إنه ينادينا 22+23+24
إنه ينادينا
د.عثمان قدري مكانسي
[email protected]
22
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ
النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ
وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا
مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي
مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ
مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ
وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن
تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ
عَظِيمًا (53)
أدب اجتماعي رائع في هذه الآية الكريمة نزلت على رسول الله صلى
الله عليه وسلم صبيحة بنائه بأمنا زينب بنت جحش رضي الله عنها التي تولى الله تعالى
تزويجها بذاته العليّة، وكان ذلك في ذي القعدة من السنة الخامسة
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :يا رسول الله يدخل عليك البر
والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب فأنزل الله آية الحجاب هذه.
ولعل من الشفافية التي امتاز بها الفاروق رضي الله عنه كما ثبت
ذلك في الصحيحين عنه أنه قال وافقت ربي عز وجل في ثلاث : قلت يا رسول الله لو اتخذت
من مقام إبراهيم مصلى فأنزل الله تعالى " واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى " وقلت يا
رسول الله إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر فلو حجبتهن فأنزل الله آية الحجاب
،وقلت لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم - لمّا تمالأنَ عليه في الغيرة - " عسى ربه
إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن " فنزلت كذلك وفي رواية لمسلم ذكر أسارى بدر
وهي قضية رابعة
قال أنس رضي الله عنه: فلما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم
زينب بنت جحش دعا القوم فطعموا ثم جلسوا يتحدثون فإذا هو يتهيأ للقيام يريد أن يدخل
على زوجته الجديدة ،فلم يقوموا ، فلما رأى ذلك قام ،فلما قام قام من قام، وقعد
ثلاثة نفر .فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليدخل فإذا القوم جلوس، ثم إنهم قاموا
وقد شعروا أنهم أثقلوا، فانطلقوا فجئت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد
انطلقوا فجاء حتى دخل، فذهبت أدخل فألقي الحجابَ بيني وبينه، فأنزل الله تعالى هذه
الآية .
وفي رواية أنّ ثلاثة رهط ظلوايتحدثون في البيت فخرج النبي صلى
الله عليه وسلم فانطلق إلى حجرة عائشة رضي الله عنها فقال السلام عليكم أهل البيت
ورحمة الله وبركاته قالت وعليك السلام ورحمة الله كيف وجدت أهلك يا رسول الله بارك
الله لك ؟ فتقرّى حُجَر نسائه كلهن( مرّ عليهنّ جميعاً) يقول لهن كما يقول لعائشة
ويقلن له كما قالت عائشة ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم فإذا ثلاثة رهط في البيت
يتحدثون وكان النبي صلى الله عليه وسلم شديد الحياء فخرج منطلقا نحو حجرة عائشة.
فما أدري أخبرته أم أخبِر أن القوم خرجوا فرجع حتى إذا وضع رجله في أسكفة الباب (
عتبته)داخلة والأخرى خارجة أرخى الستر بيني وبينه ،وأنزلت آية الحجاب .
وقال أنس بن مالك : أعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض
نسائه فصنعت أم سليم حيسا (التمر المعجون بالسمن)ثم جعلته في تور ( إناء كبير قد
يُتوضأ منه )فقالت اذهب بهذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقرئه مني السلام
وأخبره أن هذا منا له قليل. قال أنس - والناس يومئذ في جهد- فجئت به فقلت يا رسول
الله بعثت بهذا أم سليم إليك وهي تقرئك السلام وتقول أخبره أن هذا منا له قليل فنظر
إليه قال ضعه فوضعته في ناحية البيت ثم قال اذهب فادع فلانا وفلانا فسمى رجالا
كثيرا وقال ومن لقيت من المسلمين فدعوت من قال ومن لقيت من المسلمين فجئت والبيت
والصفة والحجرة ملأى من الناس فقلت يا أبا عثمان كم كانوا ؟ فقال كانوا زهاء ثلاث
مائة قال أنس فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم جئ به فجئت به إليه فوضع يده
عليه ودعا وقال ما شاء الله ثم قال ليتحلق عشرة عشرة وليسموا، وليأكل كل إنسان مما
يليه فجعلوا يسمون ويأكلون حتى أكلوا كلهم فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم
ارفعه قال فجئت فأخذتُ التور فنظرت فيه فما أدري أهو حين - وضعت - أكثرُ أم حين
أخذت.
