إنه ينادينا 18-19-20
إنه ينادينا
د.عثمان قدري مكانسي
[email protected]
18
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ
الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ
بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا
زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء
وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21) سورة النور
سُمّيَت سورة النور لما فيها من أحكام اجتماعية دينية راقية ،من
التزمها كانت حياته نوراً وعلى هذا نجد في السورة آيتين تقول إحداهما : "وَلَقَدْ
أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن
قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ (34) وتقول الثانية : " لَقَدْ
أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ
مُّسْتَقِيمٍ (46) فآيات الله نزلت تبيّن للناس ما ينبغي أن يفعلوه في حياتهم
ليسعدوا ويحيَوا بأمان.
ولو نظرنا في القرآن الكريم وهو يحذر من الشيطان لوجدنا
التحذير من ( خطواته) . لا من الشيطان مباشرة فالشيطان خبيث في طرائق إغوائه
البشرَ ، يعرف ضالته منهم ، فيدخل لكل واحد من الباب الواهي الذي تقوى فيه أهواؤه
ورغباته ، فيدغدغ مشاعره ، ويمنّيه ، ويلبّس عليه الأمور ، فإذا رآه صد عليه باباً
لم يمل منه ولم ينصرف عنه ، إنما بحث عن باب آخر ينفذ منه إليه ، ولا ينفك عنه
مادام حياً . ألم يخبرنا الله تعالى عن دأب الشيطان في بذل كل الطرق لإغواء الإنسان
، فقال في سورة الأعراف " قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ
صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ
وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ
ۖ
وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) " فعن عن سبرة بن أبي الفاكه قال : سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول" إن الشيطان قعد لابن آدم بطرقه ، فقعد له بطريق
الإسلام فقال أتسلم وتذر دينك ودين آبائك ؟ قال فعصاه وأسلم ، " قال " قعد له بطريق
الهجرة فقال أتهاجر وتدع أرضك وسماءك ؟ وإنما مثل المهاجر كالفرس في الطول فعصاه
وهاجر ، ثم قعد له بطريق الجهاد وهو جهاد النفس والمال فقال : تقاتل فتقتل فتُنكحُ
المرأة ويُقسم المالُ ؟، قال فعصاه وجاهد ". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "
فمن فعل ذلك منهم فمات كان حقا على الله أن يدخله الجنة ، وإن قتل كان حقا على الله
أن يدخله الجنة ، وإن غرق كان حقا على الله أن يدخله الجنة ، أو وقصَتْه دابة كان
حقا على الله أن يدخله الجنة " . من كتاب عمدة التفسير ( غريب ) .
فالشيطان لا يألو يكيد للإنسان فهم عدوه الأول وبسببه خرج من
الجنة ، ويسعى بكل ما يستطيع هو وأتباعه أن يأخذ الإنسان معه إلى النار " قال :
فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين " .
وحذّر القرآن من خطوات الشيطان أربع مرات
1- في سورة البقرة " يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا
فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ
ۚ
إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) ." تنبه للأكل الحلال والبعد عن الحرام .
2- في سورة البقرة " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ
ۚ
إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) ." تحث على الدخول في الإسلام ونبذ وسوسات
الشيطان .
3- في سورة الأنعام " وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً
وَفَرْشًا
ۚ
كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ
ۚ
إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (142) ." توضح أن الله خلق الأنعام لنأكل من لحومها
ونشرب من ألبانها ، فهي رزق سخره الله تعالى للناس .
4- وفي الآية التي بين أيدينا في عنوان المقال.
والملاحظ : 1- أنّ الآيات الثلاث الأولى انتهت بتنبيه مهم جداً
ومباشر هو ملاك الفكرة في الآيات " إنه لكم عدو مبين " فعداوته واضحة بيّنة لكل ذي
عينين .
2- أما الآية الرابعة في سورة النور فنبهت
بطريق غير مباشر لعداوة الشيطان لنا ، وكأنه لوضوح التحذير مباشر ، " فإنه يأمر
بالفحشاء والمنكر" أفلا يكون عدواً مبيناً ؟ .
الشيطان - لعنه الله - مُربٍّ ، نعمْ هو مُرَبٍّ ، ولكنه شرّير
يُربّي أتباعه على الكفر والفساد ، ويشدهم بالتدرّج إلى المهالك لينكسوا على رؤوسهم
في جهنم معه ، ثم يتبرّأ منهم كعادة الخبيثين في كل زمان ومكان . يدّعي الإصلاح
ليوقع أصحاب الأهواء في حبائله . يتابعهم خطوة خطوة ويمنّيهم مّرة وراء مّرة ،
ويقسم لهم أغلظ الأيمان ليضلهم عن سبيل الله
وإليك هذا المثال في الإغواء بـ ( خطواته المتدرجة ) : فالشيطان
لا يأمرك بالزنا مباشرة لأنك ستعرف مقصده وتتعوّذ منه فوراً . وهو يريد ابتداء أن
يكسب ثقتك ،
- انظر إلى هذه الفتاة الجميلة .
- أعوذ بالله ، إنه الفساد بعينه .
- ولم يا صاحبي ؟
- إن النظرة سهم قاتل من سهامك يا إبليس .
- هل تراني أسدد السهام إلى قلبك؟!
- إن النظرة بريد الزنا ، يشغل القلب ، ويبعده عن الله
.
- أنا لا أريد أن تصل إلى هذا صدّقني .
- كيف أصدّقك وأنت تأمرني أن أنظر إليها ، والعين تزني
، وزناها النظر .
- إن الله جميل يحب الجمال ، وأنت رجل مؤمن يزيدك النظر إلى
صنع الخالق الجميل إيماناً ، ويزيدك تقوى .فانظر إليها يا رجل واذكر الله تعالى ...
ينظر إبليس إليها ، ويذكر الله مظهراً الخشوع .
