وقفة تحليلية مع رسالة "إلى الشباب"
وقفة تحليلية مع رسالة "إلى الشباب"
الإخوان لا يريدون إلا الإسلام ..
ولا يرون سواه منقذاً للأمة
الجانب العملي أهم بكثير في الدعوة
.. وعماد ذلك الكتاب والسنة
الإمام الشهيد حسن البنا
الغاية هي إرضاء الله وأداء الواجب وهداية الناس
تظل رسائل الإمام الشهيد حسن البنا- يرحمه الله- النبع الذي ينهل منه كل من أراد معرفة فكر وثوابت وحقيقة منهج الإخوان المسلمين؛ لذلك فكل مرة تُقرأ أو تُدرس تجد فيها مواقف ومفاهيم ودروس عظيمة تتعلمها وتدعو الله بالرحمة لكاتبها.
فالرسائل في مجملها حاويةٌ لفكر الإخوان ومنهجهم ومواقفهم الثابتة من القضايا المصيرية، وفي كل رسالة كان الإمام- يرحمه الله- يتناول عدة محاور للحديث عنها وتوضيحها وترسيخها في نفوس الإخوان، ولتوضيح ثوابت الإخوان الفكرية للإخوان ولغيرهم، ولنا مع رسالة "إلى الشباب" عدةُ وقفات لبيان بعض الدروس التي وضحها الإمام البنا وكذلك بعض الأسس في مجالات مختلفة من جوانب العمل الإسلامي والسياسي.
ففي اختيار الإمام للشباب توضيحٌ لأهمية الشباب في نهضة الأمة عمومًا وفي العمل الإسلامي خصوصًا، فهم الوقود الدافع للعمل، وهم الذين تتحقق بجهودهم وطاقاتهم وعملهم الدؤوب الآمال العظام والمستهدفات الكبرى "ومن هنا كان الشباب قديمًا وحديثًا في كل أمة عمادَ نهضتها، وفي كل نهضة سرّ قوتها، وفي كل فكرة حامل رايتها".
وأحسب أن الشباب ليس الشباب عمريًّا فقط- وإن كانوا هم المستهدفين- ولكنه القدرة على البذل والعطاء والتضحية والعمل في سبيل الله، فكل من يقدر على هذا فهو شاب ومعنيٌّ بكل كلمة في هذه الرسالة، فكم من شاب "سنيًّا" وهو كهل في العمل وكم من كهل سنيًّا تجده شابًّا فتيًّا في العمل، وإن كانت كل هذه الصفات توجد بكثافة في مراحل الشباب السنية- وهم المستهدفون من الرسالة- ولكن ينبغي على مَن تجاوزها أن يعمل بجد ليدلو بدلوه- على قدر إفراغ وسعه- وذلك من باب المنافسة في الخير.
عوامل النجاح
بدأت الرسالة بتحديد عوامل النجاح، وفي هذا تحفيزٌ للهمم وإيقاظٌ للمشاعر والأحاسيس لاستشعار عظمة المسئولية بالبدء بعوامل النجاح لدفعهم للتفاؤل ورفع الروح المعنوية.. "إنما تنجح الفكرة إذا قوي الإيمان بها، وتوفر الإخلاص في سبيلها، وازدادت الحماسة لها، ووُجد الاستعداد الذي يحمل على التضحية والعمل لتحقيقها"، ونجده حدد أركان النجاح الأربعة: الإيمان، والإخلاص، والحماسة، والعمل، وهي تشمل الجانب الروحي والعقائدي (الإيمان، والإخلاص) بجوار الجانب العملي والتطبيقي (والحماسة، والعمل)، وهذا دمجٌ رائعٌ لكبْح حماسة الشباب وحُسن توجيهها وترسيخ مفهوم تقديم الجانب العقائدي على ما سواه.
كما ورد في آخر الرسالة: "وسيجد كل عامل صادق منكم في ميدان الإسلام ما يُرضي همته ويستغرق نشاطه إذا كان من الصادقين"، فإذا كانت طبيعة الشباب الحماسة التي قد تصل إلى حد التهوُّر فنجد الإمام هنا يكبح جماحَها ويسوسها إلى الطريق السوي طريق الإيمان والإخلاص والصدق.