قال وتخلف رجال يتحدثون في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
وزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم التي دخل بها معهم مولية وجهها إلى الحائط
فأطالوا الحديث فشقوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أشد الناس حياء ولو
أعلموا كان ذلك عليهم عزيزا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على حُجَره وعلى
نسائه فلما رأوه ( الذين تأخروا في البيت) قد جاء ظنوا أنهم قد ثقلوا عليه ابتدروا
الباب ،فخرجوا وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أرخى الستر ودخل البيت وأنا
في الحجرة فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته يسيرا وأنزل الله عليه
القرآن، فخرج وهو يتلو هذه الآية " يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي "
الآيات قال أنس فقرأهن عليَّ قبل الناس فأنا أحدَثُ الناس بهن عهدا رواه مسلم
والترمذي
1- يدخلون على النبي صلى الله عليه وسلم حين يدعوهم وبإذنٍ منه
2- يدخلون بعد نضج الطعام ،فلا يأتون مبكّرين.
3- يدخلون للطعام فإذا انتهوا منه انصرفواغير مستأنسين لحديث
4- فإن سأل الرجالُ زوجات النبي صلى الله عليه وسلم متاعاً فلا
ينظروا إليهنّ ولا يسألْهن المرءُ حاجة إلا من وراء حجاب ،فعن عائشة قالت : كنت آكل
مع النبي صلى الله عليه وسلم حيسا في قعب فمر عمر فدعاه فأكل فأصاب أصبعه أصبعي
فقال حسن أو أوه لو أطاعُ فيكن ما رأتكن عين فنزل الحجاب " ذلكم أطهر لقلوبكم
وقلوبهن " فالحجاب أطهر لقلوب الجميع.
5- همَّ بعض الصحابة يفكرون أن يتزوجوا بعض نساء النبي صلى
الله عليه وسلم بعده ،فأجمع العلماء قاطبة على أن من توفي عنها رسول الله صلى الله
عليه وسلم من أزواجه أنه يحرم على غيره تزوُّجها من بعده لأنهن أزواجه في الدنيا
والآخرة وأمهات المؤمنين ،أما من لم يدخل بهنّ فلسن من نسائه صلى الله عليه وسلم ،
وكان صلى الله عليه وسلم قد ملك قيلة ابنة الأشعث بن قيس فتزوجها عكرمة بن أبي جهل
بعد ذلك فشق ذلك على أبي بكر الصدّيق مشقة شديدة .فقال له عمر يا خليفة رسول الله
إنها ليست من نسائه إنها لم يخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يحجبها وقد
برأها الله منه بالردة التي ارتدت مع قومها . فاطمأن أبو بكر رضي الله عنه وسكن وقد
عظَّم الله تبارك وتعالى ذلك وشدد فيه وتوعد عليه بقوله " إن ذلكم كان عند الله
عظيما " .
كثير من الناس يطرقون الباب فإن اعتذرتَ إليهم وردَدْتهم لأمرٍ
ما عتبوا ،وربّما قطعوا علائقهم معك ، ولو تداركوا أمرهم لقرءوا قوله تعالى : " وإن
قيل لكم ارجعوا ،فارجعوا هو أزكى لكم" النور 28 فلكل خصوصيته وحالته النفسية
والاجتماعية ومن يعتذرْ إليك مرة يدعُك أخرى راغباً .
