بصائر(1)

الأستاذ الدكتور/ كابوري

بصائر(1)

الأستاذ الدكتور/ كابوري

محمد صالح علي مصطفى

  جـاورت بمكـة المـكرمة أسابيع وأياماً من شهري جمادى ورجب عام 1425 من الهجرة النبوية، وهناك أعدت النظر في مجموعة "خاتمة المؤلفات"* .

  وقد كان المفهوم المراد من "خـاتمة المـؤلفات" هو رفع القـلم وطي الصحف والانصراف إلى المسجد للصلاة وقراءة القرآن رغباًَ ورهبـاً ﴿فإذا فرغت فانصب * وإلى ربك فارغب *﴾ 7-8/94 ﴿واعبد ربك حتى يأتيك اليقين *﴾ 99/15 .

  ولكن ذلك الفهم توسع لإضافة "بصائر" كعلم وكعبادة حيث لا منافاة بينهما والفارق إن وجد فهو أن العلم أسبق مرحلة وأعظم مرتبة.

  ﴿قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ *﴾ 104/6 .

﴿قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى﴾ 108/12 .

و"بصائر" جمع بصيرة من أبصر ومنه البصر للرؤية بالعين وهي أَثْبت من السمع واللمس وغيرهما من أسباب العلم، وضدها العمى والعياذ بالله.

وبصائرنا: مراجعات ومختارات من مؤلفاتنا العشرين وفيها: مفاهيم وأحكام وخواطر وبيانات.. علمية وسياسية..

واللائحة القائمة طويلة نأخذ منها ما يمكن أخذه منها، ونترك فيها ما يمكن تركه فيها، دونما تسلسل زمني أو ترتيب موضوعي لغاية في نفسي.

هذا، وإني لأرجو الله أن يجعل هذه البصائر قرآنيةً ربانيةَ الطريق والغاية.

ومن الله التوفيق إنه سبحانه وتعالى ولي ذلك والقادر عليه. 

1

موازين العلم وميادين العمل 

العلم والعمل أصلان متلازمان ومتكاملان في حياة الإنسان في هذه الدنيا التي جعلها الله دار تكليف بالعبادة علماً وعملاً ، وللعلم موازينه وللعمل ميادينه :

موازين العلم ثلاثة :

الأول: ميزان الدين الإلهي: دليله الكتاب والسنة ، وحكمه بيان علم الحلال والحرام.

الثاني: ميزان الفطرة الإنساني: دليله العقل السليم ، وحكمه بيان النافع والضار.

     الثالث: ميزان العرف الاجتماعي: دليله الإجماع، وحكمه بيان الحسن والقبيح.

وموازين العلم الثلاثة هي زاد السفر ونور الطريق بالنسبة لميادين العمل، وهذه الموازين مرتبة، فدين الله أولاً لأنه وحي معصوم، ثم الفطرة الإنسانية لأن سننها ثابتة، وأخيراً العرف الاجتماعي وهو نسبي يتطور ويتغير.

ميادين العمل متعددة نجملها في أربعة:

الأول: ميدان النفس، وفي النفس يجري الصراع بين الخير والشر أو بين التقوى والفجور ﴿فألهمها فجورها وتقواها﴾ 8/91 ويغلب أحدهما الآخر ﴿قد افلح من زكاها * وقد خاب من دساها *﴾ 9-10/91 .

والتزكية و الفلاح في الصراع النفساني هو التخلص من النفس الأمارة بالسوء ومن النفس اللوامة والوصول إلى النفس المطمئنة..

الثاني: ميدان الأهل في تربيتهم وتعليمهم ورعايتهم ودعوتهم في بشارتهم ونذارتهــم، وهؤلاء الأهلون أولياء و قد ينقلبون أعداءً على الرغم من قربهم وقرابتهم ﴿إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم﴾ 14/64 فإذا كان هذا حال بعض الأهلين فما بالك بغيرهم من الآخرين من العشيرة والقوم وعموم الناس ؟ ولذا يتوجب الصبر عليهم ومداراتهم وإعذارهم ما أمكن.

الثالث: ميدان القومية بدءا بالعشيرة.

الرابع: ميدان الإنسانية العامة.

وميادين العمل الأربعة تمثل دعوة الأنبياء المرسلين -والعلماء ورثتهم- وهذه الميادين مرتبة بداية بالنفس ﴿عليكم أنفسكم﴾ 105/5 ثم الأهل ﴿قوا أنفسكم وأهليكم﴾ 6/66 ثم العشيرة ﴿وأنذر عشيرتك الأقربين﴾ 214/26 والقوم، وفي القرآن بيان وفي السنة كذلك بيان أن كل نبي أرسل إلى قومه خاصة، وأن خاتمهم أرسل إلى الناس كافة.. صلى الله عليه وعليهم وعلينا وسلم.

والحمد لله رب العالمين

              

* أنظر "المؤلفات" على الإنترنت في موقع -كابوري نت-     www.gabori.net