المسئولية
ثم نجد الإمام- يرحمه الله- يستجيش في نفوسهم الحميَّة ويُشعرهم بالمسئولية الملقاة على عاتقهم حين يقول لهم: "ومن هنا كثرت واجباتكم، ومن هنا عظُمت تبعاتكم، ومن هنا تضاعفت حقوق أمتكم عليكم، ومن هنا ثقلت الأمانة في أعناقكم، ومن هنا وجب عليكم أن تفكروا طويلاً، وأن تعملوا كثيرًا، وأن تحددوا موقفكم، وأن تتقدموا للإنقاذ، وأن تعطوا الأمة حقَّها كاملاً من هذا الشباب" فالشاب المسلم لا يقضي شبابه لاهيًا عابثًا كغيره من الشباب، فالأمة المجاهدة لا تعترف بهذا ومن يتصدى تطوعًا للعمل لله عليه أن يعطي الأمةَ حقَّها من شبابه، بذلاً وتضحيةً وعطاءً وحركةً ونشاطًا وعملاً دؤوبًا بلا كلل ولا ملل.
لهذا نجد الإمام أردف هذا ببيان اختلاف التنشئة بين أجيال الأمة فيصف الجيل الأول بقوله: "قد ينشأ الشاب في أمة وادعة هادئة، قوي سلطانها، واستبحر عمرانها، فينصرف إلى نفسه أكثر مما ينصرف إلى أمته" ثم يبين الجيل الثاني: "وقد ينشأ في أمة جاهدة عاملة قد استولى عليها غيرُها، واستبدَّ بشئونها خصمُها، فهي تجاهد ما استطاعت في سبيل استرداد الحق المسلوب والتراث المغصوب والحرية الضائعة والأمجاد الرفيعة والمُثُل العالية، وحينئذ يكون من أوجب الواجبات على هذا الشباب أن ينصرف إلى أمته أكثر مما ينصرف إلى نفسه، وهو إذ يفعل ذلك يفوز بالخير العاجل في ميدان النصر، والخير الآجل من مثوبة الله"، وهو بهذا يوضح طريق التضحية للشباب وبذله لشبابه وطاقته دون نظرٍ لمقابل من أي أحد دون الله سبحانه وتعالى.
ويختتم هذا المعنى ببثِّ روح الأمل والثقة في النفوس؛ حتى لا يصيبَها القنوط ببيان حقيقة النصر وقوانينه الثابتة القائمة على الإيمان والعمل، فيوضح أن النصر يكون للمؤمنين بعملهم الدؤوب فلا يكفي الإيمان وحده ولا العمل وحده "واستعدوا يا رجال.. فما أقرب النصر للمؤمنين!! وما أعظم النجاح للعاملين الدائبين!!".
عمق الجذور
ثم ينتقل لمحور آخر لبيان حقيقة دعوتنا في العصر الحديث؛ وذلك لبيان مشروعيتها وعمق جذورها، وبيان أن هذه الدعوة هي من صميم الإسلام وبيان أهميتها لإنقاذ الأمة "لقد آمنا إيمانًا لا جدال فيه ولا شكَّ معه، واعتقدنا عقيدةً أثبت من الرواسي وأعمق من خفايا الضمائر بأنه ليس هناك إلا فكرةٌ واحدةٌ هي التي تنقذ الدنيا المعذَّبة وتُرشد الإنسانية الحائرة وتهدي الناس سواء السبيل، وهي لذلك تستحق أن يضحَّى في سبيل إعلانها والتبشير بها وحمل الناس عليها بالأرواح والأموال، وكل رخيص وغال.. هذه الفكرة هي الإسلام الحنيف الذي لا عِوَجَ فيه ولا شرَّ معه ولا ضلالَ لمن اتبعه".
إنه الإسلام.. روح هذه الدعوة ومنهجها، وسبيل نهضتها وهدايتها؛ ولعل في هذا أبلغ ردٍّ للمشكِّكين في نوايا الإخوان وتوجهاتهم، فهم لا يريدون سوى الإسلام وفقط ولا يريدون ولا يرون في سواه منقذًا للأمة "ففكرتنا لهذا إسلامية بحتة، على الإسلام ترتكز، ومنه تستمد، وله تجاهد، وفي سبيل إعلاء كلمته تعمل، لا تعدل بالإسلام نظامًا، ولا ترضى سواه إمامًا، ولا تطيع لغيره أحكامًا".