وكان ابن عباس رضي الله عنه يرغب أن يُقال له إذا طرق الباب
واستأذن ( ارجع) لكنّهم يستقبلونه لأنه ابن عمِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إنّ مكانة رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسلمين عظيمة ،
علّنا نقرأ سيرته العطرة فنقتدي بهديها ونجعلها نبراساً يضيء دربنا " لقد كان لكم
في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ، وذكر الله كثيراً "
الأحزاب 21
إنه سبحانه وتعالى يدعونا لنتعلم سيرة حبيبه صلى الله عليه وسلم
فنتمثلها في حياتنا ونسعد باتباعه صلى الله عليه وسلم
فهل وعينا هذا ، فجعلناه - صلى الله عليه وسلم - قدوتنا نسير
على هديه ونحقق في دنيا العمل تعاليمه الربّانية ؟..
إنه ينادينا-23
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ
الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ
عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ
سَرَاحًا جَمِيلًا " الأحزاب (49)
النكاح سنة الحياة ، ولا بد من استمرار الحياة على الأرض ، وذلك
بالزواج الذي هو سنة النبي صلى الله عليه وسلم ،
ويطلق النكاح على صيغة العقد ، وهذه الآية الكريمة مثال إطلاقه
على العقد فقط ،والدليل أنه يمكن بعده الطلاقُ قبل أن يمس الرجل زوجه .
ويُطلقُ النكاحُ على الدخول كذلك وهو الأصل في النكاح ، مثاله
قوله تعالى :" ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف " النساء 22 وقوله
تعالى "فإن طلقها فلا تحل له من بعدُ حتى تنكح زوجاً غيره " البقرة 230
وكما ينكح الرجل المرأة تنكحه المرأة كذلك : مثاله الآية
الكريمة السابقة في سورة البقرة 230 ، وقوله تعالى "فلا تعضًلوهنّ أن ينكحن
أزواجهنّ إذا تراضوا بينهم بالمعروف " (البقرة 232).
ففي هذه الآية الكريمة ( الأحزاب 49 )نقف على ما يلي:
1- الخطاب للمؤمنين ، إذ ينبغي على المؤمنين إذا سمعوا قوله
تعالى " يا أيها الذين آمنوا " ان يقولوا لبيك يارب وسعديك ، سمعنا وأطعنا.
2- قوله تعالى ( إذا نكحتم المؤمنات ) سنة الحياة هو الزواج،
والشرط ( إذا) الدالُّ على زمن المستقبل يعني أن الزواج مطلب إنساني حض النبي عليه
الصلاة والسلام عليه ،ثم قال : ( فمن رغب عن سنتي فليس منّي.
3- ولما خص بالنكاح في هذه الآية ( المؤمنات) ينبه إلى أن على
المؤمنين أن يتزوجوا – ما أمكنهم- المؤمنات ،فالطيور على أشكالها تقع ، والزواج من
المؤمنات ينشئ اسرة مسلمة ويبني مجتمعاً مسلماً.
4- من المسلَّمِ به منطقياً أن ينهي الرجل علاقته بامرأة لا
تناسبه – ولا يعرف الرجل ذلك إلا إذا زارها قبل الزواج وبعد العقد ، وقد قال النبي
صلى الله عليه وسلم لأحد الشباب – ولم يكن قد رأى من عقد عليها – انظر إليها ، فإنه
أحرى أن يُؤدم بينكما ، كما أن للمرأة أن تنفصل عن زوجها المستقبلي حين لا تجده
مناسباً لها.
5- المسُّ تعريض واضح في الدخول بالمرأة . فلما قال : من قبل أن
تمسّوهنّ فقد اختصر العلاقة بين شخصين وجدا أن من الحكمة قطعها بعد أن تبيّن لهما
أنهما مختلفان في أمور تجعل الحياة صعبة وهما إذ يفعلان ذلك يجنبان نفسيهما قساوة
الحياة ويمنعان عن اولادهما حياة جلها مشاكل قد تودي إلى الانفصام ، ودرهم وقاية
خير من قنطار علاج.