- ينظر الفتى إليها فيشدَهُهُ جمالها ، ويذكر الله
بقلبه ، ثم بلسانه فقط لأن إبليس يتمثل بها ، ويبدأ بإغوائه .
- ابتسم لها يا رجل .
- أعوذ بالله منك ، كيف ابتسم لها ؟
- كيف تبتسم لها؟ ! أتجهل طريقة الابتسام؟!
- لست أقصد هذا ولكن الابتسامة دعوة لها أن تجاملني .
وبدء بحديث .
- أنسيت أن تبسّمك في وجه أخيك صدقة؟
- هي ليست رجلاً ، إنها امرأة ، وقد أتقدم بالابتسامة
خطوة أخرى .
- إنها أختك في الله . بل إن تبسمك في وجهها جزء من
الدعوة إلى الله تعالى .
ويبتسم لها . فتبادله الابتسام ويحييه إبليس المتمثل بها
بابتسامة عريضة تأسره وتستجِرّ قلبه وعقله .
- أرأيت الحب الأخويّ الطاهر أيها المتزمّت؟
- نعم إنه لطاهر حقاً – يقولها مشدوداً إليها راغباً
بها ، منعطفاً إليها .
- ألا تسلم عليها أيها الأبله ؟! إنني أدعوك إلى شعيرة
إسلامية ضاعت منك .
- يا أيها الشيطان تكاد توقعني في حبائلك .
- أنسيت يا رجل قوله تعالى " فسلموا على أنفسكم تحية من الله
مباركة طيبة " وهي منكم معشر المسلمين ، ومن أنفسكم .
- يسلم عليها و.. و.. و..
قال شوقي :
نظرة فابتسامة فسلام فكلام فموعد
فلقاء
هذه واحدة من خطوات الشيطان ، والقياس واضح
بيّن أخي الحبيب .
ولقد رأينا فضل الله تعالى علينا في هذه الآية ، فهو – سبحانه-
الذي أرسل رسوله يدلنا على طريق النجاة ويأخذ بأيدينا إلى رضاه سبحانه، ولولا فضله
لما نجا أحد من شباك الشيطان ودهائه ومكره وفساده. فإذا دعوناه فهو قريب منا يسمع
دعاءنا ويجيبه،
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ
بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ
لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27)
من الآداب شرعية التي أدب الله بها عباده المؤمنين (الاستئذانُ)
1- فلا يدخلوا بيوتا غير بيوتهم حتى يستأذنوا قبل الدخول
ويسلموا بعده ،يستأذن ثلاث مرات فإن أذن له وإلا انصرف كما ثبت في الصحيح أن أبا
موسى حين استأذن على عمر ثلاثا فلم يؤذن له انصرف ثم قال عمر : ألم أسمع صوت عبد
الله بن قيس يستأذن ؟ ائذنوا له فطلبوه فوجدوه قد ذهب فلما جاء بعد ذلك قال : ما
أرجعك ؟ قال : إني استأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي وإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم
يقول : " إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فلينصرف " فقال عمر : لتأتيني على هذا
بينة وإلا أوجعتك ضربا فذهب إلى ملإ من الأنصار فذكر لهم ما قال عمر فقالوا : لا
يشهد لك إلا أصغرنا فقام معه أبو سعيد الخدري فأخبر عمر بذلك فقال : ألهاني عنه
الصفق بالأسواق .
واستأذن النبي صلى الله عليه وسلم على سعد بن عبادة فقال "
السلام عليك ورحمة الله فقال سعد : وعليك السلام ورحمة الله ولم يسمع النبي صلى
الله عليه وسلم حتى سلم ثلاثا ورد عليه سعد ثلاثا ولم يسمعه فرجع النبي صلى الله
عليه وسلم فاتبعه سعد فقال : يا رسول الله بأبي أنت وأمي ما سلمتَ تسليمة إلا وهي
بأذني ، ولقد رددت عليك ولم أسمِعك وأردت أن أستكثر من سلامك ومن البركة ، ثم أدخله
البيت فقرب إليه زبيبا فأكل نبي الله فلما فرغ قال " أكل طعامَكم الأبرارُ وصلت
عليكم الملائكة وأفطر عندكم الصائمون "
2- وينبغي للمستأذن على أهل المنزل أن لا يقف تلقاء الباب بوجهه
ولكن ليكن الباب عن يمينه أو يساره فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى
باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر ويقول "
السلام عليكم السلام عليكم " وذلك أن الدور لم يكن عليها يومئذ ستور ; انفرد به أبو
داود . وقال صلى الله عليه وسلم:" لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن فخذفته بحصاة
ففقأت عينه ما كان عليك من جناح"
3- أن يذكر المرء اسمه حين يُسأل عن القادم، قال جابر:أتيت
النبي صلى الله عليه وسلم في دين كان على أبي فدققت الباب فقال " من ذا ؟" فقلت أنا
قال " أنا أنا ؟ " كأنه كرهه وإنما كره ذلك لأن هذه اللفظة لا يعرف صاحبها حتى يفصح
باسمه أو كنيته التي هو مشهور بها فيُعرف.
4- والاستئناس المأمور به في الآية أعظم من الاستئذان ، فقد
يطرق أحدُنا الباب فيخجل منه صاحبه ويُدخله وقد يكون تعباً أو يريد أن لا يدخل عليه
أحد أو مشغولاً أو متأزماً فيسمح بالدخول وأماراته تدلُّ على غير ذلك ، أما
الاستئناس فيظهر في حسن القبول والابتسام ، وما يدلُّ على الرغبة في الاستقبال
.وبهذا نجد بلاغة القرآن قدّمت الاستئناس لدقته في جلاء المعنى وأهمّيته.
