صورٌ من الرحمة

د.عثمان قدري مكانسي

[email protected]

1 ـ دخلت امرأة على السيدة عائشة رضي الله عنها تزورها ومعها ابنتها ، فسألتها عن أمور دينها ، وأحوال نساء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ معه كي تقلدهنّ في الإحسان إلى زوجها ، لترضيه فيرضى الله عنها ، فقد سمعت أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : (( لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظيم حقه عليها )) .

 وأرادت السيدة عائشة أن تكرم هذه المرأة وابنتيها ، فلم تجد سوى تمرة واحدة ، أعطتها إياها ، وليس عيباً أن يفتقر الإنسان ، فالرزق من عنده سبحانه وتعالى ، إنما العيب أن تمنع جودك الناس ، وأنت تمتلك شيئاً يزيد عن حاجتك .

 تبسّمت المرأة لأم المؤمنين وشكرت لها فضلها ، ثم قسمت التمرة بين ابنتيها ، فرحةً بهما ، مشفقة عليهما ، ينبع الحنان والحب من عينيها وفمها ، وتنظر إليهما سعيدة بهما فهما ريحانتاها وثمرة قؤادها . . وأم المؤمنين تراقبها متابعة ما تفعله المرأة بهما . ثم خرجت . . .

 ودخل النبي ـ صلى الله عله وسلم ـ ، فحدثته السيدة عائشة بما كان من المرأة فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( من يـَلِ من هذه لبنات شيئاً ، فأحسن إليهن ، كنَّ له ستراً من النار )) .

 2 ـ خرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من بيته إلى المسجد ، وعلى عاتقه حفيدته من ابنته زينب رضي الله عنها ، فكبر للصلاة وهي بين يديه فإذا ركع وضعها على الأرض ، وإذا سجد كانت بين يديه ، فإذا قام رفعها إليه . . وهي تلاعبه وتداعبه وترمي بنفسها عليه .

 3 ـ دخل الأقرع بن حابس التميمي على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فرأى الحسن بن علي رضي الله عنهما على فخده ، ثم جعله بين يديه وقبّله .

 قال الأقرع : السلامُ عليك يا رسول الله .

 قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( وعليك السلام ورحمة الله وبركاته )) .

 قال الأقرع : أتقبِّلون صبيانكم ؟! قالها وهو متعجب ، فنحن لا نقبلهم .

 قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( من لا يَرْحَم لا يُرْحم )) .

 قال الأقرع : فإن لي عشرة من الولد ، ما قبّلتُ منهم أحداً .

 فنظر إليه عليه الصلاة والسلام متعجباً من قساوة قلبه وقال :

 (( أَوَ أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة ؟!! )) .

 4 ـ قال أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنهما : كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحب أبي رحمه الله ويحبني لحبّه ، وكان إذا جئتُه قال : هذا الحِبُّ ابن الحِبِّ ، ويقبّلني ويُجلسني إلى فخذه وإذا ركب بغلته أو ناقته كثيراً ما أردفني خلفه .

 جئته مرّة وأنا صغير ومعي الحسنُ بن عليّ فابتسم لنا ، ومدَّ يديه الشريفتين إلينا ، فأقعدني على فخذه ، وأقعد الحسن على فخذه الأخرى ثم أخذ يضمنا إليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم يقول : (( اللهمُّ ارحمهما ، فإني أرحمهما . . )) .

 5 ـ أقبل رجلٌ من بعيد إلى مجلس رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، والصحابةُ رضوان الله عليهم متحلقون حوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ينظرون إلى وجهه المضيء ، ويسمعون هديه المنير ، فالتفت إليهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال : (( هذا الرجل قادمٌ يريد منّي مسألة وإني معطيه إياها إن شاء الله ، ولكنْ إذا سألـَنيها فاشفعوا له ، والله يُؤجركم على شفاعتكم ولْيقض الله على لسان نبيّه ما يشاء )) .

 فلما وصل الرجل سلّم على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وعلى أصحابه الكرام ، ثم جلس ولمّا ينبس ببنت شفة فقال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( ألك حاجة يا رجل ؟ )) .

 قال : نعم يا رسول الله صلى الله عليك وسلم ، وذكرها فكان أصحابه يقولون :

 ـ هو أهلٌ لفضلك يا رسول الله . .

 ـ ما علمنا منه إلا خيراً يا رسول الله .

 ـ أحسِنْ إليه يا رسول الله ، فما عهدناكَ إلا محسناً .

 كان الرجل ينظر إليهم مسروراً من شفاعتهم ، وقد أحبّهم وشعر أنّه منهم .. يا لهذا المجتمع المسلم المتحاب المتكافل ...

 وابتسم الرسول ـ صلى الله عليه سولم ـ ، فقد اكتسب إلى المسلمين واحداً آخر وعلّم أصحابه مناصرة بعضهم بعضاً ، ... وقضى للرجل حاجته.