حتميّة انتصار المؤمنين
د. فوّاز القاسم / سوريا
( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ ، وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ ) (إبراهيم 14)
إن الجاهلية لا ترضى من الإسلام أن يكون له كيان مستقل عنها . ولا تطيق أن يكون له وجود خارج عن وجودها . وهي لا تسالم الإسلام حتى لو سالمها . فالإسلام الذي يبدو في صورة تجمع حركي مستقل بقيادة مستقلة وولاء مستقل لا تطيقه الجاهلية .
لذلك لا يطلب الذين كفروا من رسلهم مجرد أن يكفوا عن دعوتهم ; ولكن يطلبون منهم أن يعودوا في ملتهم , وأن يندمجوا في تجمعهم الجاهلي , وأن يذوبوا في مجتمعهم فلا يبقى لهم كيان مستقل . وهذا ما تأباه طبيعة هذا الدين لأهله , وما يرفضه الرسل ويأبونه , فما ينبغي لمسلم أن يندمج في التجمع الجاهلي مرة أخرى بعد أن ذاق طعم الإيمان ، وعرف طريق الحق .
وعندما تسفر القوة الغاشمة عن وجهها الصلد لا يبقى مجال لدعوة , ولا يبقى مجال لحجة ; ولا يسلم الله الرسل إلى الجاهلية . .
إن التجمع الجاهلي - بطبيعة تركيبه العضوي - لا يسمح لعنصر مسلم أن يعمل من داخله , إلا أن يكون عمل المسلم وجهده وطاقته لحساب التجمع الجاهلي , ولتوطيد جاهليته ! والذين يخيل إليهم أنهم قادرون على العمل لدينهم من خلال التسرب في المجتمع الجاهلي , والتميع في تشكيلاته وأجهزته ، هم ناس واهمون ، ولا يدركون الطبيعة العضوية للمجتمع . هذه الطبيعة التي ترغم كل فرد داخل المجتمع أن يعمل لحساب هذا المجتمع ، ولحساب منهجه وتصوره . .
لذلك يرفض الرسل الكرام أن يعودوا في ملة قومهم بعد إذ نجاهم الله منها .
وهنا تتدخل القوة الكبرى فتضرب ضربتها المدمرة القاضية التي لا تقف لها قوة البشر المهازيل , وإن كانوا طغاة متجبرين :
( فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين . ولنسكننكم الأرض من بعدهم . ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد ).
ولا بد أن ندرك أن تدخل القوة الكبرى للفصل بين الرسل وقومهم إنما يكون دائما بعد مفاصلة الرسل لقومهم . . وبعد أن يرفض المسلمون أن يعودوا إلى ملة قومهم بعد إذ نجاهم الله منها . . وبعد أن يصروا على تميزهم بدينهم وبتجمعهم الإسلامي الخاص بقيادته الخاصة . وبعد أن يفاصلوا قومهم على أساس العقيدة فينقسم القوم الواحد إلى أمتين مختلفتين عقيدة ومنهجا وقيادة وتجمعا . . عندئذ تتدخل القوة الكبرى لتضرب ضربتها الفاصلة , ولتدمر على الطواغيت الذين يتهددون المؤمنين , ولتمكن للمؤمنين في الأرض , ولتحقق وعد الله لرسله بالنصر والتمكين . . . ولا يكون هذا التدخل أبدا والمسلمون متميعون في المجتمع الجاهلي , عاملون من خلال أوضاعه وتشكيلاته , غير منفصلين عنه ولا متميزين بتجمع حركي مستقل وقيادة إسلامية مستقلة . .
ولنلاحظ نون العظمة ونون التوكيد ( لنهلكنَّ الظالمين). .
فكلتاهما ذات ظل وإيقاع في هذا الموقف الشديد . !!!