5- ولا بدّ من السلام قبل الاستئذان فعن ربعي قال أتى رجل من
بني عامر استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيته فقال أألج ؟ فقال
النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه " اخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان فقل له : قل
السلام عليكم أأدخل ؟ فسمعه الرجل فقال : السلام عليكم أأدخل ؟ فأذن له النبي صلى
الله عليه وسلم فدخل.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ
مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ
مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ
الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ
عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ
عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ
حَكِيمٌ (58) وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا
كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ
آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59) وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي
لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ
غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ
سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60)
في الآية السابقة وقفنا على استئذان الأجانب ، وفي هذه الآيات
الكريمة يتوضّح استئذان الأقارب بعضهم على بعض، فأمر الله تعالى المؤمنين أن
يستأذنهم خدمهم مما ملكت أيمانهم وأطفالهم الذين لم يبلغوا الحلم منهم في ثلاثة
أحوال :
" الأول " من قبل صلاة الفجر لأن الناس إذ ذاك يكونون نياما في
فرشهم
" والثاني" وقت القيلولة لأن الإنسان قد يضع ثيابه في تلك الحال
مع أهله
" والثالث" بعد صلاة العِشاء وقت النوم فيؤمر الخدم والأطفال أن
يستأذنوا فهي عورات ثلاث ، ولا حرج في غير هذه الأوقات الثلاث أن يدخل الخدم
والأطفال دون استئذان. فإذا بلغ الأطفال الحلم كان حكمهم حكمَ غيرهم .
وقد تتبذل النساء الكبيرات في سويّة الحجاب فلا بأس أن يظهرن
بثيابهنّ الساترة لأجسامهنّ وشعورهنّ بثياب البيت وقد يكون مزركشاً بحجّة أنّهنَّ
كبرنَ ولم يعدن يرغبن في الرجال أو يرغب الرجال فيهنّ ودون زينة .إلا أن العلماء
قالوا: (لكل ساقطة في الحي لا قطة).فكانت العفة تامرهنّ أن يستعففن ، فهذا خير لهنّ
وللرجال الذين يرونهنّ.
وما أروع الفاصلة القرآنية ( والله سميع عليم) يسمع ما يقال وما
يمكن أن يحرك الغرائز وعليم بنفوس الناس فيُشرّع لهم ما يناسبهم ويحفظ عليهم دينهم
وشرفهم .
إنه سبحانه ينادينا ويدلنا على صالح أمرنا ... فهل سمعنا
النداءَ ووعيناه؟
إنه ينادينا -19
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ
عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا
لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9) سورة الأحزاب
من نعم الله على المسلمين أن الله تعالى – إن نصروه – أن ينصرهم
على عدوهم ، فما النصر إلا من عند الله ، والحول والطّوْلُ والقوة له سبحانه ، وما
المسلمون إن أخلصوا له وجاهدوا في سبيله إلا صورة لنصره ، " فلم تقتلوهم ولكنّ الله
قتلهم ، وما رميتَ إذ رميتَ ولكنَّ الله رمى.." وما الملائكة ولا الريح إلا جنود من
جنود الله يحركها متى شاء كيف شاء" وما يعلم جنود ربك إلا هو" والله سبحانه يعلم
المخلص من غيره فهو العليم بما نعمل ، البصير بأحوالنا.
اجتمع المشركون من عباد الأوثان وأهل الكتاب على المسلمين -
فملّة الكفر واحدة –يريدون استئصالهم كما يفعلون في كل زمان ومكان ويرصدون لهم
ويمكرون بهم ، ولما كان المسلمون في غزوة الخندق مع الله كان الله معهم ونصرهم
وأعلى قدرهم ، ولعلنا نقتفي خطاهم ونسير على صراطهم ،علّ الله تعالى يكتب لنا ما
كتب لهم من النصر . فهيّا إلى غزوة الخندق لعلنا نقطف من بريق نورها هدى الصالحين
من مجاهديها .
غزوة الخندق وإجلاء بني قريظة بدَتْ معاناة شديدة للمسلمين في
المدينة ،أعقبها نعمة ورخاء وانتصار رائع حصل سنة أربع للهجرة على المشركين وبني
قريظة في يوم واحد ,. فقد جاء المشركون يحاصرون المدينة من كل أطرافها" إذ جاءوكم
من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر " [ الأحزاب : 10 ]
. جاء بنو قريظة من فوقهم , ومن أسفل منهم قريش وغطفان .
وكان سببها : أن نفرا من اليهود, هم الذين حزبوا الأحزاب وألبوا
وجمعوا , ودعَوا إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم , وواعدوهم من أنفسهم بعون
من انتدب إلى ذلك ; فأجابهم أهلُ مكة وغطفانُ إلى ذلك، فخرجت قريش يقودهم أبو سفيان
بن حرب , وخرجت غطفان يقودهم عيينة بن حصن والحارث بن عوف .
فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم باجتماعهم وخروجهم شاور
أصحابه , فأشار عليه سلمان بحفر الخندق فرضي رأيه . وقال المهاجرون يومئذ : سلمان
منا . وقال الأنصار : سلمان منا ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( سلمان منا
أهل البيت ) . وكان الخندق أول مشهد شهده سلمان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو يومئذ حر . فقال : يا رسول الله , إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا ; فعمل
المسلمون في الخندق مجتهدين , ومن يفرغ من حصته أعان غيره فالمسلمون يد واحدة، حتى
كمل الخندق . ونكص المنافقون وجعلوا يتسللون لواذاً، فنزلت فيهم آيات من القرآن
فضحتهم وعرّتْ نفاقهم .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في المقدمة ،وفي البخاري
ومسلم عن البراء بن عازب قال : لما كان يوم الأحزاب وخندق رسول الله صلى الله عليه
وسلم رأيته ينقل من تراب الخندق حتى وارى عنه الغبارُ جلدةَ بطنه , وكان كثير الشعر
, فسمعته يرتجز بكلمات ابن رواحة ويقول :
يا ربّ لولا أنت ما اهتدينا ولا
تصدقنا ولا صلينا
فأنـزلـَنْ سـكيـنـة عليـنـا
وثبت الأقدام إن لاقينا
عن البراء قال : لما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
نحفر الخندق عرض لنا صخرة لا تأخذ فيها المعاول , فاشتكينا ذلك لرسول الله صلى الله
عليه وسلم ; فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقى ثوبه وأخذ المعول وقال : (
باسم الله ) فضرب ضربة فكسر ثلث الصخرة ثم قال : ( الله أكبر أعطيتُ مفاتيح الشام
،والله إني لأبصر إلى قصورها الحمراء الآن من مكاني هذا ) قال : ثم ضرب أخرى وقال :
( باسم الله ) فكسر ثلثا آخر، ثم قال : ( الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس، والله إني
لأبصر قصر المدائن الأبيض ) . ثم ضرب الثالثة وقال : ( باسم الله ) فقطع الحجر
،وقال : ( الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن والله إني لأبصر باب صنعاء ) . صححه أبو
محمد عبد الحق .
