خواطر وتأملات

العلماء والحكام

روح كل زمان

جمال سعد حسن ماضي

[email protected]

1 - في وسط الظلم ... انتبه

يقول تعالى : ( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ) هود 115, وخير تعامل مع الظالمين أن ينتبه الإنسان لحاله بعد الموت , وقد نبه النبى صلي الله عليه وسلم كل مسلم لهذا الحل , فقال : ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث , صدقة جارية أوعلم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ) , ربما ارتبط في أذهاننا هذا الحديث عند المقابر لمجرد ذكر الموت , ولكنه منهج حياة , في الدوائر الثلاث : دائرة النفس بالصدقة الجارية , يقول تعالى : ( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) , وفي دائرة البيت بهذا الجهد التربوي من التنشئة الصالحة والتحمل الحكيم , يقول تعالى : ( وأمر اهلك بالصلاة واصطبر عليها ) , فالولد الصالح ابناً أو بنتاً هي الغاية والهدف لكل أسرة , ثم في دائرة المجتمع والأمة , بعلم نافع , في أي فرع من فروع العلوم سواء كان نطرياً أوسلوكياً أو صحياً أو نفسياً أو اجتماعياً , أو في أي نوع نافع للناس وللأمة .

2 - لماذا يركن البعض إلى الظالمين ؟

فما الذي يجعل الناس بمنأي عن الاستعداد , وماالذي يجعل البعض يركن إلى الظالمين يحسب معهم نجاته , فإذا به يدفع الثمن غالياً , في الدنيا والآخرة ؟ !! , إنه خداع الشيطان ليس إلا , يقول تعالى : ( وما يعدهم الشيطان إلا غروراً ) النساء 120, فيخدعهم , ومن ثم هم يخدعون الناس , يقول تعالى : ( ومن الناس من يقول آمنا بالله واليوم الآخر وما هم بمؤمنين , يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون ) البقرة 8 -9 , ولو علمنا جميعاً أن الله سائلنا حكاماً ومحكومين , علماء ومتعلمين , دعاة ومدعوين , هداة ومهتدين , لاسترحنا وازددنا تمسكاً بأهداب ديننا , يقول تعالى : ( فلنسألن الذين أََرسل إليهم ولنسألن المرسلين ) الأعراف 6 , فليس أمامنا من طريق إلا العمل والتطبيق والممارسة , وهذا هو عين ما يطلبه الله منا , يقول تعالى : ( وقل اعملوا , فسيرى الله عملكم , ورسوله , والمؤمنون ) .

3 - العزة في إعلان الجهاد

وخير ما تقوم به اليوم أمتنا من عمل , أن ترفع راية الجهاد , ولا ترضى بمسميات غير ما أسماه الله ورسوله , أمام العابثين بأوطاننا , التي باتت بين احتلال أو قهر , ويخوفوننا بأن الجهاد إرهاب , وأن تحرير الأوطان عنف , وأن إصلاح البلاد تطرف , في الوقت الذي تنادي أمتنا أبناءها في كل حين : من يحرر المقدسات ؟ من يحرر الأوطان ؟ من يحرر الحياة ؟ .

 فهل يهب الشرفاء لنجدتها في إباء وعزة ؟ واعين بقول أبي بكر رضى الله عنه , وهو يرسي هذه القاعدة : ( ما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا ) .

لقد اندهش أحد الأصحاب وهو يسمع النبي صلي الله عليه وسلم يقول : ( انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ) , فقال : انصره مظلوماً فكيف أنصره ظالماً ؟ قال : ( تمنعه من الظلم فذلك نصرك إياه ) متفق عليه , فجهاد اليوم نصرة المظلومين من إخواننا , ونصرة الظالمين بمنعهم من الظلم .

على من يقع هذا الواجب ؟

ولقد تأملت على من يقع هذا الواجب ؟ ومن يبادر بحمل هذه الراية ؟  إنه يقع على عاتق أربعة منا , إن أرادوا إصلاحاً حقيقياً وتغييراً واقعياً :

 أولاً : العلماء :

 الذين قال رسول الله فيهم : ( إن مثل العلماء في الأرض , كمثل النجوم في السماء , يهتدى بها في ظلمات البر والبحر ) رواه أحمد , فهم ورثة الأنبياء , وليسوا ورثة الحكام , وهم من يستغفر لهم من في السموات ومن في الأرض , كما قال النبي صلي الله عليه وسلم : ( فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم , إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض , وحتي النملة في جحرها , وحتى الحوت في الماء , ليصلون على معلم الناس الخير ) رواه الترمذي , فمن يقول الحق إلا العلماء النبهاء الأقوياء ؟ يقول تعالى : ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) فاطر 27 , ولذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم , من قبض العلماء , إذا غاب عن الأمة , الجهر بالحق وتحمل التضحيات , يقول صلي الله عليه وسلم : ( إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس , ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ) متفق عليه .

