رحلة إلى الجنة..
من القصص النبوي :
رحلة إلى الجنة..
آزاد منير غضبان
إنها رحلة .. وأي رحلة.؟ رحلة إلى مكان قاب قوسين منه خير من الدنيا وما فيها .. رحلة إلى مكان لم تره العين قط ولم تتخيله .. ولم تسمع بمثله أذن قط ولم تُقدِره .. ولم يخطر على قلب أحد من البشر نعيمه وأمانه .. فلنبدأ بالحديث عن هذه الرحلة ..
فإن هذه الرحلة حثنا ورغبنا فيها رسول الله حين قال (( ألا هل مشمر للجنة فإن الجنة لا خطر لها هي ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتز وقصر مشيد ونهر مطَرد وثمرة نضيجة وزوجة حسناء جميلة وحلل كثيرة ومقام في أبد في دار سليمة وفاكهة وخضرة وحبرة ونعمة في محلة عالية بهية )) قالوا : نعم يا رسول الله نحن المشمرون لها قال : (( قولوا إنشاء الله )) قال القوم : إنشاء الله .
ثم تاقت النفوس لها وسلبت الألباب بها .. فإذا بالصحابة يسالون النبي عنها وأبصارهم متعلقة به وأرواحهم في عالم سماوي وقلوبهم ترقص طربا بسماع وصفها ونعيمها ولذلك حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه عندما سأل الصحابة الرسول أن يحدثهم عن بناء الجنة فقال عليه السلام (( لبنة من ذهب ولبنة من فضة وملاطها المسك وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وترابها الزعفران من يدخلها ينعم فلا يبأس ويخلد فلا يموت لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه .. ))
وفجأة .. وعلى غفلة من الناس نفخ في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير .. وأتى الناس مذعورين خائفين كأنما دعاهم أحد واجتمعوا في أرض المحشر .. وبلغت القلوب الحناجر .. واسودت وجوه وابيضت وجوه .. ودنت الشمس من الخلائق .. وخشعت الأبصار .. وجاء الحساب والعقاب واتجه كل إنسان إلى مصيره الأبدي .. في ذلك الزحام وفي تلك الرهبة .. فلندخل مع أهل الجنه .. ولكن ما هذا الزحام الذي لا تجد فيه موطأ قدم كما حدثنا عتبة بن غزوان أن رسول الله أخبرهم: ((إن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين سنة وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام ))
ولنواصل المضي مع المتقين والأبرار .. مع الفئة الفائزة .. ولندخل معهم إلى الجنة ، قال تعالى : (( وسيق الذين اتقو ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين () وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين () وترى الملئكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين ))
وقال عليه الصلاة والسلام (( يساق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا انتهوا إلى باب من أبوابها وجدوا عنده الشجرة يخرج من تحت ساقها عينان تجريان فعمدوا إلى إحداهما كأنما أمروا بها فشربوا منها فأذهبت ما في بطونهم من أذى أو قذى أو بأس ثم عمدوا إلى الأخرى فتطهروا فجرت عليهم بنضرة النعيم فلم تغير أبشارهم أو تغير بعدها أبدا ولن تشعث أشعارهم كأنما دهنوا بالدهان ثم انتهوا إلى خزنة الجنة فقالوا سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين قال : ثم يلقاهم أو تلقاهم ولدان يطيفون بهم كما يطيف ولدان أهل الدنيا بالحميم يقدم من غيبته فيقولون أبشر بما أعد الله لك من الكرامة قال : ينطلق غلام من أولئك الولدان إلى بعض أزواجه من الحور العين فيقولون قد جاء فلان باسمه الذي يدعى به في الدنيا فتقول : أنت رأيته فيقول : أنا رأيته وهو ذا بأثري فيستخف إحداهن الفرح حتى تقوم على أسقفة بابها فإذا انتهى إلى منزله نظر إلى أي شيء أساس بنيانه فإذا جندل لؤلؤ فوقه صرح أخضر وأصفر وأحمر ومن كل لون ثم رفع رأسه فنظر إلى سقفه فإذا مثل البرق لولا أن الله قدره له لألم أن يذهب ببصره ثم طأطأ رأسه فنظر إلى أزواجه وأكواب موضوعة ونمارق مصفوفة وزرابي مبثوثة ( فنظروا ) إلى تلك النعمة ثم اتكؤوا وقالوا : ( الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ) الآية
ثم ينادي مناد تحيون فلا تموتون أبد وتقيمون فلا تظعنون أبدا وتصحون (أراه قال ) فلا تمرضون أبدا )
وبينما هم في هذا النعيم وهذا السلام تذكروا شيئا قد وعدوا به في الدنيا .. إنه نهر الكوثر الذي بشرهم به حبيبهم المصطفى فما كان إلا أن رأوه أكثر روعة وجمالا مما خيل لهم وتعلقت أبصارهم به في غبطة وسرور وقد ذكر لنا بعضا من وصفه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (( الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب ومجراه على الدر والياقوت تربته أطيب من المسك وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج ))
هذه هي الدار التي وعد بها المتقون وبعد أن أخذ كل فائز مكانه وصاروا ينعمون بما فضل به ربهم عليهم بقي رجل لم يدخل الجنة بعد وهو أدنى أهل الجنة منزلة وإذا استفسرنا عن
تأخره فيجيبنا عن ذلك النبي عليه الصلاة السلام عن أخيه موسى عندما سأل ربه عن أدنى منازل أهل الجنة منزلة ةححفقال عز وجل (( رجل يجيء بعد ما دخل أهل الجنة الجنة فيقال له ادخل الجنة فيقول : يارب كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم فيقال له : أترضى أن يكون لك مثل ملك من ملوك الدنيا فيقول : رضيت رب فيقول له : لك ذلك ومثله ومثله ومثله فقال في الخامسة رضيت فيقول : هذا لك وعشرة أمثاله ولك ما اشتهت نفسك ولذت عينك فيقول : رضيت رب ))
فإذا كان هذا حال أدناهم فأي نعيم غارق فيه أعلاهم ؟؟ وقد سأل موسى ربه نفس السؤال الذي يتبادر إلى ذهني الآن قال له : رب فأعلاهم منزلة قال : أولئك الذين أردت غرست كرامتهم بيدي وختمت عليها فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر ))
حقا ذلك هو الفوز العظيم جمعنا الله وإياكم في تلك الدار الباقية وأسكننا الفردوس الأعلى منها والحمد لله رب العالمين .