بين قوة النفس، وقوة الإيمان!!
يحيى بشير حاج يحيى
حين أسر الروم عبد الله بن حذافة عرض عليه هرقل أن يعطيه نصف مُلكه ويترك دينه ، فأبى! فهدده بالقتل ، فأبى ! فأمر بقتل بعض الأسرى تخويفاً وتوهيناً ، ولكنه كان يزداد تمسكاً بدينه ، ولم يرهبه الموت !
فقال له : هل تُقبل رأسي وأُخٓلّي عنك ؟
فقال له عبدالله : وعن جميع أسرى المسلمين ؟
قال : نعم . فقبل رأسه ، وقدم بالأسرى على عمر بن الخطاب ، وأخبره بالأمر !
فقال عمر : حقٌّ على كل مسلم أن يُقبل رأس ابن حذافة ، وأنا أبدأ! فقبّل رأسه !
(في هذا النص تعليم للمتشددين الذين تختلط عندهم قوة النفس بقوة الإيمان !؟ فتمنعهم قوة النفس بما تقتضيه قوة الإيمان من الأخذ بالعزائم في محلها والرخص في محلها ،فهاهنا نجد ابن حذافة يقبل رآس هرقل مقابل أن يخلّص أسرى المسلمين ، وهذا مقتضى قوة الإيمان على حساب قوة النفس !
فكثيرون من الناس تمنعهم قوة النفس من الأخذ بالفتوى التي تناسب المقام ، وخاصة فيما يظنه الناس رخصة ، فيحبون أن يسجلوا مواقف بطولية لا تتحقق فيها مصلحة الإسلام والمسلمين ؟!
ومافعله عبد الله بن حذافة درسٌ لهؤلاء !فليس العبرة بقوة الموقف أو ضعفه ، بل العبرة في أن يكون المسلم عاملاً بحكم الشريعة في تعامله مع الكافرين والمسلمين ،ملاحظاً أن في الشريعة فتوى أصلية ، وأخرى استثنائية ، وفيها رخصة وعزيمة . والرخصة في محلها قد تكون أقوى من العزيمة ، ولا يفطن لمثل هذه الدقائق إلا أصحاب البصيرة ممن اجتمع لهم علم ٌ وتقوى وتوفيق !!
- من كتاب : الأساس في السُّنة وفقهها- الجزء الرابع ، للأستاذ سعيد حوى - رحمه الله -