واجب الإخوان
ثم تحدث يرحمه الله عن واجب الإخوان وهو بيان الدعوة ونشرها للناس في قوله: "فأول واجباتنا نحن الإخوان أن نبين للناس حدودَ هذا الإسلام واضحةً كاملةً بيِّنةً لا زيادةَ فيها ولا نقصَ بها ولا لبسَ معها، وذلك هو الجزء النظري من فكرتنا، وأن نطالبهم بتحقيقها ونحملهم على إنفاذها ونأخذهم بالعمل بها، وذلك هو الجزء العملي لهذه الفكرة".
ونجده هنا أرسى مبدأً مهمًّا ألا وهو تغليب الجانب العملي على الجانب النظري في الدعوة؛ حيث أوضح أن الواجب هو البيان بجلاء وهذا هو الجانب النظري، أما العملي فشمل "نطالبهم، نحملهم، نأخذهم" وفي هذا بيان لأهمية العمل والعَطاء والتجرد وتغليب الجانب العملي وتقديمه على مجرد التنظير وقوة الحجة والبيان.
المنهج والغاية
ثم يوضح المنهج والدستور الذي يعمل الإخوان له وبه ومن أجله "وعمادنا في ذلك كله كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والسنة الصحيحة الثابتة عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والسيرة المطهرة لسلف هذه الأمة"، ثم يوضح الإمام هنا السبب والغاية من هذا "لا نبغي من وراء ذلك إلا إرضاء الله وأداء الواجب وهداية البشر وإرشاد الناس" فهذه هي غايات الإخوان على مرِّ العصور بلا مواربةٍ أو مداهنةٍ، وهذه هي المبادئ التي يزرعونها في نفوس شبابهم منذ اللحظة الأولى.
السبيل
ثم يوضح السبيل لتحقيق هذه المبادئ، وفيها أيضًا نجد تغليب الجانب العملي وروح البـذل والـتضحية في النفوس "وسنجاهد في سبيل تحقيق فكرتنا، وسنكافح لها ما حيينا، وسندعو الناس جميعًا إليها، وسنبذل كل شيء في سبيلها، فنحيا بها كرامًا أو نموت كرامًا، وسيكون شعارنا الدائم: الله غايتنا، والرسول زعيمنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا" فهذه الشعارات التي يرددها الإخوان في منتدياتهم ليست شعاراتٍ تُردَّد، ولكنها شعارات للعمل الجاد، ولتنزل منزل التنفيذ والتطبيق العملي والفعلي في النفوس وواقع الحياة.
مبشرات
وينتقل بعد ذلك للحديث عن بعض المبشرات ولغرس روح العزة في النفوس "إن الله قد أعزكم بالنسبة إليه والإيمان به والتنشئة على دينه، وكتب لكم بذلك مرتبة الصدارة من الدنيا ومنزلة الزعامة من العالمين وكرامة الأستاذ بين تلامذته.. ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ﴾ )آل عمران: 110(".
وكأن الإمام يرحمه الله بين ظهرانينا اليوم وهو يقول: "فأول ما يدعوكم إليه أن تؤمنوا بأنفسكم، أن تعلموا منزلتكم، وأن تعتقدوا أنكم سادة الدنيا وإن أراد لكم خصومكم الذل، وأساتذة العالمين وإن ظهر عليكم غيركم بظاهر من الحياة الدنيا والعاقبة للمتقين".. فهذه هي روح الإسلام الحقيقية، روح العزة والإباء والكرامة، لا روح الذُّل والانكسار التي يريدها لنا أعداؤنا.. إنها روح الإسلام التي لو تحلَّينا بها لما استطاعت قوى الأرض قاطبةً أن تنال من عزيمتنا ولا كرامتنا ولوقفنا بعقيدتنا في وجه شتى أنواع التحديات..