ثانياً : الفهماء :

 الذين قال الله فيهم : ( ليتفقهوا في الدين ) التوبه 122 , والفقه هو الفهم , باتفاق العلماء , وفهم الدين يكون شاملاً , في عقائده وعباداته ومعاملاته وأخلاقه , فهو فهم الحياة , حينما تنتظم بالإسلام كنظام في كل جوانبها السياسية , والاقتصادية , والثقافية , والتعليمية , والإعلامية , والحربية , والرياضية , والروحية , فالإسلام دين الحياة , وفي تحقيق هذا الخير كله للشعوب والحكام , فمن فهم دينه بهذا المفهوم , استطاع أن يكون راشداً ومرشداً , لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين , ويلهمه رشده ) الترمذي .

وذلك لأن الفهماء هم المستقلون المجتهدون الواعون المجاهدون المصلحون , لقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جيل , وهو في طريقه إلى اليمن , ينشر فكرة الإسلام بينهم , ويفهمهم دينهم , قائلاً لمعاذ : ( إن لم تجد في الكتاب والسنة ؟ قال معاذ : أجتهد رأيي ولا ألو ) أبو داوود .

ثالثاً : الحكام

مَن الحاكم الذي تمشي وراءه الشعوب ؟ مَن الحاكم الذي تختاره الجماهير ؟ مَن الحاكم الذي يرفع من شأن الأمة ؟ أهو الذي تراه الشعوب في زفة الكذابين ؟ أهو الذي تراه الجماهير في الضور وشاشات التلفاز ؟ أهو الذي يمتلك مال الشعوب وخزائن الأوطان ؟ لا تحتار في الإجابات , فقد أجاب عن كل هذه التساؤلات رسول الله صلى الله عليه وسلم , فحدد مَن نختاره ونمشي وراءه , فقال صلى الله عليه وسلم : ( إنما الإمام جُنة , يُقاتل مِن ورائه , ويُتقى به ) متفق عليه , فمن ورائه المقاتلون الذين يذودون عن الأوطان , لا يبيعونه , ومن خلفه الشعوب لأنه حماية لهم , لا سيفاً على رقابهم , فهو وقاية وحماية ورعاية , كما قال النبي صلي الله عليه وسلم : ( إنما الإمام جُنة ) , يقول أعدل الحكام عمر بن الخطاب : ( إن أسعد الولاة من سعدت به رعيته , وإن أشقى الولاة من شقيت به رعيته ) , ويقول على بن أبي طالب لحاكم مصر : لا تكونن عليهم سبعاً ضارياً , تغتنم أكلهم ) .

ثالثا : أنتَ :

نعم أنتَ ... صغيراً أم كبيراً , رجلاً أم امرأة , والداً أم ابناً , أماً أم بنتاً , حاكماً أم محكوماً , ثرياً أم فقيراً , شاباً أم فتاة , عالماً أم متعلماً , أستاذاً أم تلميذاً , رئيساً أم مرءوساً , فالنبي صلى الله عليه وسلم , يناديك أنتَ , فيقول : ( أنتَ على ثغرة من ثغر الإسلام , فلا يؤتين من قبلك ) رواه الحاكم , فليس في الإسلام رجال دين , ورجال دنيا , فالمسلم أنتً , الذي ناداه النبي صلى الله عليه وسلم , في أي موقع , وعلى أي بقعة , وبأي مستوى كان , ولقد رأيناه صلى الله عليه وسلم خير أسوة لكل مسلم , فلم يتميز بينهم , وهو أعلمهم وأحكمهم وأخشاهم وسيدهم وأفهمهم , وتأمل معي هذا المشهد : كان النبي جالساً بين أصحابه , فجاءه أعرابي , فقال : أيكم ابن عبد المطلب ؟ ! , فقالوا هذا الأبيض المتكيئ , فقال الأعرابي : يا ابن عبد المطلب , فقال النبي الكريم : قد أجبتك ) , ليعلمنا أن التبعة علينا جميعاً , وليست محصورة في شخص دون شخص.