عدُت لشيخي
محمود القلعاوي /مصر
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف
وأخيراً عدتُ إلى شيخي .. نعم عدتُ إليه .. جلستُ معه .. نهلتُ من علمه .. نَعم كان آخر لقاءٍ بيني وبينه يوم أن ذهبتُ إليه وأنا في أشد حالات الانهيار .. لقد عشتُ ما كانتْ غزة فيه .. كانت أصواتُ بكاءِ الأطفال تتردد في أذني .. وصور الأشلاء تملأُ منامي .. ربَاه لكَمْ كانت أياماً قاسية .. ولكنه احتضننى بكلماتِه وبروحِه وبقوة إيمانه كعادتِه دائماً .. ومِن وقتها حاولت أن أذهبَ إليه مراراً وتكراراً ولك آنَّ لي ذلك .. دنيا أغرقتني فيها . وذنوبٌ أهلكتني .. رباه الطف بنا .. وها أنا أخطو خطوةً وأتراجع خطوات وخطوات .. يا لضعفَ إيماني .. ولكن عزمتُ وتوكلتُ وذهبتُ وطرقتُ الباب .. ويا للمفاجأة إنه هو .. لم أرتب نفسى على ذلك .. لكمْ كانت الخطوات سريعة .. والنتائج أسرع .. ها أنا انظرُ إليه وأنا جالسٌ بين يديه .. يا لروعة النور فى وجه ..والهمة فى حركته .. والوقود فى خطبه .. والعزيمة فى حركته وإنتاجه .. جلستُ بين يديه فشعرتُ بما أقوله قبل نُطقي له .. قال يا ولدى إن تقصير الإنسانِ في فترة من حياته لابد أن تتبعه توبة صادقة وها هو رمضان يا ولدى على الأبواب .. سوقٌ أوشك أن يقوم ,ألا تدخل لتربح ما تستطيع .. يا ولدى إنَّ رمضان فرصةٌ لكل من يريد الخيرات .. ألا تذكر نداء المنادى :- ( يا باغيَ الخير أقبل ، ويا باغيَ الشر أدبر ) ..
رباه إنَّ هذه الكلمات سمعتُها كثيراً ولكني أشعرُ أنها غير ما سمعت .. إنه الإخلاص الذي يغير الموجة
يا ولدى إن رمضان فرصة لنسكب الدموع .. يا ولدى رمضان فرصة لطلب العفو ممن يعفو .. رمضان أعظمُ نفحة يمنُّ الخالق على خلقه فيها .. يسكبون الدموع فيها .. ويهذبون مشاعرهم .. ويسيطرون على زِمام أمورهم .. ويُقوِّمون سلوكهم ..
يا ولدى, حرىٌ بك في رمضان أن تبكي على خطيئتِك ، وأن تفتح صفحةً جديدة مع ربك .. وأن تطلب عفوَ مولاك ..
يا ولدى ,إنَّ رمضان خير كله فاغتنمه .. انظر ما قاله عبد الله بن عمر رضي الله عنهما بروح المرحب بضيفٍ تأخَّرَ عنه فاشتاقَ إليه :- ( مرحباً بشهرٍ خير كله ؛ صيام نهاره ، وقيام ليله ، النفقة فيه كالنفقة في سبيل الله) ..
وما قولك يا ولدى فيما ذكره ابنُ رجب الحنبلي في لطائف المعارف أنَّ رجلاً مِن الصالحين باع جاريةً لأحدِ الناس .. فلمَّا أقبل رمضان أخذ سيدها الجديد يتهيأ بألوان الطعام ... فقالتْ الجارية: لماذا تصنعونَ ذلك ؟ قالوا: لاستقبالِ الصيام في شهر رمضان .. فقالت: وأنتم لا تصومونَ إلا في رمضان ؟! والله لقد جئتُ من عند قوم السنةُ عندهم كلها رمضان .. لا حاجةَ لي فيكم .. ردوني إليهم .. ورجعتْ إلى سيدها الأول !
يا ولدى أذكِّرك بحديث النبي صلى الله عليه وسلم :- ( إذا أقبل رمضان فُتحت أبواب الجنان وغُلقت أبواب النار ، وصُفدت الشياطين ، ونادى منادٍ من قِبل الحق تبارك وتعالى : يا باغيَ الشر أقصر ، ويا باغيَ الخير هلم ) متفق عليه .
وهنا قمتُ من عند شيخي وقد نشطتُ لملاقاة الشهر الحبيب .. أبدأُ به حياتي .. وأقتربُ من ربى .. وأفتحُ صفحةً جديدةً مع خالقي ..