"فجدِّدوا أيها الشباب إيمانَكم، وحدِّدوا غاياتِكم وأهدافَكم، وأول القوة الإيمان، ونتيجة هذا الإيمان الوحدة، وعاقبة الوحدة النصر المؤزر المبين، فآمنوا وتآخَوا واعلموا وترقَّبوا بعد ذلك النصر، وبشر المؤمنين" نجده هنا حدَّد معالم طريق النصر المبين في قوة الإيمان والعقيدة والارتباط بحبل الله المتين، ثم الوحدة والتآخي والعمل، وفي هذا إن طُبق بحق سبيلُ النصر المبين والحاسم إن شاء الله، ولو رُبي الشباب على هذا- كما أراد الإمام الشهيد- لتحقق للأمة نصر الله، فكيف لمجتمع مؤمن متوحد متآخٍ يعمل لوجه الله أن ينهزم أمام قوى الباطل مهما كانت قوتها وجبروتها.
ونجده- يرحمه الله- يختتم هذا المحور ببث روح الثقة بعمومها وشمولها وبكل معانيها في النفوس، ويقول: "إن العالم كلَّه حائرٌ يضطرب، كل ما فيه من النظم قد عجز عن علاجه ولا دواءَ له إلا الإسلام، فتقدموا باسم الله لإنقاذه، فالجميع في انتظار المُنقذ، ولن يكون المنقذ إلا رسالة الإسلام التي تحملون مشعلها وتبشرون بها".. فهذه هي الروح التي نحن بحاجة إليها الآن في ظل التغيرات الدولية الجارية من حولنا، في حاجة لثقة بأنفسنا وبمنهجنا وبطريقنا وبدعوتنا وبقيادتنا، وقبل ذلك كله في حاجة لثقة في الله ونصرِه للمؤمنين.
نريد الثقة المرادة عند الإطلاق بكل عمومها كما طرحها الإمام الشهيد من قبل، والتي استقاها من المصطفى- صلى الله عليه وسلم- الذي كان مثالاً للثقة في كل مواقفه حتى في أعتى وأشد الظروف، كما حدث في وعده لسراقة ومواقفه عند حفر الخندق وغيرها الكثير.
ماذا نريد؟!
وفي البعد التالي للرسالة يتحدث الإمام عن ماذا نريد؟ وهو يحدد هنا بوضوح ما يريده الإخوان على مر العصور والذي يُعدُّ أحد أهم الثوابت الفكرية للجماعة والتي حفظها الله سبحانه، رغم قسوة ما تعرض له الإخوان من محن وابتلاءات لم تنَل من ثوابتهم التي وضعها الإمام الشهيد، فهو يريد الشخص المسلم والبيت المسلم والمجتمع المسلم والحكومة المسلمة وكل جزء من الوطن الإسلامي وجميع الأراضي التي سعدت بالخلافة الإسلامية حينًا من الدهر ثم الخلافة الإسلامية".
ثوابت
وتتضح هنا أربعة من أهم ثوابت الجماعة وهي الربانية والتدرج والتربية والشمولية، فنجد الربانية واضحةً جليةً في قوله: "وإلى الهدف الذي وضعه الله لنا لا الذي وضعناه لأنفسنا، وسنصل بإذن الله وبمعونته، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولوكره الكافرون" فالإخوان يسيرون وفق منهج الله والوصول لهذا الهدف وتلك الغاية سيكون بإذن الله ومعونته وفضله، ولا عونَ ولا ملجأَ إلا الله سبحانه فهو المعين وعليه التكلان، فالله سبحانه هو الهدف والغاية وهو الملاذ والملجأ.
كما نجد في هذا الطرح تدرجًا في الوسائل للوصول للهدف الأسمى "أستاذية العالم" ثم اعتماد التربية كوسيلة أساسية لتحقيق هذه الوسائل وشمولية هذه الوسائل لتبدأ من الفرد حتى تعم العالم كله، فنجده يقرر حقيقة وموقع التربية في فكره حين يقول "سنربي أنفسَنا ليكون منا الرجل المسلم، وسنربي بيوتَنا ليكون منها البيت المسلم، وسنربى شعبنا ليكون منه الشعب المسلم، وسنكون من بين هذا الشعب المسلم، وسنسير بخطوات ثابتة إلى تمام الشوط".