ثمّ أقبلت قريش في نحو عشرة آلاف بمن معهم من كنانة وأهل تهامة
, وأقبلت غطفان بمن معها من أهل نجد حتى نزلوا إلى جانب أحد , وخرج رسول الله صلى
الله عليه وسلم والمسلمون حتى نزلوا بظهر سلع في ثلاثة آلاف وضربوا عسكرهم والخندق
بينهم وبين المشركين , واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم .
وخرج عدو الله حيي بن أخطب النضري حتى أتى كعب بن أسد القرظي ,
وكان صاحب عقد بني قريظة ورئيسهم , وكان قد وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم
وعاهده ; فلما سمع كعب بن أسد حيي بن أخطب أغلق دونه باب حصنه وأبى أن يفتح له ;
فقال له : افتح لي يا أخي ; فقال له : لا أفتح لك , فإنك رجل مشئوم تدعوني إلى
خلاف محمد وأنا قد عاقدته وعاهدته , ولم أر منه إلا وفاء وصدقا , فلست بناقض ما
بيني وبينه . فقال حيي : افتح لي حتى أكلمك وأنصرف عنك ; فقال : لا أفعل ; فقال :
إنما تخاف أن آكل معك جشيشتك (والجشيشة
أَن تُطْحَن الحِنْطةُ طَحْناً جَلِيلاً ثم تُنْصَب به القِدْر
ويُلْقى عليها لَحْم أَو تَمْر فيُطْبخ); فغضب
كعب وفتح له ; فقال : يا كعب ! إنما جئتك بعز الدهر , جئتك بقريش وسادتها , وغطفان
وقادتها ; قد تعاقدوا على أن يستأصلوا محمدا ومن معه ; فقال له كعب : جئتني والله
بذل الدهر وبجهام لا غيث فيه ! ويحك يا حيي ؟ دعني فلست بفاعل ما تدعوني إليه ; فلم
يزل حيي بكعب يعده ويغُرُّه حتى رجع إليه وعاقده على خذلان محمد صلى الله عليه وسلم
وأصحابه وأن يسير معهم , وقال له حيي بن أخطب : إن انصرفت قريش وغطفان دخلت عندك
بمن معي من اليهود .
فلما انتهى خبر كعب وحيي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعث سعد
بن عبادة وهو سيد الخزرج , وسيد الأوس سعد بن معاذ , , وقال لهما رسول الله صلى
الله عليه وسلم : ( انطلقا إلى بني قريظة فإن كان ما قيل لنا حقا فالحنا لنا لحنا (
أخبراني تلميحاً لا تصريحاً)ولا تفتّا في أعضاد الناس . وإن كان كذبا فاجهرا به
للناس ) فانطلقا حتى أتياهم فوجداهم على أخبث ما قيل لهم عنهم , ونالوا من رسول
الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : لا عهد له عندنا ; فشاتمهم سعد بن معاذ وشاتموه ;
وكانت فيه حدة فقال له سعد بن عبادة : دع عنك مشاتمتهم , فالذي بيننا وبينهم أكثر
من ذلك ,
ثم أقبل سعد وسعد حتى أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم في
جماعة المسلمين فقالا : عضل والقارة - يعرضان بغدر عضل والقارة بأصحاب الرجيع خبيب
وأصحابه - فقال النبي صلى الله عليه وسلم . ( أبشروا يا معشر المسلمين ) وعظم عند
ذلك البلاء واشتد الخوف , وأتى المسلمين عدوهم من فوقهم ; يعني من فوق الوادي من
قبل المشرق , ومن أسفل منهم من بطن الوادي من قبل المغرب , حتى ظنوا بالله الظنون ;
وأظهر المنافقون كثيرا مما كانوا يسرون , فمنهم من قال : إن بيوتنا عورة , فلننصرف
إليها , فإنا نخاف عليها ; وقال قائلهم : يعدنا محمد أن يفتح كنوز كسرى وقيصر ,
وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه يذهب إلى الغائط !، وأخذوا يرجفون في المدينة.
فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام المشركون بضعا
وعشرين ليلة قريبا من شهر لم يكن بينهم حرب إلا الرمي بالنبل والحصى . فلما رأى
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه اشتد على المسلمين البلاء بعث إلى عيينة بن حصن
الفزاري , وإلى الحارث بن عوف المري , وهما قائدا غطفان , فأعطاهما ثلث ثمار
المدينة لينصرفا بمن معهما من غطفان ويخذلا قريشا ويرجعا بقومهما عنهم . وكانت هذه
المقالة مراوضة ولم تكن عقدا ; فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهما أنهما
قد أنابا ورضيا أتى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فذكر ذلك لهما واستشارهما فقالا : يا
رسول الله , هذا أمر تحبه فنصنعه لك , أو شيء أمرك الله به فنسمع له ونطيع , أو أمر
تصنعه لنا ؟ قال : ( بل أمر أصنعه لكم , والله ما أصنعه إلا أني قد رأيت العرب قد
رمتكم عن قوس واحدة ) فقال له سعد بن معاذ : يا رسول الله , والله لقد كنا نحن
وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان , لا نعبد الله ولا نعرفه , وما طمعوا
قط أن ينالوا منا ثمرة إلا شراء أو قرى , فحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له
وأعزنا بك نعطيهم أموالنا ! والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم
! ! فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وقال : ( أنتم وذاك ) . وقال لعيينة
والحارث : ( انصرفا فليس لكما عندنا إلا السيف ) . وتناول سعد الصحيفة وليس فيها
شهادة ( ختم رسول الله ) فمحاها .
