول ذلك وهو الذي لا يستطيع أن يتقلب في فراشه أو ينزل منه أو يصعد إليه إلا أن يُرفع رفعا ويحمل كما يحمل المتاع.
ومن تجربتي الخاصة أستطيع أن أقول إن حمد الله هو أقصى ما يستطيع الإنسان أن يقدمه لله عز وجل آية على الإيمان وإقرارا بالعبودية، وهو حصيلة العبادة كلها.
- ذلك أن توجيه الحمد لله فيه إدراك إلى أن الله هو الذي أعطى ومنح.
- وأن الإنسان قد رضي بما أعطيه.
- وأنه ما دامت قوة الله في جسد الإنسان فهو معتزم أن لا يعصيه.
نسأل الله أن يجعلنا دائما من الحامدين الراضين بعطائه السالكين سبيله.