اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ 32
اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ
32
رضوان سلمان حمدان
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾المائدة11
المعاني المفردة[1]
هَمَّ قَوْمٌ: أرادوا وتمنوا، وعزموا على إنفاذ إرادتهم. و" الهمّ " هو حديث النفس، فإذا ما خرج إلى أول خطا النزوع فذلك هو القصد، و" الهم " هو الشيء الذي يغلب على فكر الإنسان في نفسه ويكون مصحوباً بغم.
يَبْسُطُواْ: يقال: بسط إليه لسانه: إذا شتمه، وبسط إليه يده: إذا بطش به. يَبْطُشُوا بِكُمْ بِالقَتْلِ وَالإِهْلاَكِ.
فَكَفَّ: منع وردّ وحبس. وهو مجَاز عن الإعراض عن السوء خاصّة.
سبب النزول[2]
في سبب نزولها أربعة أقوال:
أحدها أن رجلاً من محارب قال لقومه الا أقتل لكم محمداً فقالوا وكيف تقتله فقال أفتك به فأقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيفه في حجره فأخذه وجعل يهزه ويهم به فيكبته الله ثم قال يا محمد ما تخافني قال: لا. قال: لا تخافني وفي يدي السيف؟ قال: يمنعني الله منك، فأغمد السيف. وفي بعض الألفاظ فسقط السيف من يده. وفي لفظ آخر فما قال له النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ولا عاقبه.
والثاني أن اليهود عزموا على الفتك برسول الله صلى الله عليه و سلم فكفاه الله شرهم قال ابن عباس صنعوا له طعاما فأوحي أليه بشأنهم فلم يأت وقال مجاهد وعكرمة خرج إليهم يستعينهم في دية فقالوا اجلس حتى نعطيك فجلس هو وأصحابه فخلا بعضهم ببعض وقالوا لن تجدوا محمدا أقرب منه الآن فمن يظهر على هذا البيت فيطرح عليه صخرة فقال عمرو بن جحاش أنا فجاء إلى رحى عظيمة ليطرحها عليه فأمسك الله يده وجاء جبريل فأخبره وخرج ونزلت هذه الآية.
والثالث أن بني ثعلبة وبني محارب أرادوا أن يفتكوا بالنبي وأصحابه وهم ببطن نخلة في غزاة رسول الله صلى الله عليه وسلم السابعة فقالوا إن لهم صلاة هي أحب إليهم من آبائهم وأمهاتهم فاذا سجدوا وقعنا بهم فأطلع الله نبيه على ذلك. وأنزل صلاة الخوف ونزلت هذه الآية هذا قول قتادة.
والرابع أنها نزلت في حق اليهود حين ظاهروا المشركين على رسول الله صلى الله عليه و سلم هذا قول ابن زيد ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرآئيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلوة وآتيتم الزكوة وآمنتم برسلي وعززتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيآتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل.
في ظلال النداء[3]
وتختلف الروايات في من تعنيهم هذه الآية . ولكن الأرجح أنها إشارة إلى حادثة المجموعة التي همت يوم الحديبية أن تغدر برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبالمسلمين ، فتأخذهم على غرة . فأوقعهم الله أسارى في أيدي المسلمين ( كما فصلنا ذلك في تفسير سورة الفتح ) .
وأياً ما كان الحادث ، فإن عبرته في هذا المقام هي المنشودة في المنهج التربوي الفريد ، وهي إماتة الغيظ والشنآن لهؤلاء القوم في صدور المسلمين . كي يفيئوا إلى الهدوء والطمأنينة وهم يرون أن الله هو راعيهم وكالئهم . وفي ظل الهدوء والطمأنينة يصبح ضبط النفس ، وسماحة القلب ، وإقامة العدل ميسورة . ويستحيي المسلمون أن لا يفوا بميثاقهم مع الله ؛ وهو يرعاهم ويكلؤهم ، ويكف الأيدي المبسوطة إليهم .
ولا ننس أن نقف وقفة قصيرة أمام التعبير القرآني المصور :
﴿إذ همّ قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم. .﴾
في مقام : إذ همَّ قوم أن يبطشوا بكم ويعتدوا عليكم فحماكم الله منهم . .
