الخمر بين الإسلام وغيره

رضوان سلمان حمدان

الخمر

بين الإسلام وغيره

رضوان سلمان حمدان

[email protected]

يقول الله تعالي { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون , إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون } .

كانت الخمر من العادات الجاهلية المتغلغلة في قلوب العرب والغائرة في أعماق نفوسهم وكانت لها أوقات للشرب في اليوم معلومة وكانوا يتاجرون فيها فتدر عليهم أموالا كثيرة ،وكان تعلق العرب بها كبيرا ومن المعلوم أن العادات لا تتغير في يوم وليلة أومن أول وهلة . فجاء الإسلام والعرب علي ذالك ، ولأنه من حكيم عليم , تدرج لهم في تحريم الخمر ، فهو عليم بما في النفوس من التعلق بها ، حكيم في تشريعه وعلاجه لهذه المشكلة .

فكان أول ما نزل من تحريم الخمر إشارة للناس أن الخمر ليست من الرزق الحلال كما قال تعالي في سورة النحل { ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا } والخمر شيء والرزق الحسن شيء آخر فمن أراد الرزق الحسن فليترك الخمر.  ثم نزل بعد ذلك قوله تعالي في سورة البقرة { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس } فبين سبحانه وتعالي أن الخمر والميسر فيهما إثم في الدين ، ومنافع في الدنيا من نشوة الشرب وكسب التجارة ، لكن الإثم والشر فيها أكبر بكثير من المنافع البسيطة القليلة بها، وهنا إشارة لطيفة يقولها صاحب الظلال رحمه الله تعالي حيث يقول: " فالأشياء والأعمال قد لا تكون شرا خالصا ،فالخير يتلبس بالشر ، والشر يتلبس بالخير في هذه الأرض ،ولكن مدار الحل والحرمة فهو غلبة الخير أو غلبة الشر ،فإذا كان الإثم في الخمر والميسر أكبر مع النفع ،فتلك علة تحريم ومنع وإن لم يصرح هنا بالتحريم والمنع" وهنا وضح القرآن كيف ننظر إلى الأمور النظرة الصحيحة وهي: مقاييس الخير والشر فإن رجح الخير فهو المطلوب والجائز وإن رجح الشر فهو الممنوع والحرام ولا ننظر إلى أي أمر بمقياس واحد فهذا خطأ, فكانوا يشربونها إلي أن صلي عبد الرحمن بن عوف فقرأ سورة الكافرون فخلط في الصلاة فنزل قوله تعالي في سورة النساء { يأيها الذين آمنوا لاتقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون }

فكان هذا النهى عن شرب الخمر قبل وقوت الصلاة ، ومن المعلوم أن الصلوات خمس صلوات وكان لهم أوقات معلومة للشرب فكان هذا كسرا لعاداتهم في الشرب . إذ أن المرء لا يستطيع أن يجمع بين شرب الخمر وبين أن يصلي وهو غير سكران ، فكانوا يشربونها إلى قبل وقت الصلاة حتى أنزل الله التحريم القاطع في سورة المائدة في قوله تعالي:

{ يا أيها الذين أمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون * إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فها أنتم منتهون } فقالوا :انتهينا انتهينا .

 وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : حرمت الخمر ثلاث مرات قدم رسول الله صلي الله عليه وسلم المدينة وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسر فسألوا رسول الله صلي الله عليه وسلم فأنزل الله{ يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس } فقال الناس : ما حرم علينا ، إنما قال { فيهما إثم كبير }، وكانوا يشربون الخمر حتى كان يوما من الأيام صلى عبد الرحمن بن عوف  بالمهاجرين وأم أصحابه في المغرب فخلط في قراءته : فأنزل الله آية أغلظ منها { يأيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } وكانوا يشربون حتى يأتي أحدهم الصلاة وهو مفيق . ثم أنزل آية أغلظ من ذلك { يأيها الذين أمنوا إنما الخمر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون } قالوا انتهينا ربنا.

 وروي النسائي بسند صحيح عن عثمان قال:"اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث إنه كان رجل ممن خلا قبلكم يتعبد ويعتزل الناس, فلقته امرأة غوية, فأرسلت إليه جاريتها: إنا ندعوك لشهادة. فدخل معها , فطفقت كلما دخل بابا أغلقته دونه ،حتى أفضي إلي امرأة وضيئة عندها غلام وباطية خمر فقالت :إني والله ما دعوتك لشهادة ولكني دعوتك لتقع على أو تقتل هذا الغلام أو تشرب هذا الخمر . فسقته كأسان ،فقال زيدوني ،فلم يرم حتى وقع عليها وقتل النفس ،فاجتنبوا الخمر فإنها لا تجتمع هي والإيمان أبدا إلا أوشك أحدهما أن يخرج صاحبه وذلك لأنه رأي أن أقل الشر أن يشرب الخمر فجرته إلي باقي المحرمات" . ولما نزلت الآيات الأخيرة انتهي الجميع وأراق كل واحد منهم ما كان في يده أو في بيته ،حتى مج من كان في فمه. وانتهي الأمر كأن لم يكن هناك خمر ولا سكر إلى هذه الدرجة من الاستجابة للقرآن وذلك لأن القرآن الكريم عالج المشكلة وهو خبير بالنفس البشرية، والأوضاع الاجتماعية فعالج هذا الوضع أفضل معالجة أما اليوم فالكل يعاني من أضرار الخمر ولم ينتهوا عنها. 

