وقفة مع الصلاة

رغداء زيدان/سوريا

[email protected]

لا أعتقد أن أحداً منكم لم يسمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه أحمد في مسنده " مُرُوا أَوْلادَكُمْ بِالصَّلاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ", وربما تساءل أحدكم باستنكار كيف يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بضرب الأولاد الصغار لتعليمهم الصلاة, وخصوصاً وأنتم تعيشون في عصر ترتفع فيه الأصوات مروجة لأساليب التربية الحديثة والتي تجعل الضرب من الأساليب الهمجية التي لا يجب اللجوء إليها مهما كانت الأسباب, هذا بالإضافة إلى تلك التهم التي تُكال للإسلام بأنه دين الإجبار, وظاهر هذا الحديث يدل على إجبار الطفل على الصلاة عن طريق تهديده بالضرب أو بالأحرى ضربه فعلاً.

لكن لو رحنا نتأمل هذا الحديث, ودون الخوض في تلك الأفكار التي تروج لها التربية الحديثة والتي فيها كثير من السم المدسوس بمعسول القول, لوجدنا أن في هذا الحديث من حسن التدرج واللطف بالصغير الشيء الكثير، "فالطفل يُدعى إلى الصلاة وهو ابن سبع سنين، ولا يُضربُ عليها إلا عند العاشرة من عمره، ويكون خلال فترة الثلاث سنوات هذه قد نودي إلى الصلاة وحُببت إليه أكثر من خمسة آلاف مرة! فمن واظب عليها خلال ثلاث سنوات بشكل متواصل متتالٍ هل يحتاج بعد خمسة آلاف صلاة أن يُضرب ؟!" أعتقد أن هذا سيكون أقرب إلى المستحيل.

ولكن لو تساءلنا مرة أخرى, ما السر الذي جعل النبي صلى الله عليه وسلم يعطي هذا الأمر للصلاة حصراً, لماذا لم يتحدث عن الصيام أو غير ذلك من العبادات الأخرى التي تحتاج لتعويد ومثابرة؟

لقد ذكر العلماء والفقهاء كثيراً من فوائد الصلاة وأسرارها, ويكفي أن ينظر أحدنا في الصلاة ليعرف أنها "فريضة متعددة الأركان، ففيها الوضوء الذي هو نظافة للجسد والروح، وفيها الاستعداد للوقوف بين يدي الله مع ما فيه من اعتراف بالذنب وعزم على التوبة ، وفيها تلك الحركات من قيام وركوع وسجود, وكلها حركات متآلفة متتابعة بمنطقية ونظام، وفيها قراءة القرآن والتكبير والتسبيح والتحميد والدعاء الذي يغسل النفس والروح, ويُشعر المؤمن بقربه من خالقه وحاميه ورازقه, وكل حركة وركن وواجب فيها له مقصده وأسراره.

إن الصلاة هي الحياة نفسها, بحركتها, وانتظامها, وتكرارها, وربطها ما بين السماء والأرض, ما بين الخالق والمخلوق, وهي تلك الوسيلة التي نلجأ إليها عندما يأخذنا التفكر العميق في خلق الله إلى عالم الخشوع الساحر, فلا نجد وسيلة أفضل منها لنناجي ربنا ولنقترب منه حتى نشعر بتلك النشوة المريحة والتي جعلت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عندما يكون متعباً "أرحنا بها يا بلال"

ولكم أن تسمعوا تلك الأنشودة الساحرة التي ألفها الشاعر عمر بهاء الدين الأميري في الصلاة والتي وصف فيها ذلك الشعور الرائع الذي يدفع الإنسان دفعاً للصلاة كوسيلة تواصل ما بين المخلوق الضعيف المأخوذ بروعة الخلق, والخالق العظيم القادر الذي أنعم عليه بالصلاة وجعل فيها من الأسرار ما يزيده رغبة بشكر الله, يقول:

كـلَّـمـا أَمعنَ الدُّجى iiوتَحَالَكْ
وتـراءتْ لـعـينِ قلبي iiبَرَايا
وتَـرَامَى لمسمعِ الرُّوحِ iiهَمْسٌ
واعـتـرانـي  تَولُّهٌ iiوخشوعٌ
مـا تَـمَـالَكْتُ أَنْ يَخِرَّ iiكياني





شِمْتُ في غَوْرِهِ الرهيبِ جَلاَلَكْ
مـن جمالٍ، آنَسْتُ فيها iiجَمَالَكْ
مـن شِفَاهِ النُّجومِ يتلُو الثَّنَا iiلَكْ
واحـتواني الشعورُ أَنِّي iiحِيَالَكْ
سـاجدًا  واجدًا، ومَنْ iiيتمالَكْ؟!

أجل, ومن يتمالك؟؟!!