فكرة شاملة
ثم يقرر بوضوح شمولية فكره ودعوته "فليكن ذلك من صميم السياسة الداخلية والخارجية، فإنما نستمد ذلك من الإسلام، ونجد بأن هذا التفريق بين الدين والسياسة ليس من تعاليم الإسلام الحنيف" كما يتضح أيضًا في قوله "ولكنهم آمنوا به عقيدةً وعبادةً، ووطنًا وجنسيةً، وخلقًا ومادةً، وثقافةً وقانونًا، وسماحةً وقوةً، واعتقدوه نظامًا كاملاً يفرض نفسَه على كل مظاهر الحياة وينظم أمرَ الدنيا كما ينظم الآخرة.. اعتقدوه نظامًا عمليًّا وروحيًّا معًا فهو عندهم دين ودولة، ومصحف وسيف".
لا للضعف
ثم يشعل حماس وعزيمة الشباب بقوله: "ليقُل القاصرون الجبناء إن هذا خيال عريق ووهْمٌ استولى على نفوس هؤلاء الناس، وذلك هو الضعف الذي لا نعرفه ولا يعرفه الإسلام.. ذلك هو الوهَن الذي قُذف في قلوب هذه الأمة فمكَّن لأعدائها فيها، وذلك هو خراب القلب من الإيمان وهو علة سقوط المسلمين" وهنا تأصيل رائع لمبادئ وأهداف الإخوان وأنها ليست بدعًا ولا محدثةً من الأمور ولكنها حقيقةُ الإسلام الناصعة، وما عداها هو نتاج خراب القلوب وضعف الإيمان.
ولعل في قوله "وقد أعددنا لذلك إيمانًا لا يتزعزع، وعملاً لا يتوقف، وثقةً بالله لا تضعُف، وأرواحًا أسعد أيامها يوم تلقى الله شهيدةً في سبيله" أروع إجمال لفكره ومنهجه حين يربط بين الإيمان والعمل والثقة والتضحية بأعزِّ ما يملك الإنسان وهي روحه حتى ينال الشهادة، وهنا تتضح الغاية والوسيلة والهدف بوضوح جليٍّ لا يقبل أدنى شك أو تأويل.
شبهات وردود
ويرد الإمام بعد ذلك على عدة شبهات تُوجَّه للدعوة وتتجدد هذه الشبهات بين الفترة والأخرى، فيتحدث عن الوطنية واعتقاد البعض أن الإخوان يتبرَّمون من الوطنية ويُرجع الأمر لمصدره حين يقول "فالمسلمون أشد الناس إخلاصًا لأوطانهم وتفانيًا في خدمة هذه الأوطان واحترامًا لكل من يعمل لها مخلصًا" فالقضية ليست قضية الإخوان كجماعة من المسلمين وحسب، وإنما هي مسألة إسلامية عقائدية في المقام الأول، والباعث والدافع فيها هو العقيدة وتصحبها النية "ولكن الفارق بين المسلمين وبين غيرهم من دعاة الوطنية المجردة أن أساس وطنية المسلمين العقيدة الإسلامية" فالإسلام يدعو لحب الأوطان وللدفاع عنها وللعمل على نهضتها ورفعتها والحفاظ على مقدساتها والتضحية من أجلها، ولكن كل هذا لله وحده لا لمنفعة مادية أو لمغنم زائل.
وفي قول الإمام "وحسبك من وطنية الإخوان المسلمين أنهم يعتقدون عقيدةً جازمةً لازمةً أن التفريط في أي شبر أرض يقطنه مسلم جريمةٌ لا تُغتفر حتى يعيدوه أو يهلكوا دون إعادته، ولا نجاة لهم من الله إلا بهذا" توضيح لمدى استعداد الإخوان للتضحية من أجل أوطانهم بكل شيء، ولكن هذا لسبب عقدي ولإيمان راسخ في النفوس، وهذا ما حدث بالفعل في حرب القناة في مصر لمقاومة الاحتلال الإنجليزي وما حدث في حرب فلسطين عام 1948 م وما يحدث الآن في فلسطين وغيرها من المواقف التي لم يتأخر فيها الإخوان عن نصرة أوطانهم والتضحية في سبيلها بكل مرتخص وغال.