6- ولا عدة على المطلقة إذا لم يذقِ الرجل عُسيلتها ولم تذق
عُسيلتَه. فقد طلق رفاعة القرظي زوجته ثلاثاً ، فاعتدّت، ثم تقدّم لها عبد الرحمن
بن الزبير القرظي فعقد عليها ، فلم تمكنه من نفسها وطلبت إليه أن يطلقها ، تظن أنها
يمكن أن تعود إلى زوجها الأول بالعقد فقط ،فشكته إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه
ضربها وأنه عنّين .
بعد أن عرف النبي صلى الله عليه وسلم الحقيقة ورأى ولديه يمشيان
معه شبلين قويين قال لها:" هذا الذي تزعمين ما تزعمين ، فوالله لهما أشبه به من
الغراب بالغراب . إنّه لا يجوز للمرأة أن تعود إلى مَنْ طلقها طلاقَ بينونة حتى
تذوق عسيلة رجل آخر ويذوق عسيلتها )) . فيتمتّع بها وتتمتع به .
قال عبدالرحمن : والله لا أكون هذا الرجل يا رسول الله !
إنها طالق ثلاثاً . واستأذن ثم مضى لشأنه ومعه ولداه . أما المرأة فقد خسرت زوجها
الثاني ولم تستطع العودة إلى زوجها الأول .
7- إن المرأة إذا طلقت قبل الدخول بها لا عدة عليها فتذهب
فتتزوج في فورها من شاءت ولا يستثنى من هذا إلا المتوفى عنها زوجها فإنها تعتد منه
أربعة أشهر وعشرا وإن لم يكن دخل بها بالإجماع أيضا وقوله تعالى .
8- " فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا" المتعة في هذه الحالة نصف
الصداق المسمى قال الله تعالى " وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة
فنصف ما فرضتم " البقرة 237
9- فإن لم يكن الصداق قد سُمّي فالرجل يمتع المرأة بما يستطيع
غنياً كان أو فقيراً ،قال عز وجل " لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو
تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على
المحسنين " البقرة 236 وفي صحيح البخاري عن سهل بن سعد وأبي أسيد رضي الله عنهما
قالا : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج أميمة بنت شراحيل فلما أن دخلت عليه
بسط يده إليها ،فكأنها كرهت ذلك فأمر أبا أسيد أن يجهزها ويكسوها ثوبين رازقيين .
10- قال علي بن أبي طلحة رضي الله عنهما إنْ كان سمى لها صداقا
فليس لها إلا النصف وإن لم يكن سمى لها صداقا أمتعها على قدر عسره ويسره وهو
(السراح الجميل) .
ما ترك الله تعالى لسعادة عباده من خير إلا نبه إليه ،ودعا
إليه، ووضحه في كتابه وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
إنه سبحانه يدعوننا إلى الخلود في ظل شرعته، فهل علمنا ذلك
ووعيناه؟ اللهم اجعلنا ممن يستمع القول فيتبع احسنه.
إنه ينادينا 24
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا
قَوْلًا سَدِيدًا (70) يصلح لكم أعمالكم ، ويغفر لكم ذنوبَكم، وم يطع اللهَ ورسوله
فقد فاز فوزاً عظيماً (71) الاحزاب
ذكِرَ فعل الأمر ( اتقِ ) المقترن بواو الجماعة – في القرآن
الكريم- تسعاً وستين مرة ،لكننا نستعرض في هذا المقال بعض هذه الأفعال التي سبقت
بالنداء( يا أيها الذين آمنوا ) ،إن موضوعاتنا السابقة واللاحقة تركز على النداء (
يا أيها الذين آمنوا).
التقوى : التقوى في اللغة..
الوقاية. والتقوى بمعنى الستر والصون والحذر. وقاية
وصيانة ، ويُقال : درهم وقاية خير من قنطار علاج.
اما في
الشرع.