ثم إنَّ فوارس من قريش وشجعانهم , أقبلوا حتى وقفوا على الخندق
, فلما رأوه قالوا : إن هذه لمكيدة , ما كانت العرب تكيدها . ثم تيمموا مكانا ضيقا
من الخندق , فضربوا خيلهم فاقتحمت بهم , وجاوزوا الخندق وصاروا بين الخندق وبين سلع
, وخرج علي بن أبي طالب في نفر من المسلمين حتى أخذوا عليهم الثغرة التي اقتحموا
منها ، فبارز عليٌّ عمرو بن ود العامري فقتله فهرب الباقون. وكان على سعد بن معاذ
درع مقلصة قد خرجت منها ذراعه , فرُميّ ذراعُه بسهم فقطع منه الأكحل .
وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نعيم بن مسعود بن عامر
الأشجعي فقال : يا رسول الله , إني قد أسلمت ولم يعلم قومي بإسلامي , فمرني بما شئت
; فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنما أنت رجل واحد من غطفان فلو خرجت
فخذلت عنا إن استطعت كان أحب إلينا من بقائك معنا فاخرج فإن الحرب خدعة ) . فخرج
نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة - وكان ينادمهم في الجاهلية - فقال : يا بني قريظة
, قد عرفتم ودي إياكم , وخاصة ما بيني وبينكم ; قالوا : قل فلست عندنا بمتهم ; فقال
لهم : إن قريشا وغطفان ليسوا كأنتم , البلد بلدكم , فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم ,
وإن قريشا وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه , وقد ظاهرتموهم عليه فإن رأوا نهزة
أصابوها , وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل , ولا طاقة لكم به
, فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنا .
ثم خرج حتى أتى قريشا فقال لهم : قد عرفتم ودي لكم معشر قريش ,
وفراقي محمدا , وقد بلغني أمر أرى من الحق أن أبلغكموه نصحا لكم , فاكتموا علي ;
قالوا نفعل ; قال : تعلمون أن معشر يهود , قد ندموا على ما كان من خذلانهم محمدا ,
وقد أرسلوا إليه : إنا قد ندمنا على ما فعلنا , فهل يرضيك أن نأخذ من قريش وغطفان
رجالا من أشرافهم فنعطيكهم فتضرب أعناقهم , ثم نكون معك على ما بقي منهم حتى
نستأصلهم . ثم أتى غطفان فقال مثل ذلك .وأرسل أبو سفيان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي
جهل في نفر من قريش وغطفان يقول لهم : إنا لسنا بدار مقام , قد هلك الخف والحافر ,
فاغدوا صبيحة غد للقتال حتى نناجز محمدا ; فأرسلوا إليهم : إن اليوم يوم السبت ,
وقد علمتم ما نال منا من تعدى في السبت , ومع ذلك فلا نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا ;
فلما رجع الرسول بذلك قالوا : صدقنا والله نعيم بن مسعود ; فردوا إليهم الرسل
وقالوا : والله لا نعطيكم رهنا أبدا فاخرجوا معنا إن شئتم وإلا فلا عهد بيننا
وبينكم .
فقال بنو قريظة : صدق والله نعيم بن مسعود . وخذل الله بينهم ,
واختلفت كلمتهم , وبعث الله عليهم ريحا عاصفا في ليال شديدة البرد ; فجعلت الريح
تقلب آنيتهم وتكفأ قدورهم .
فلما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلاف أمرهم , بعث
حذيفة بن اليمان ليأتيه بخبرهم , فأتاهم واستتر، فسمع أبا سفيان يقول : يا معشر
قريش , ليتعرف كل امرئ جليسه . قال حذيفة : فأخذت بيد جليسي وقلت : ومن أنت ؟ فقال
أنا فلان . ثم قال أبو سفيان : ويلكم يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام
, ولقد هلك الكراع والخف وأخلفتنا بنو قريظة , ولقينا من هذه الريح ما ترون , ما
يستمسك لنا بناء , ولا تثبت لنا قدر , ولا تقوم لنا نار , فارتحلوا فإني مرتحل ;
ووثب على جمله فما حل عقال يده إلا وهو قائم . قال حذيفة : ولولا عهد رسول الله صلى
الله عليه وسلم لي إذ بعثني , قال لي : ( مر إلى القوم فاعلم ما هم عليه ولا تحدث
شيئا ) - لقتلته بسهم ; ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند رحيلهم , فأخبرته
فحمد الله .
