بلال يؤذن
بلال يؤذن
د.عثمان قدري مكانسي
بلال ! وما أدراك من بلال؟....
عبد أميّة بن خلف وساعده الأيمن في تجارته إلى الشام واليمن، اعتمد عليه وآثره على سواه من العبيد لأمانته وإخلاصه..
سمع بلال كلمة الحقّ من فيّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، فانسابت إلى قلبه وعقله دفاقة نيّرة وأعلن لسانه شهادة التوحيد ودخل في سلك الموحدين...
عرف سيده ذلك منه فأمره أن يعود إلى الكفرودين الشرك والضلال، وهو يظن أنه حين ملك جسده ملك عقله ولبّه - فلم يستجب بلال- وهل يعود مَن ذاق حلاوة الإيمان وسموّ التوحيد إلى وهدة الوحل ودرك البهيميّة، أوعَدَهُ سيدُه، ثم عذبَه، فلما رأى منه الإصرار والثبات اجتهد في تعذيبه، وافتنّ فيه الأفانين، السياط اللاسعة والرمضاء الحارة، والصخور الثقيلة، فازداد بلال تمسكاً بدينه وجلجل صوته في أرجاء مكة أحَدٌ أحَدٌ، فرد صمد، واشتراه الصديق رضي الله عنه وأعتقه لله عزّ وجلّ.
فكان عمر الفاروق يقول: سيدنا أعتقَ سيدَنا. وكان لبلال رضي الله عنه صحبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وكان مؤذنه في مسجده وحلّه وسفره ...
وحين فتح القائد العظيم - صلى الله عليه وسلم- مكة وطهّرها من الأوثان أمر بلالاً أن يرتفع إلى ظهر الكعبة يعلن كلمة التوحيد، فصدح بالأذان، الله أكبر، الله أكبر.... ومادت أرجاء مكة منتشية بهذا النداء الخالد.. يا الله ما أعذب هذا النداء وأطيبه.
كان بين الجلوس ثلاثة من عتاولة مكة، الذين جمعهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في فناء الكعبة فأظهروا الإيمان لينجوا من الموت وظلت قلوبهم على ما كانوا عليه من رجس الشرك وظلامه.
قال أولهم عتّاب بن أسيد حين سمع النداء:
لقد أكرم الله أسيداً (والده) ألا يكون سمع هذا، فيسمع منه ما يغيظه، ( ولم يدر أن أباه الكافر هذا في نار جهنم يتلظّى، ويودّ من أعماق قلبه لو عاد إلى الدنيا مسلماً تائباً ، وليس بعائد ).
إن كلمة التوحيد لا تغيظ مَن في قلبه مثقال ذرة من فهم، وعقلِه قَدرُ أنملة من تفكير.
وقال ثانيهم الحارث بن هشام وكان أعقل من صاحبه - إن صح أن فيه عقلا- : أما والله لو أعلم أنّه محق لاتبعتُه!.. ولا أدري متى ينتبه الغارقون في سكراتهم إلى الحق الصراح، وشمسه الساطعة، لولا أن على قلوبهم غشاوة، وفي سويدائهم ... سواد....
وقال ثالثهم أبو سفيان بن حرب وكان أقربهم إلى التفكر والتمحيص: لا أقول شيئاً، لو تكلمتُ لأخبَرَتْ عني هذه الحصا !! إذ هو يعلم أن محمداً- صلى الله عليه وسلم- نبيّ ! لكنّ الكبـْرَ أن يكون تابعا ًمنعه الإسراع إلى صفاء الإيمان بل إن أبا سفيان هذا رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يمشي والناس وراءه فقال يحدّث نفسه: ما أدري بم يغلبنا محمد؟ فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم- ، فضرب في صدره وقال: ( بالله نغلبك) ... يا الله من الذي أخبره بخبايا نفسي ؟!
إنّ أبا سفيان هذا يخبرنا عن حادثة مشابهة له فيقول:
لما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في مكانته العظيمة، والناس يوقرونه، قلت في نفسي: لو عاودتُ هذا الرجل القتال، وجمعتُ له جمعاً !... فجاءه الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم- حتى ضرب في صدر أبي سفيان، يجيبه .. ( إذاً نخزيك) .
مَن أخبر محمداً بخبيئة الرجل؟!! إنه الله تعالى، فقال أبو سفيان: أتوب إلى الله، وأستغفر الله، ما أيقنت أنك نبي إلا الساعة، إني كنت لأحدث نفسي بذلك .