فهي حفظ النفس من الوقوع في الزلل والإثم بامتثال الأوامر
واجتناب النواهي فيصون المسلمُ نفسه من غضب المولى وسوء العقاب، بفعل الطاعات
واجتناب المعاصي.
من الآيات التي تبدأ بـ( يا أيها الذين آمنوا ) وفيها الأمر
بالتقوى:
1- (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدّمت
لغد...) الحشر 59 ، فالتحلي بالتقوى يقود إلى التفكير فيما عمِلهُ المرء في أمسه
ويومه ، هل ينفعه ليوم الدين حين يقف بين يدي الله تعالى، وهل ينجيه من غضبه
وعقابه؟
2- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ
يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّه)الحجرات 49 ،من أساس الإيمان بالله
ورسوله أن نقول إذا علمنا أمراً أو نهياً أن نقول : سمعنا وأطعنا ، فلا نخالف
بالقول ولا العمل ، فما الإيمان إلا التزام وطاعة .
3- ( يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله..) الحديد
57 ،لا بدَّ لكمال الإيمان أن يتلازم القول مع العمل، فتقوى الله وتصديق الرسول صلى
الله عليه وسلم وإحياء سنته دليل على ذلك ، وقد قال تعالى ( وما آتاكم الرسول فخذوه
، وما نهاكم عنه فانتهوا) وضوح في العمل وضوحَ الشمس في رابعة النهار.
4- (يا أيها لاذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) التوبة
9 ،فمن ملازمة التقوى اختيارُ الصحبة الصالحة التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر،
ومن سار في ركاب الصالحين أمن على نفسه وكان لبنة في بناء المجتمع المسلم ثم ،إن
الطيور على أشكالها تقع، ومن الحكمة العربية قولهم: قل لي من تصاحب أقلْ لك من أنت.
5- ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن
كنتم مؤمنين)البقرة 278 ،فمن اتقى ظهرت آثار التقوى عليه، فتحاشى الربا ، ولن يكون
المرء مؤمناً ما لم يستجب لنداء ربه وأعلن الطاعة ونبذ العصيان.
ولو ذهب القارئ يستعرض فعل الأمر ( اتقوا) لانتبه إلى أن التقوى
تدفع إلى العمل الإيجابي وتدعمه وتقوّيه فيطمئن إلى أن التقوى والعمل الصالح
متلازمان فلا تقوى دون عمل صالح ولا صلاح دون تقوى.
وقد سمى القرآن المتقين ( أولي الألباب)حين ناداهم قائلاً (
فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون) المائدة 5 ، ولن يؤمن إلا أولو الألباب
، هذا ما قررته الآية الكريمة وأكدته ، فأصحاب العقول الواعية والقلوب الحية يؤمنون
الإيمان المرجوّ (فاتقوا الله ياأولي الألباب الذين آمنوا ) الطلاق 65
- وفي هاتين الايتين اللتين التي نعيش في ظلالهما: (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا -70- يصلح
لكم أعمالكم ، ويغفر لكم ذنوبَكم، ومن يطع اللهَ ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً )-71-
الاحزاب نجد ظلالاً عدة ، من أهمها:
1- القول السدّ من مستلزمات الإيمان ولا يتم إلا به ، والسِدُّ
: الصواب الذي يوافق ظاهره باطنه ، وأريد به وجه الله تعالى ، ولعل في القول السداد
جِماع الخيرات ،
2- وثواب القول الصالح والعمل الصالح
أ- أن يصلح الله أحوالنا ويزيد في تصويبها .
ب- أن يغفر ذنوبنا .
ج- الإيمان بالله وبرسوله والطاعة لهما دليل الفوز والنجاح
العظيم.
فإذا كنا من أهل الطاعة لله ورسوله نقول الصواب ونفعله كنا من
الفائزين .
فهل وعينا ذلك وعملنا فكنا سادة الأمم ومعلميها الخير ؟!