رسائل الحبيب

أحلام جمعة

[email protected]

( 2 )

الحب ليس مجرد كلمات تقال أو أشعار تنشد فقط ، الحب أحاسيس فياضة ومشاعر مرهفة ، للحب أفعال وأعمال تدل عليه ، الحب هو أكبر وأعظم النعم والمنن التي من الله علينا بها ، وقد تحدثنا في المقال السابق عن حب الله عز وجل لنا وقدمنا بعض الرسائل التي تدل على ذلك واليوم بمشيئة الله تعالى سنقدم بعض الرسائل الأخرى التي تدل على محبة الله لنا ، ولكن قبل ذلك أريد أن أذكرك عزيزي القارئ أن تتذكر الصفقة التي عقدناها سويا في المقال السابق وهي أن تقرأ رسائل الله التي تدل على محبته لك و تحب الله عز وجل كما يحبك حتى تنعم بسعادة الدارين الدنيا والآخرة .

 قال هرم بن حيان : ما أقبل عبدٌ بقلبه إلى الله ، إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه حتى يرزقه ودهم .

الرسالة السادسة استجابة الدعاء :

إن من أجل وأعظم رسائل الله عز وجل لنا هي استجابة الدعاء ، وهي من أكبر الدلائل على محبته لنا . ولولا حبه لنا ما استجاب لنا الدعاء وما دلنا على أهمية الدعاء في القرآن الكريم ، بل وأكد سبحانه وتعالى على استجابة الدعاء وقربه منا وسماعه لدعائنا وطلبه لنا بأن نستجيب له وندعوه وذلك في قوله تعالى :

 "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ " ( سورة البقرة186)

يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة (إنها آية عجيبة ،آية تسكب في قلب المؤمن النداوة الحلوة ، والود المؤنس ،والرضى المطمئن ، والثقة واليقين . . ويعيش منها المؤمن في جناب رضيّ ، وقربى ندية ، وملاذ أمين وقرار مكين .وفي ظل هذا الأنس الحبيب ، وهذا القرب الودود ، وهذه الاستجابة الوحية . . يوجه الله عباده إلى الاستجابة له ، والإيمان به ، لعل هذا أن يقودهم إلى الرشد والهداية والصلاح ) .

و من دلائل محبته سبحانه وتعالى تجليه سبحانه وتعالى في الثلث الأخير من الليل وهو الغني عنا ليرى مسائل العباد وذلك كما جاء في الحديث الشريف : عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (يتنزل ربنا ، تبارك وتعالى ، كل ليلة إلى سماء الدنيا ، حين يبقى ثلث الليل الآخر ، فيقول : من يدعوني فأستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه ؟ من يستغفرني فأغفر له ؟ ) (رواه البخاري و مسلم ومالك والترمذي وأبو داود( .

أرأيت أكثر من هذا حبا وعطاء ورحمة وودا وقربا وكرما من الله عز وجل وهو أغنى ما يكون عنا ونحن أفقر وأحوج ما نكون إلى هذا العطاء وهذا الكرم من الله عز وجل . ليس ذلك فحسب ولكنه سبحانه وتعالى من نعمه وكرمه فإنه يستحي من العبد إذا دعاه ورفع إليه يده وذلك كما جاء في الحديث الشريف الذي أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث ابن ميمون - بإسناده - عن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : « إن الله تعالى ليستحي أن يبسط العبد إليه يديه يسأله فيهما خيراً فيردهما خائبين » .أين نحن من هذا الحب الكبير والعظيم . ليس ذلك فحسب وإنما هناك ما أعجب وأغرب من ذلك وهو أن الله عز وجل يحب عبده اللحوح الذي يلح عليه في الدعاء سواء كان في شدة أو رخاء كما أنه يحب العبد الذي يدعوه باستمرار وخاصة في وقت الرخاء وذلك حتى يكون صوته معروفا لدى الملائكة وحتى يستجاب له سريعا في وقت الشدة وذلك كما جاء في الحديث الشريف « تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة » رواه البيهقي .

وقيل للإمام أحمد - رحمه الله -: "كم بيننا وبين عرش الرحمن؟ قال: دعوة صادقة من قلب صادق". ........ هل تأكدت من حبه لك أم مازلت تريد أدلة أخرى ؟

الرسالة السابعة الابتلاء:

 كلنا يعلم أن الدنيا ليست دار بقاء ولا سعادة ولا إقامة ولكنها دار فناء وابتلاء ولنعلم جميعا أنها معبرة نعبر بها إلى الآخرة التي هي دار الخلود والبقاء والسعادة الأبدية في نعيم الجنة بمشيئة الله تعالى ولذلك كتب الله تعالى علينا فيها الابتلاء سواء كان ابتلاء خير أو ابتلاء شر وذلك ليرى أعمالنا وأفعالنا كما جاء في قوله تعالى :"وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما في صُدورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما في قُلوبِكُمْ" ( آل عمران : 104 )

والابتلاء من أهم الدلائل على محبة الله لعباده وذلك كما جاء في الحديث الشريف

فعن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "عِظم الجزاء، مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط ". رواه الترمذي وقال حديث حسن .