فقال حذيفة يروي قصته: لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم ليلة الأحزاب وأخذتنا ريح شديدة وقر . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (
ألا رجل يأتيني بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة ) ؟ فسكتنا فلم يجبه منا أحد
, ثم قال : ( ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة ) ؟ فسكتنا فلم
يجبه أحد . فقال : ( قم يا حذيفة فأتنا بخبر القوم ) فلم أجد بدا إذ دعاني باسمي أن
أقوم . قال : ( اذهب فأتني بخبر القوم ولا تذعرهم علي ) (لا
تُعْلِمْهُمْ بنفسك وامْشِ في خُفْيَةٍ لئلاَّ يَنْفِروا منك ويُقْبِلوا عَلَيَّ )
قال : فلما وليت من عنده جعلت كأنما أمشي في حمام
(دفئ جسمه وكان قبل ذلك بردان)حتى أتيتهم , فرأيت أبا سفيان يصلي ظهره بالنار ,
فوضعت سهما في كبد القوس فأردت أن أرميه , فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم
: ( ولا تذعرهم علي ) ولو رميته لأصبته : فرجعت وأنا أمشي في مثل الحمام , فلما
أتيته فأخبرته بخبر القوم وفرغت قرَرْتُ ( أصابه البرد), فألبسني رسول الله صلى
الله عليه وسلم من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها , فلم أزل نائما حتى أصبحت , فلما
أصبحت قال : ( قم يا نومان ) . ولما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذهب
الأحزاب , رجع إلى المدينة ووضع المسلمون سلاحهم , فأتاه جبريل صلى الله عليه وسلم
في صورة دحية بن خليفة الكلبي , على بغلة عليها قطيفة ديباج فقال له : يا محمد , إن
كنتم قد وضعتم سلاحكم فما وضعت الملائكة سلاحها . إن الله يأمرك أن تخرج إلى بني
قريظة , وإني متقدم إليهم فمزلزل بهم حصونهم .:
فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين : لا يصلين أحد
العصر إلا في بني قريظة ; فتخوف ناس فوت الوقت فصلوا دون بني قريظة . وقال آخرون :
لا نصلي العصر إلا حيث أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن فاتنا الوقت . قال :
فما عنف واحدا من الفريقين . وهذا من أبواب الاجتهاد .. وكان سعد بن معاذ إذ أصابه
السهم دعا ربه فقال : اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش فأبقني لها ; فإنه لا قوم أحب
أن أجاهدهم من قوم كذبوا رسولك وأخرجوه . اللهم وإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم
فاجعلها لي شهادة , ولا تمتني حتى تقر عيني في بني قريظة . فلما حكم في بني قريظة
توفي ; ففرح الناس وقالوا : نرجو أن يكون قد استجيبت دعوته .
وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية علي بن أبي طالب ,
واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم , ونهض علي وطائفة معه حتى أتوا بني قريظة
ونازلوهم , فسمعوا سب الرسول صلى الله عليه وسلم , فانصرف علي إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال له : يا رسول الله , لا تبلغ إليهم , وعرض له . فقال له : (
أظنك سمعت منهم شتمي . لو رأوني لكفوا عن ذلك ) ونهض إليهم فلما رأوه أمسكوا . فقال
لهم : ( نقضتم العهد يا إخوة القرود أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته ) فقالوا : ما كنت
جاهلا يا محمد فلا تجهل علينا ; وحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وعشرين
ليلة. وعرض عليهم سيدهم كعب ثلاث خصال ليختاروا أيها شاءوا : إما أن يسلموا
ويتبعوا محمدا على ما جاء به فيسلموا . قال : وتحرزوا أموالكم ونساءكم وأبناءكم ,
فوالله إنكم لتعلمون أنه الذي تجدونه مكتوبا في كتابكم . وإما أن يقتلوا أبناءهم
ونساءهم ثم يتقدموا ; فيقاتلون حتى يموتوا من آخرهم . وإما أن يبيتوا المسلمين ليلة
السبت في حين طمأنينتهم فيقتلوهم قتلا . فقالوا له : أما الإسلام فلا نسلم ولا
نخالف حكم التوراة , وأما قتل أبنائنا ونسائنا فما جزاؤهم المساكين منا أن نقتلهم ,
ونحن لا نتعدى في السبت .
ثم بعثوا إلى أبي لبابة , وكان في الجاهلية حليفهم , فأتاهم
فجمعوا إليه أبناءهم ونساءهم ورجالهم وقالوا له : يا أبا لبابة , أترى أن ننزل على
حكم محمد ؟ فقال نعم , - وأشار بيده إلى حلقه - إنه الذبح إن فعلتم . ثم ندم أبو
لبابة في الحين , وعلم أنه خان الله ورسوله , وأنه أمر لا يستره الله عليه عن نبيه
صلى الله عليه وسلم . فانطلق إلى المدينة ولم يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فربط نفسه في سارية وأقسم ألا يبرح من مكانه حتى يتوب الله عليه فكانت امرأته تحله
لوقت كل صلاة . قال ابن عيينة وغيره : فيه نزلت : " يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا
الله والرسول وتخونوا أماناتكم " [ الأنفال : 27 ] الآية . وأقسم ألا يدخل أرض بني
قريظة أبدا لأنه أصاب به ذنباً . فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم من فعل أبي
لبابة قال : ( أما إنه لو أتاني لاستغفرت له وأما إذ فعل ما فعل فلا أطلقه حتى
يطلقه الله تعالى ) فأنزل الله تعالى في أمر أبي لبابة : " وآخرون اعترفوا بذنوبهم
" [ التوبة : 102 ] الآية . فلما نزل فيه القرآن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
بإطلاقه ,
فلما أصبح بنو قريظة نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه
وسلم , فتواثب الأوس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : يا رسول الله , وقد
علمت أنهم حلفاؤنا , وقد أسعفت عبد الله بن أبي بن سلول في بني النضير حلفاء الخزرج
, فلا يكن حظنا أوكس وأنقص عندك من حظ غيرنا , فهم موالينا . فقال لهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم : ( يا معشر الأوس ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم - قالوا بلى
. قال - : فذلك إلى سعد بن معاذ ) . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ضرب له
خيمة في المسجد , ليعوده من قريب في مرضه من جرحه الذي أصابه في الخندق . فحكم فيهم
بأن تقتل المقاتلة , وتسبى الذرية والنساء , وتقسم أموالهم . فقال له رسول الله صلى
الله عليه وسلم : ( لقد حكمت فيهم بحكم الله تعالى من فوق سبع أرقعة ) . وأمر رسول
الله صلى الله عليه وسلم فأخرجوا إلى موضع بسوق المدينة ،فحفر بها خنادق , ثم أمر
عليه السلام فضربت أعناقهم في تلك الخنادق , وقتل يومئذ حيي بن أخطب وكعب بن أسد ,
وكانا رأس القوم , وكانوا من الستمائة إلى السبعمائة . وكان على حيي حلة فقاحية قد
شققها عليه من كل ناحية كموضع الأنملة , أنملة أنملة لئلا يسلبها . فلما نظر إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتي به ويداه مجموعتان إلى عنقه بحبل قال : أما
والله ما لمت نفسي في عداوتك . ولكنه من يخذل الله يخذل ثم قال : يا أيها الناس ,
لا بأس بأمر الله كتاب وقدر وملحمة كتبت على بني إسرائيل , ثم جلس فضربت عنقه .وقتل
من نسائهم امرأة , طرحت الرحى على مسلم فقتلته . وأمر رسول الله صلى الله عليه
وسلم بقتل كل من أنبت منهم وترك من لم ينبت .
