في ذكرى المولد النبوي
شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم
في القرآن الكريم (1)
عبد المعز الحصري
1- رحمته : لقد أودع الله رسوله صلى الله عليه وسلم رحمة جل عظيمة ، مما جعله على خلق عظيم ، فقد تربع صلى الله عليه وسلم على عرش العظمة في أخلاقه ، وكفى بالله شهيدا حيث قال : "وانك لعلى خلق عظيم " فعمّت رحمته عوالم كثيرة " وما أرسلناك الا رحمة للعالمين " لقد كانت رحمته صلى الله عليه وسلم الكاقرين في الدنيا برفع العذاب عنهم أما للمؤمنين شملتهم رحمته في الدنيا والآخرة ، لقد كا ن صلى الله عليه وسلم رقيق القلب يقابل السيئة بالحسنة ويحسن لمن أساء اليه ، ويستغفر للذين ظلموا أنفسهم ، ولو علم أنّ المشركين باستغفاره يصبحوا مسلمين ما كلّ ولا ملّ من الاستغفار لهم ، ومن رحمته ولين جانبه لأصحابه يطييب خاطرهم فيشاورهم وهو سيد ولد آدم عليهما الصلاة والسلام ، قال الله تعالى :" فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ " (159) آل عمران
ورحمته صلى الله عليه وسلم هي أول سمة من سمات شخصيته المذكورة في القرآن حسب ترتيب الآيات والسور .
2- اميته : الاميّة في شخصه صلى الله عليه وسلم معجزة له ، كيف ولا وهو اميّ ، وقد علّم البشرية العلوم ( انما بعثت معلما ) فبه صلى الله عليه وسلم نالت امته شرف قيادة الامم ، ولا تزال البشرية تنهل من علومه لاصلاح خللها رغم ماتحمل من الحاد وكفر ، وسيستمر ذلك الى قيام الساعة ، ومن قوة شخصيته أنّه ذو ارادة لم تستطع قوة الاحاد والطاغوت أن تثنيه عن السير في تبليغ دعوته حتى لو وضعوا الشمس في يمينه والقمر في شماله ( حتى لو ملّكوه ماتشرق عليه الشمس وما يطلع عليه القمر ) وكان صلى الله عليه وسلم آمرا بالمعروف ناه عن المنكر ، يحل للبشرية كل ّنافع وطيب ، ويضع عن كاهل الامة كلّ عنت واصر ، ويفك الأغلال التي كانت عليهم ، فمن تبعه واقتفى أثره وتخلّق بأخلاقه ونهل من شخصيته ، فقد بلغ الغاية في السيرعلى سنته
قال الله تعالى : " الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ " (157)الاعراف
واقتضت اميته صلى الله عليه وسلم أنّه لم يكن ليقرأ أو يخط بيمينه كتابا قال الله تعالى :" وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ " (48) العنكبوت
3- من سمات شخصيته : أنه - صلى الله عليه وسلم - نذير للكفرة بنار وقودها الناس والحجارة ، بشيرلمن آمن به وصدّقه بجنّة عرضها السموات والارض ، وأنه صلى الله عليه وسلم لايعلم الغيب الا ما أطلعه الله عليه ، وأنه لايملك لنفسه نفعا ولاضرا
قال الله تعالى " قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ " (188)الاعراف
4- بشريّته : وهذه تقتضي أن يصيبه ما يصيب البشر ، من حياة وموت أو حاجة الى مأكل ومشرب وملبس أو يصيبه مرض - وقد سمعت من سيدي الوالد الشيخ أحمد الحصري في أحد دروسه في الجامع الكبير ( معرة النعمان ) أنّ الأنبياء لايصيبهم أمراض منفّرة كما يدّعي الجهلة عن مرض أيوب عليه الصلاة والسلام -
لقد نال صلى الله عليه وسلم الشرف الأعظم - رغم بشريته – بنزول الوحي عليه فعلينا أن نقرن بشريته بالوحي وألانقف عند قولنا أنه بشر وهو – صلى الله عليه وسلم – اذا ماقيس بالبشر ياقوتة والناس كالحجر
قال الله تعالى " قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ " (6) فصلت
5- الاستقامة : أمره الله بالدعوة والاستقامة فكان صلى الله عليه وسلم أشد الناس خشية لله وأتقاهم وأكثرهم حرصا على هداية الناس أجمعين ، فكان منه – صلى الله عليه وسلم - العدل والمساواة والتقوى في اموره كلها
قال الله تعالى " فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمْ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ " (15)الشورى
6- كان صلى الله عليه وسلم قوي الشخصية شديد البأس على أعداء الله الذين يشهرون السلاح ويقفون في طريق الدعوة الى الله ، وما أن يسمع – صلى الله عليه وسلم - مؤامرة أواستعداد عدوه لحربه الا ويصبّح القوم في عقر دارهم ، وهذه سياسة وأد الارهاب واجهاضه وبهذا تحقن الدماء وتصان الأعراض ولذلك كان بعض الغزوات لايحدث فيها قتال البتة ، ( نصرت بالرعب مسيرة شهر ) وصدق القائل " اذا أردت السلام فعليك الاستعداد للحرب " والى جانب الشدّة هذه ترى الرحمة ولين الجانب في حياته صلى الله عليه وسلم للمؤمنين
قال الله تعالى " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً " (29)الفتح
7- كان صلى الله عليه وسلم من أشرف العرب وأحسنهم نسبا وأنفسهم قدرا ومكانة فمن شخصيته أن عمد الى تزكية أتباعه وعلمهم الكتاب والحكمة
قال الله تعالى " هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ " (2) الجمعة
8- ولمّا كملت – صلى الله عليه وسلم – صفاته الشخصية استحق الوسا م الأكبر ألا وهو العبودية لله فهو صلى الله عليه وسلم عبد الله
قال الله تعالى " وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً " (19)الجن
9- من سمات شخصيته صلى الله عليه وسلم أنّه مذكّر ، وهذ حقيقة لااكراه في الدّين ، فلم ينتشر الاسلام بالسيف ، كما يدعّي الطاغوت وأحفاده ، وانما كان السيف الى جانب القرآن ، لنشر الدعوة والسلام ومن وقف في وجهه الدعوة نحّاه السيف جانباوبتره ، فان الارض ومن عليها لله وحده
قال الله تعالى " فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ "(22) الغاشية
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه وبارك
(1) - في اللغة
الشخصية : صفات تميز الشخص عن غيره
فلفلان ذو شخصية قوية : ذو صفات متميزة وارادة وكيان مستقل
الشخص الاخلاقي : وهو من توافرت فيه صفات تؤهله للمشاركة العقلية والاخلاقية في مجتمع انساني.