إن صورة و « حركة » بسط الأيدي وكفها أكثر حيوية من ذلك التعبير المعنوي الآخر.. والتعبير
القرآني يتبع طريقة الصورة والحركة. لأن هذه الطريقة تطلق الشحنة الكاملة في التعبير؛ كما لو كان هذا التعبير يطلق للمرة الأولى؛ مصاحباً للواقعة الحسية التي يعبر عنها مبرزاً لها في صورتها الحية المتحركة . . وتلك طريقة القرآن.
هداية وتدبر[4]
1. تذكير نعمة الله عليهم بدفع الشر والمكروه عن نبيّهم، فإنه لو حصل ذلك لكان من أعظم المحن. والذكر يعني استحضار الشيء إلى الذهن؛ لأن الغفلة تطرأ على الإنسان وعليه الا يستمر فيها.
2. ﴿نِعْمَتَ ٱللَّهِ﴾ ولم يقل: " نعم "؛ لأن كل نعمة على انفراد تستحق أن نشكر الله عليها؛ فكل نعمة مفردة في عظم وضخامة تستحق الشكر عليها، أو أن نعمة الله هي كل فيضه على خلقه، فأفضل النعمة أنه ربنا.
3. جاء سبحانه بـ ﴿إذ﴾ فالمراد نعمة بخصوصها؛ لأن " إذ " تعني " حين " فالحق يوضح: اذكروا نعمة الله عليكم في ذلك الوقت الذي حدثت فيه هذه المسألة؛ لأنه جاء بزمن ويطلب أن نذكر نعمته في هذا الموقف، إنه يذكرنا بالنعمة التي حدثت عندما همّ قوم ببسط أيديهم إليكم.
4. إن الذي عليه الجمهور أن المتوكل يحصل له بتوكله، من جلب المنفعة ودفع المضرة، ما لا يحصل لغيره. وكذلك الدعاء. والقرآن يدل على ذلك في مواضع كثيرة. قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾[الطلاق: 2 - 3]. والحسب: الكافي. فبيّن أنه كاف مَنْ توكل عليه.
5. البلاغة: بسط الأيدي كناية عن البطش والفتك، وكف الأيدي كناية عن المنع والحبس.
6. جاء الأمر بالتقوى أمر مواجهة مناسباً لقوله اذكروا. وجاء الأمر بالتوكل أمر غائب لأجل الفاصلة، وإشعاراً بالغلبة، وإفادة لعموم وصف الإيمان، أي: لأجل تصديقه بالله ورسوله يؤمر بالتوكل كل مؤمن، ولابتداء الآية بمؤمنين على جهة الاختصاص وختمها بمؤمنين على جهة التقريب.
7. عرفان الجميل، ووجوب تذكر نعمة اللّه على المؤمنين في رد كيد الأعداء عنهم وعن نبيهم
عليه الصلاة والسلام.
8. وجوب تقوى اللّه بنحو عام في كل أحوال الإنسان، والأمر بالتقوى عقب ذلك لأنّها أظهر للشكر، فعطف الأمر بالتَّقوى بالواو للدلالة على أنّ التّقوى مقصودة لذاتها، وأنّها شكر لله بدلالة وقوع الأمر عقب التذكير بنعمة عظمى.
9. وجوب التوكل على اللّه بعد اتخاذ الأسباب؛ لإحراز السعادة الدنيوية والأخروية. أمر لهم بالاعتماد على الله دون غيره. وذلك التّوكل يعتمد امتثال الأوامر واجتناب المنهيات فناسب التّقوى. وكان من مظاهره تلك النّعمة الّتي ذُكّروا بها.
[1] . التفسير الواضح. ومحاسن التأويل. وتفسير القرآن/ الفيروز آبادي. وبحر العلوم/ السمرقندي. والبحر المحيط/ أبو حيان. وأيسر التفاسير/ أبو بكر الجزائري. وأيسر التفاسير/ أسعد حومد. خواطر محمد متولي الشعراوي.
[2] . زاد المسير - ابن الجوزي.
[3] . في ظلال القرآن.
[4] . انظر: محاسن التأويل. والتفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج. وتفسير البحر المحيط. والتحرير والتنوير/ ابن عاشور. وخواطر محمد متولي الشعراوي.