وكان فتح قريظة في آخر ذي القعدة وأول ذي الحجة من السنة
الخامسة ، فلما تم أمر بني قريظة أجيبت دعوة الرجل الفاضل الصالح سعد بن معاذ ,
فانفجر جرحه , وانفتح عرقه , فجرى دمه ومات رضي الله عنه . قاليحيى بن سعيد: لقد
نزل لموت سعد بن معاذ سبعون ألف ملك , ما نزلوا إلى الأرض قبلها ، ولم يستشهد يوم
الخندق من المسلمين إلا أربعة أو خمسة .
إن الله تعالى ينادينا أن نحفظ نعمته علينا بالإخلاص في العمل
والتوجه إليه ...
..... فهل وعينا هذا..وهل سمعنا النداء؟....
إنه ينادينا -20
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)سورة
الأحزاب.
صلاة الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم : الرحمة والثناء
ورفع المقام، وإخبار البشر بمكانته صلى الله عليه وسلم عند ربه، وصلاة الملائكة
استغفار أهل السماء له ، فلما أمر المسلمون بالصلاة عليه اجتمع الثناء عليه من أهل
العالمين العلوي والأرضيّ جميعا .
وعن ابن عباس أن بني إسرائيل قالوا لموسى عليه السلام هل يصلي
ربك ؟ فناداه ربه عز وجل : يا موسى سألوك هل يصلي ربك فقل نعم .أنا أصلي وملائكتي
على أنبيائي ورسلي فأنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم " إن الله
وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما".
وقد أخبر سبحانه وتعالى بأنه يصلي على عباده المؤمنين في قوله
تعالى " يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا هو الذي
يصلي عليكم وملائكته " الآية وقال تعالى : " وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة
قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة .." .فالله تعالى
يصلي على عباده المؤمنين ويرفع بصلاته عليهم ذكرَهم ودرجاتهم.
وفي الحديث إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف وفي
الحديث الآخر اللهم صل على آل أبي أوفى وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة
جابر وقد سألته أن يصلي عليها وعلى زوجها صلى الله عليك وعلى زوجك .
وقد كثرت الأحاديث الشريفة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالأمر بالصلاة عليه وكيفية الصلاة عليه ،منها:
ما ذكره البخاري عن كعب بن عجرة قال : قيل يا رسول الله ؛أما
السلام عليك فقد عرفناه فكيف الصلاة ؟ قال "قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد
كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت
على آل إبراهيم إنك حميد مجيد"
ومعنى قولهم أما السلام عليك فقد عرفناه هو الذي في التشهد إذ
كان يعلمهم إياه كما كان يعلمهم السورة من القرآن وفيه السلام عليك أيها النبي
ورحمة الله وبركاته.
وعن أبي مسعود الأنصاري قال : أتانا رسول الله صلى الله عليه
وسلم ونحن في مجلس سعد بن عبادة ، فقال له بشير بن سعد أمرنا الله أن نصلي عليك يا
رسول الله فكيف نصلي عليك ؟ قال فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه
لم يسأله، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل
محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل
إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم "وقد رواه أبو داود
والترمذي والنسائي وابن جرير من حديث مالك وقال الترمذي حسن صحيح
وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال سمع رسول الله صلى الله
عليه وسلم رجلا يدعو في صلاته لم يمجد الله ولم يصل على النبي، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم عجَّلَ هذا ثم دعاه فقال له أو لغيره" إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد
الله عز وجل والثناء عليه ثم ليصل على النبي ثم ليدع بعدُ بما شاء " وعن عبد الله
بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم
علي صلاة ".تفرد بروايته الترمذي رحمه الله ثم قال هذا حديث حسن غريب.
وعن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه قال : كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال يا أيها الناس اذكروا الله ،اذكروا
الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة ،جاء الموت بما فيه،جاء الموت بما فيه" قال أبي
قلت يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي ؟ قال ما شئت. قلت
الربع ؟قال ما شئت ،فإن زدت فهو خير لك. قلت فالنصف ؟قال ما شئت ،فإن زدت فهو خير
لك. قلت فالثلثين؟ قال ما شئت ،فإن زدت فهو خير لك. قلت أجعل لك صلاتي كلها ؟قال
إذن تكفى همَّك ،ويغفرُ لك ذنبك " رواه الترمذيُّ ثم قال هذا حديث حسن.
