الحج ميلاد أمة
رضوان سلمان حمدان
عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه"
( صحيح سنن ابن ماجة) _ وأخرجه البخاري ومسلم .
الشعائر التعبُّدية تُطهِّر المسلم؛ فالوضوء والصلوات الخمس والجمعة ورمضان، تكفِّر الذنوب إذا اجْتُنِبَت الكبائر، ثم يأتي الحج ليغسِلَه من كل ذنوبه ، وكأنه وُلِدَ من جديد ، ومن ثَمَّ يفرح الحاجّ:
{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا}
يونس: من الآية 58.
وأما الشيطان فيحزن حين يرى رحماتِ الله المُنزَّلة على أهل عرفة ؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم:
"ما رُئِيَ الشيطانُ يومًا هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة ؛ وما ذاك إلا لما يرى من تنزُّل الرحمة ، وتجاوز الله عن الذنوب العظام"
رواه مالك: الموطأ.
والطاعة والطهارة تمنح المؤمن قوةً ، وتزيد الشيطان ضعفًا ، ومن ثم يتجه الحجيج من عرفات لرجمه مرةً ومرةً ، فتتحقَّق عبوديتهم الكاملة لله ، وبذلك يتخلصون من سلطان الأبالسة..
{إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ* إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ}
النحل: 99، 100.
وهذا ما يجب علينا في مواجهتنا لأعدائنا ؛ بأن نجدد إيماننا ، ونتطَّهر من ذنوبنا ، ونُقبل على طاعة ربنا ، ونتوكَّل على الله وحده ، ونخشاه ولا نخشى أحدًا سواه..
{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}
آل عمران: 173.
إن في حركة الحجيج وهم يتجهون في أمواجٍ متحدةٍ إلى عرفات ، يستمطرون الرحمة ، وينزلون منها في قوة الطهارة ووحدة الجمع إلى رجْم العدو الرجيم ، ليُدْرِكُ منه عدونا خطر اتحادنا ، فيمكر ليلَ نهارَ بما يفرقنا ، وقد حذَّرنا الله من ذلك ، فقال:
{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}
الأنفال 46.
ولكي تحافظ الأمة على استقلالها يجب أن تعرف أعداءها ، كما عرفت الشيطان فرجمته ، وأن تستيقن أن عدوَّها لن يُخلِص النصح لها ، ولن يأمرَها إلا بكل ما يبعدها عن الدين ، مصدر قوتها ، وسبيل حريتها واستقلالها ، كما ينزغ الشيطان للمسلم بكل ما يُردِيه في النيران ، ويحرمه من الجنان ، وهذا ما يعملون له من عشرات السنين:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}
آل عمران: 100.
وليت الأمة تعلم أن استرضاء الأعداء لن يحقِّق لها نصرًا ، وأن عاقبتها الخسران:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ* بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ}
آل عمران: 149، 150.
ولن تكون فرحتُنا تامَّةً غامرةً إلا بميلاد الأمة المسلمة الجديرة بأستاذية العالم ، وحينئذٍ ترفع الضيم والظلم ، وتبسط العدل والمساواة ، وتنشر الرحمة على الناس أجمعين دون تفرقةٍ بلونٍ أو جنسٍ أو عقيدةٍ..
{وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ* وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}
الروم: 4: 6.