والابتلاء يكون منة من الله للعبد وذلك بأن يكون الله عز وجل قد كتب لعبده منزلة عظيمة في الجنة وعمله لا يكفي للوصول إلى هذه المنزلة فيبتليه الله عز وجل حتى يصل إلى هذه المنزلة لأن الله تعالى يريد أن ينقيه، حتى روي أنه يسير على الأرض بلا خطيئة، وتشير الملائكة إليه، هذا هو الطاهر الشريف، الطاهر من الذنوب، الشريف من العيوب.وذلك كما جاء في الحديث الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله عز وجل قال: " ما يزال البلاء بالمؤمن، والمؤمنة في نفسه، وولده وماله حتى يلقى الله، وما عليه خطيئة"،( رواه الترمذي) والابتلاء نوعان الأول : ابتلاء بالخير وذلك بأن يزيد الله للعبد في المال أو الصحة أو الأولاد أو غير ذلك من أنواع الرزق الذي يعطيه الله للعبد وهذا الابتلاء يستوجب الشكر على هذه النعم وأداء حق الله عز وجل على هذه النعم ، والثاني ابتلاء بالشر وذلك بأن يفقد العبد أحد والديه أو أحد أولاده أو يصاب بمرض أو بفقر أو بإيذاء من الناس أو غير ذلك من المصائب التي تصيب العبد في الحياة الدنيا وهذا الابتلاء يستوجب الصبر والاحتساب والرجوع لأمر الله عز وجل وهذا الابتلاء كله خير قال ابن رجب - رحمه الله - "العاقل من تزيده نيران الأزمات لمعاناً ، التفكر عبادة لا تقبل النيابة ، الصاعقة لا تضرب إلا القمم"............... أليس هذا هو الحب الحقيقي ؟!!!!!

الرسالة الثامنة الرزق :

لقد خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان في هذه الدنيا لهدف وغاية سامية وعظيمة وهي العبادة والخلافة في الأرض ولذلك سخر له كل ما في الكون ليستخدمه في أداء مهمته التي خلق من أجلها كما أنه تكفل له بالرزق بجميع أنواعه ليتفرغ للعمل الذي وكل به وذلك كما جاء في قوله تعالى :" وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ " ( الذاريات 56 ، 57 ، 58 ) وقد جاء في تفسير هذه الآيات الكريمة في ظلال القرآن (من مقتضيات استقرار معنى العبادة أن يقوم بالخلافة في الأرض ، وينهض بتكاليفها ، ويحقق أقصى ثمراتها؛ وهو في الوقت ذاته نافض يديه منها؛ خالص القلب من جواذبها ومغرياتها . ذلك أنه لم ينهض بالخلافة ويحقق ثمراتها لذاته هو ولا لذاتها . ولكن لتحقيق معنى العبادة فيها ) والرزق ليس مقصورا فقط على المال فقط فهناك العديد من أنواع الرزق الذي يرزقنا الله عز وجل به غير المال فهناك الصحة ، و رزق الأولاد ،وهناك حسن الخلق ،وهناك الذكاء والعلم ،وهناك التوفيق في بر الوالدين ، وهناك التوفيق في العبادة ،وهناك الزوجة الصالحة والزوج الصالح ، وهناك محبة الله ومحبة الناس ، وغير ذلك من أنواع الرزق التي رزقنا الله عز وجل بها هذا إلى جانب رزق الطعام الطيب الحلال كما جاء في قوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون " (سورة البقرة172) فيجب على كل إنسان أن يثق تمام الثقة أن رزقه سيأتيه مهما حدث له ومهما ضيق عليه ، ومهما آذاه الناس فلا يخاف في الله لومة لائم وليعلم أن الرزق بيدي الله ولا يستطيع أي مخلوق أن يمنعه عنه مهما فعل . والثقة في الله لها عواقبها كما قال أبو سليمان الداراني : " من وثق بالله في رزقه : زاد في حسن خلقه وأعقبه الحلم ، وسخت نفسه ، وقلت وساوسه في صلاته " . لذلك يجب على كل إنسان أن يؤدي حق الله عز وجل في هذا الرزق حتى يدوم عنده ويجزى عليه كما قال ابن القيّم - رحمه الله : "فالمتصدق يعطيه الله ما لا يعطي الممسك، ويوسع عليه في ذاته وخلقه ورزقه ونفسه وأسباب معيشته جزاء له من جنس عمله"

عزيزي القارئ حب الله عز وجل لنا لا ينتهي والرسائل التي يرسلها لنا ا التي تدل على محبته كثيرة جدا والكلام فيها أكثر لذلك انتظرنا في المقال القادم بمشيئة الله تعالى لنكمل حديثنا عن هذه الرسائل ولكن أحب أن أذكرك بالصفقة التي عقدناها معا وهي أن نصل معا إلى محبة الله ورضاه كما وصل غيرنا من الصحابة والسلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين .

 وأحب أن أختم هذا المقال بمناجاة لد.عبد المعطي الدالاتي في محبة الله قائلا :

(( إذا أسكت الموتُ لساني فسينطق عني الحب .. فالحب لا يستحيل إلى تراب ! ))

بـرفـة  روحي .. وخفقة iiقلبي
سـألـتكَ  ربي ِلترضى ، iiوإني
وأَعذبُ  نجوى سَرتْ في iiجَناني
ومـا كـنـتُ بالحب يوماً iiشقيّا
فـهـذا سكوني .. ودمعُ iiعيوني
( تباركت ربي . . تعاليت ربي)






بـحـبٍّ سـرى في كياني يُلبّي
لأَرجو  رضاكَ - إلهي - iiبحبّي
وهزَّت  كياني : (( أحبُّك رَبي))
ولـو  فَجَّرَ الحبُّ دمعي iiالعصيّا
يـنـاجـي ؛ يـنادي نداءً iiخفيّا
ويَـنـفـدُ عمري ولم أُثن ِ iiشَيّا

" أحبك ربي " أعذب نجوى باح بها قلبي ..

" أحبك ربي " أعذب نجوى زيّنت لي دربي .