أهمية الدعوة في حياة المسلم
خليل الجبالي
ما أحوجنا للدعوة إلي الله سبحانه وتعالي، فبها تسمو القلوب ، وتسكن الجوارح، وتعلو المفاهيم وترتقي ، وتنجو بها الأبدان من النار وغضب الله.
ما أحوجنا لطاعة الله والدعوة إلي الحق التي يخرج بها الناس من الظلمات إلي النور، ومن الجهل إلي العلم والمعرفة { اللَّهُ ولِيُّ الَذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ والَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)} سورة البقرة.
والدعوة إلى الله وظيفة الأنبياء، فقد أوجبها عليهم ، بل ابتعثهم من أجلها وكلفهم بتبليغ دينه إلى الناس، وجعله أهم الواجبات المنوطة بهم بعد الإيمان به سبحانه وتعالي [الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله وكفى بالله حسيباً] الأحزاب: 39.
[ رُسُلاً مُّبَشِّرِينَ ومُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً] سورة النساء: 165.
ما أميز هذا الدين الذي أنزله ربنا تبارك وتعالى للناس كافية ،ولم يستثن من تبعة هذا الدين مخلوق، فالكل مكلف أمام الله سبحانه وتعالي بتبليغه والعمل له [ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (28) ] سورة سبأ.
دينٌ ارتضاه لنا رسول الله صل الله عليه وسلم بعد أن اكتملت جوانبه ، فأصبح نعمة تستحق الشكر، [اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ورَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً] سورة المائدة.
فبالدعوة يُرفع لواء الدين، وينتشر بين ربوع هذا الكون بعد أن يصل إلي النجوع والكهوف، ويلمس جميع القلوب.
والمخلوقات جمعاء خلقت لغاية واحدة وهي مرضاة الله سبحانه وتعالي وكمال العبودية له (ومَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ ومَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ (57) إنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ (58)] سورة الذريات.
فلولا الدعوة إلى الله لما قام دين، ولا انتشر إسلام، ولولاها لما اهتدى عبد، وما عَبدَ الله عابد، وما دعا الله داع {يََأَيّهَا الرّسُولُ بَلّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رّبّكَ ، وإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة: 67]
فدعوة إلإنسان إلي الله تحقق الغاية من خلقه (ومَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ (56)] سورة الذريات.
دعوةٌ بينها ربنا لنبيه صل الله عليه وسلم أنها طريق الهداية والإستقامة {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِى أَدْعُو إِلَىَ اللّهِ عَلَىَ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتّبَعَنِى وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108]
وهذه الدعوة لابد أن تؤثر في جوانب المسلم الشخصية، في جانبه التربوي والتعبدي، وجانبه الأخلاقي والسلوكي ، وجانبه الفكري والثقافي، وجانبه الجمالي والصحي، وجانبه المالي والإجتماعي.
وإذا لم تتأثر حياة المسلم بالدعوة فلن تكون مجدية.
وحياة المسلم الأسرية كذلك لابد أن تتأثر بدعوته ، فالهدف العام للأسرة ، وتقوية الروابط الإجتماعية وتقوية صلة الأرحام وتفعيل أفراد الأسرة نحو نفع المجتمع لأمر طـُلبنا نحن المسلمين به [وأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ (214) واخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ (215)] سورة الشعراء.
والمسلم الذي يتخذ الدعوة طريقه والله غايته سيحيا حياة طيبة، وضحها ربنا تبارك وتعالي فقال [مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ولَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)] سورة النحل.
وصاحب الدعوة يكون في شرف عظيم ومقام رفيع وإمامة للناس في الدنيا {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24].
وفي الآخرة يكون من المفلحين {وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلََئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104]
ويكفي صاحب الدعوة أنه
في معية الله وكنفه، فالداعي إلي الله في طاعته فقد جاء في الحديث القدسي:
[... وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ
عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى
أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ
الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي
بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ...]
رواه البخاري .
والدعوة إلي الله تزكية للنفوس، وتطهير للقلوب، ومنة من الله تعالى يمُنُّ بها علي
من يشاء من عباده
[
لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ
أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ ويُزَكِّيهِمْ ويُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ
والْحِكْمَةَ وإن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ (164)]
سورة آل عمران.
والداعي ذو منزلة عالية، ودرجة رفيعة، فيكفيه فخراً أنه داعي إلي الله [ومَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إلَى اللَّهِ وعَمِلَ صَالِحاً وقَالَ إنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ (33)] سورة فصلت.