الإخوان والتقدم
ويوضح الإمام بعد ذلك موقف الجماعة من قضية التقدم، وأن الجماعة مع هذا التقدم وتتبناه بكل قوة ولا تفرط فيه، ولقد أثرى الإخوان الأمةَ بمجموعة متميزة من العلماء والمبدعين في مختلف المجالات؛ مما يؤكد اهتمامهم بالتقدم وحرصهم عليه وعدم تفريطهم فيه أو تنازلهم عنه؛ لأنهم يؤمنون أن هذا مخالفٌ لتعاليم صحيـح الإسلام "ويخطئ من يظن أن الإخوان المسلمين دعاةُ كسل أو إهمال، فالإخوان يعلنون في كل أوقاتهم أن المسلم لا بد أن يكون إمامًا في كل شيء، ولا يرضون بغير القيادة والعمل والجهاد والسبق في كل شيء، في العلم وفي القوة وفي الصحة وفي المال، والتأخر في أية ناحية من النواحي ضارٌّ بفكرتنا مخالف لتعاليم ديننا".
ولكن الإمام يضع بعض الضوابط لجعل هذا التقدم خالصًا لوجه الله، كما ينكر جعل هذا التقدم غايةً في ذاته لهدف مادي أو لإزكاء روح الأنانية وحسب "ونحن مع هذا ننكر على الناس هذه المادية الجارفة التي تجعلهم يريدون أن يعيشوا لأنفسهم فقط وأن ينصرفوا بمواهبهم وأوقاتهم وجهودهم إلى الأنانية الشخصية".
الإخوان والعنصرية
وعرض الإمام بعد ذلك للإخوان والعنصرية وأوضح أن منهج الإخوان في هذا قائم على احترام الرابطة الإنسانية العامة والبرّ والإحسان بين المواطنين وإن اختلفت عقائدهم وأديانهم وإنصاف الذميين وحسن معاملتهم، وهذه المبادئ العامة هي في الواقع تعاليم الإسلام الحنيف ومبادئه التي أرساها المصطفى صلى الله عليه وسلم.
وأنهى الإمام حديثه للشباب بالحديث عن علاقة الإخوان بالهيئات المختلفة وأوضح أسس التعامل مع هذه الهيئات وهي المبادئ الإسلامية، فالغاية لا تبرر الوسيلة، والبذل مما رزقهم الله، فهم لا يمدون أيديَهم لأحد، ولا يرجون من أحد جزاءً ولا شكورًا، ثم العزة بعد ذلك بأنهم لم ينحنوا لغير الله.. "
فالإخوان المسلمون يعملون لغايتهم على هدى من ربهم وهي الإسلام وأبناؤه في كل زمان ومكان، وينفقون مما رزقهم الله ابتغاء مرضاته، ويفخرون بأنهم إلى الآن لم يمدوا يدهم إلى أحد ولم يستعينوا بفرد ولا هيئة ولا جماعة".
ثم يختم بعرض لكامل الفكرة والوسائل لتحقيقها، وهي إيمان واتباع وعمل وتجرد وبذل وتضحية وصدق وإفراغ للوسع في العمل الجاد، فإذا تحقق هذا فسيتم تحقيق النصر الذي تحقق من قبل وليس هذا على الله بعزيز "على هذه القواعد الثابتة وإلى هذه التعاليم السامية ندعوكم جميعًا، فإن آمنتم بفكرتنا واتبعتم خطواتنا وسلكتم معنا سبيلَ الإسلام الحنيف وتجردتم من كل فكرة سوى ذلك ووقفتم لعقيدتكم كلَّ جهودكم.. فهو الخير لكم في الدنيا والآخرة، وسيحقق الله بكم إن شاء الله ما حقَّق بأسلافكم في العصر الأول، وسيجدُ كلُّ عامل صادق منكم في ميدان الإسلام ما يُرضي همتَه ويستغرق نشاطه إذا كان من الصادقين.. وإن أبيتم إلا التذبذب والاضطراب والتردد بين الدعوات الحائرة والمناهج الفاشلة.. فإن كتيبة الله ستسير غير عابئة بقلة ولا بكثرة.. ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ (آل عمران: 126).