    سنت الولايات المتحدة الأمريكية قانونا لمنع الخمر1919 وصرفت الكثير من الأموال وتم إلغاء القانون في1933 ولم يفلح في منع الخمر وفي ذلك يقول السيناتور الأمريكي وليم فولبرايت عن مشكلة الخمر : وصلنا إلى القمر ولكن أقدامنا منغمسة في الوحل ، إنها مشكلة حقيقية عندما نعلم أن الولايات المتحدة فيها أكثر من 11 مليون مدمن خمر ، وأكثر من 14 مليون شارب خمر , وذكر البروفيسور ( شاكيت ) أن 93 % من سكان الولايات المتحدة يشربون الخمر وأن 40: 50% من الرجال يعانون من أمراض بسببه [ أمراض عابرة ] وأن5 %  من النساء , و10 % من الرجال يعانون من أمراض مزمنة.

وقد بلغت خسائر الولايات المتحدة في الستينيات بسبب الخمر 43 مليون دولار في العام الواحد في مجال الصحة والصناعة والمجال الاجتماعي.  وأما خسائر بريطانيا فبلغت 640 مليون جنيه إسترليني في عام 1983م أنفقت منها 69مليون علي المدمنين في المستشفيات فكم تساوي هذه الملايين اليوم ؟

أما عن الانتحار والموت فقد ذكرت مجلة  بريطانية مقالا بعنوان [ الشوق إلى الخمر ] جاء فيه إذا كنت مشتاقا إلى الخمر , حتما ستموت بسببها , وذكر الكتاب أن ( 1000 ) شخص يموتون سنويا في بريطانيا بسبب الخمر , كما ذكر أن 23ألف يموتون في فرنسا سنويا و16ألف في ألمانيا بسبب الخمر.

كما ذكر أن نصف حالات الانتحار في الولايات المتحدة بسبب الإدمان . و34 % من جرائم الاغتصاب، و64 % من حوادث السير ومصرع المشاة بسبب الخمر .

كل ذلك ولم ينته الناس عن الخمر ولم تفلح دولة غير دولة النبي صلي الله عليه وسلم في منع الخمر.

وهذه بعض من أضراره على صحة الإنسان :

أولا : أضرار الخمر علي الجهاز الهضمي :

1- يؤدي مرور الخمر في الفم إلى التهاب الفم وتشقق اللسان واضطراب الذوق ويجف اللسان وقد يظهر سيلان اللعاب .

2- تسبب سرطان المريء حيث ذكرت دراسة أن 90 % من سرطان المريء بسبب الخمر .

3- تسبب قرحة المعدة بسبب زيادة إفراز حمض الهيدروكلوريد والببسين .

4- اضطراب حركة المعدة ويحدث التهابات معوية مزمنة وإسهال متكرر وعسر في الامتصاص.

ثانيا : أضرار الخمر علي القلب :span>

1-1- اعتلال العضلة القلبية, وضيق النفس واضطراب نظام القلب وتضخم الكبد وتورم القدمين وقد ينتهي بالموت.

2-  ارتفاع ضغط الدم.

3- الشعور بالخفقان بسبب اضطراب القلب .

4- تصلب الشرايين الذي يؤدي إلى الذبحة الصدرية .

ثالثا : أضرار الخمر علي الجهاز العصبي :

1. التهاب الأغشية السحائية بالمخ .

2. اعتلال الأعصاب بسبب عدم القدرة علي الاستفادة من الفيتامينات (ب1)

3. إصابة العصب البصري [ بالشلل الوجهي ] .

4. آلام في الأطراف. 

5. الصرع والتشنجات والتقلصات العضلية والإغماء وربما ينتهي بالموت .

6. الهذيان والارتعاش .

رابعا: أضرار الخمر النفسية:/span>

11- القلق والأرق وكثرة الوساوس والهلوسة وفقد التركيز والإقدام علي الانتحار .

2- الهذيان الكحولي والإصابة بالشكوك في أقرب الأقربين كزوجته .

خامسا : أضرار الخمر على الجهاز التناسلي :/span>

11- تزيد من شبق الأنثى فيضطرب سلوكها الجنسي .

2- اضطراب الدورة الشهرية للمرأة المدمنة ثم الإصابة بالشيخوخة المبكرة .

3- تؤدي إلى العجز الجنسي التام .

4- تشويه الحيوانات المنوية.

5- ضمور الخصية.

وبعد هذه الأضرار وغيرها فقد تبين لنا أن لشرع ما نهى عن شيء إلا لضرر فيه , علمه من علمه وجهله من جهله , وبعدما تبين لنا ما في الخمر من أضرار , فلا يشرب الخمر إلا منتكس الفطرة , فاسد القلب , ضعيف الرجولة ديوث يرضى الخبث في أهله .

فمن يريد أن يكون بهذه الصفات السيئة ؟!!

نسأل الله تعالى أن يجنبنا الخمر في الدنيا, ويسقينا من خمر الآخرة.

اللهم آمين .