وعن عبد الرحمن بن عوف قال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم
فتوجه نحو صدفته( محرابه ومكان تبتله) فدخل فاستقبل القبلة فخر ساجدا فأطال السجود
حتى ظننت أن الله قد قبض نفسه فيها فدنوت منه ثم جلست، فرفع رأسه فقال من هذا ؟ قلت
عبد الرحمن قال ما شأنك ؟ " قلت يا رسول الله سجدت سجدة خشيت أن يكون الله قبض روحك
فيها .فقال إن جبريل أتاني فبشرني أن الله عز وجل يقول لك من صلى عليك صليت عليه
ومن سلم عليك سلمت عليه فسجدت لله عز وجل شكرا ورواه إسماعيل بن إسحاق القاضي في
كتابه عن يحيى بن عبد الحميد عن الدراوردي عن عمرو بن عبد الواحد عن أبيه عن عبد
الرحمن بن عوف به .
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال خرج رسول الله صلى الله
عليه وسلم لحاجة فلم يجد أحدا يتبعه ففزع عمر فأتاه بمطهرة من خلفه فوجد النبي صلى
الله عليه وسلم ساجدا في مشربة فتنحى عنه من خلفه حتى رفع النبي صلى الله عليه وسلم
رأسه ،فقال "أحسنت يا عمر حين وجدتني ساجدا فتنحيت عني. إن جبريل أتاني فقال من صلى
عليك من أمتك واحدة صلى الله عليه عشر صلوات ورفعه عشر درجات ".وقد اختار هذا
الحديث الحافظ الضياء المقدسي في كتابه المستخرج على الصحيحين .
وعن أبي طلحة الأنصاري قال أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم
يوما طيب النفس يُرى في وجهه البشرُ. قالوا يا رسول الله أصبحت اليوم طيب النفس يرى
في وجهك البشر قال "أجل أتاني آت من ربي عز وجل ،فقال: من صلى عليك من أمتك صلاة
كتب الله له بها عشر حسنات ، ومحا عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات ، ورَدَّ عليه
مثلها " قال القرطبي في تفسيره: وهذا أيضا إسناد جيد
وعن عبد الله بن عمرو يقول : من صلى على رسول الله صلى الله
عليه وسلم صلاة صلى الله عليه وملائكته لها سبعين صلاة فليقل عبدٌ من ذلك أو ليكثر
.
وعن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
إن أبخل الناس من ذكرت عنده فلم يصل علي .
وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رغِم
أنفُ رجل ذكرت عنده فلم يصل عليَّ، ورغم أنف رجل دخل عليه شهر رمضان ثم انسلخ قبل
أن يغفر له ،ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبرَ فلم يدخلاه الجنة " رواه
الترمذيُّ وقال حسن غريب.
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" ما جلس قوم
مجلسا لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم تِرَة يوم القيامة،فإن
شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم "رواه الترمذي.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص يقول إنه سمع رسول الله صلى الله
عليه وسلم " إذا سمعتم مؤذنا فقولوا مثل ما يقول ،ثم صلوا علي، فإنه من صلى عليَّ
صلاة صلى الله عليه بها عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا
تنبغي إلا لعبد من عباد الله ،وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه
الشفاعة " أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي .
وعن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : "كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم ،ثم قال اللهم اغفر لي
ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك. وإذا خرج صلى على محمد وسلم ثم قال اللهم اغفر لي
ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك "
و يستحب ختم الدعاء بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ،فعن عمر
بن الخطاب قال : الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على
نبيك. رواه الترمذيُّ
وعن أوس بن أوس الثقفي رضي الله عنه قال : "قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة،
وفيه الصعقة .فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة عليَّ. قالوا يا رسول
الله وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرَمْت ؟ يعني وقد بليت. قال إن الله حرم على الأرض
أن تأكل أجساد الأنبياء "رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه ،وصححه ابن خزيمة وابن
حبان والدارقطني والنووي في الأذكار .
وتستحب الصلاة والسلام عليه عند زيارة قبره صلى الله عليه وسلم.
فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما منكم من أحد يسلم علي إلا رد
الله علي روحي حتى أرد عليه السلام" رواه أبو داود وصححه النووي في الأذكار
قال النووي إذا صلى أحدُكم على النبي صلى الله عليه وسلم فليجمع
بين الصلاة والتسليم فلا يقتصر على أحدهما فلا يقول صلى الله عليه فقط ،ولا عليه
السلام فقط ، إن الله تعالى جمعهما في قوله:" يا أيها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا
تسليما " فالأولى أن يقال صلى الله عليه وسلم .
والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم :
1- شعارُ المسلمين .
2- وفيه قُربى ودليلُ الحب.ودعاءٌ له صلى الله عليه وسلم.
3- مدحٌ له عليه الصلاة والسلام وتكريمٌ ،فهو الهادي الذي به
هدانا الله تعالى إليه سبحانه.
4- شهادةٌ بنبوّته ورسالته.
5- التزامٌ بأمر الله وطاعته. والمحبُّ مطيعٌ لمحبوبه.
كنت في محاضرة أكثرَ فيها المحاضرُ من الصلاة على النبي صلى
الله عليه وسلم ، وكان أحد العلمانيين حاضراً، فتساءل في نهاية المحاضرة معترضاً
على ( تضييع الوقت) بكثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .
فقال له المحاضر :أتغسل وجهك إن شعرت بالنعاس وأنت بين أصحابك
لا تريد الانصراف عنهم؟
قال: نعم.
قال المحاضر : أتغسل وجهك إن شعرت بالعرق يملؤه ويحرق عينيك في
حر الصيف ؟
قال : نعم .
قال المحاضر : أتغسل وجهك حين تستيقظ من النوم؟
قال : نعم .
قال المحاضر : لمثل هذا كله ولغيره ( أغسل وجهي) بالصلاة على
الحبيب صلى الله عليه وسلم.
...إنه سبحانه يدعونا إلى طاعته بالصلاة على حبيبه وتعظيمه ،
فما جاءنا الخير إلا عن طريقه صلى الله عليه وسلم .....فهلاّ استجبنا للنداء ،
فصلينا وأحببنا وأطعنا؟..