في انتظار الفرج

دعاء المضطر كيف ندعوه

زهير سالم*

[email protected]

في شهر رمضان، شهر الصيام والقيام والذكر والقرآن يتخلل قولُه تعالى  (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي ) آياتِ الصيام ، فيفرد جناحيه الأخضرين على المقام، مقام الرغبة والرهبة، فيعلمنا أن من معاني الاستجابة  لقوله (فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي) حسنَ الدعاء والتضرعِ والإلحاح، وأن نكون مع [ألظُّوا بيا ذا الجلال والإكرام] نناديه أو نناجيه (تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ).

 ومن جميل الدعاء في رمضان أن نرتقي من الفردي إلى الجماعي، فنتذكر، بعد أن نستغفر ونسترحم ونسترزق ونسأله العافية في ديننا ودنيانا ودوامها والشكر عليها، نتذكر أمةً مهيضة الجناح بين بعيد تسلط عليها ، و وقريب تملك أمرها يتجهمها فلا يرقب في مؤمنها، ولا يفي لذي عهدها عهده، ، نتذكر عقيدة الإسلام وثقافة الإسلام وأرض الإسلام وأبناء الإسلام وبناته، نتذكر عقولهم وقلوبهم وما يشغل أسماعهم وأبصارهم وأوقاتهم ؛ فننادي بحرقة الملهوف في جوف الليل: اللهم فرج كرب المسلمين..

 جميل أن ننتقل من الفردي إلى الجماعي فنذكر إخوانا لنا في الدين على كل شبر من أرض الإسلام سُلبت إرادتهم وفُتنوا في دينهم وعنه؛ فاسترخصوا في سبيل الدفاع عنه مهجهم وأرواحهم وأبناءهم ونساءهم نذكرهم في كل سحر، ونجعل حاجاتهم جوابا لمنادٍ ينادي: ألا هل من سائل فأعطيه ألا هل من مسترحم فارحمه... نتذكرهم في تركستان وفي الشيشان وفي أفغانستان وفي باكستان وفي العراق وعلى أرض الشام وفي فلسطين، وفي مواقع السجود في الأقصى الأسير. جميل أن نستحضر  في هذه الساعات المباركات حال صلاح الدين يوم حَبَس أسرُ الأقصى البسمة عن شفتيه عددَ سنين؛ فندعو الله في الثلث الأخير من  الليل : اللهم اعقد لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر..

 جميل في ساعة نجد فيها حلاوة الدعاء أن ندعو دعاء المضطر، وإن لم يكن بنا، كما يظن بعضنا، اضطرار. نذكر أهل البلاء ونحن في العافية وندعو، نذكر الخائفين ونحن في الأمن وندعو، نذكر الجائعين ونحن على موائدنا العامرة وندعو، نذكر المشردين ونحن في أوطاننا آمنون وندعو؛ نذكر كل هذا ونذكر معه قول العلي الأعلى (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ) وندعو...

 ولن ندعو دعاء المضطر إن لم نستحضر الاضطرار، إن لم نكن مع أيوب في ضره وهو ينادي (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)، فندعو: ربنا مسنا وأهلَنا الضر،ربنا مسنا وقومَنا الضر، ربنا مسنا وأوطانَنا الضر،ربنا مسنا وإسلامَنا الضر وأنت أرحم الراحمين..

 لن تدعي- أختاه- دعاء المضطر إن لم تستحضري حال البتول ابنة عمران في محنة بشراها: (قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا . قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا . قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا ؟!!)  محنتها وقد أجاءها المخاض إلى جذع النخلة فنادت (يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا) قايسي الحال قاربيه تفهمي مغزاه ومعناه ثم ادعي وأنت متلبسة بما فيه من رهبة وخوف واضطرار وانكسار ..

 ولن ندعو دعاء المضطر إن لم نكن مع يونس في ظلمات بطن الحوت ننادي (أَن لّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) فنتفكر في هذه الليالي المنيرة المضيئة ظلمات أنفسنا وظلمنا لها وللناس من حولنا بآثام القلوب وخطايا الجوارح. وظلمنا لكل ما يجب علينا نُصرته بالقعود عن النُصرة والإثقال إلى الأرض، والانحياز إلى رخي العيش، آمنه وأرغده وأهونه وأوهنه..

 جميل أن ندعو وأن ينشئ الدعاء في نفوسنا عزيمة ناهضة، ورغبة صادقة، في الانتقال من حال إلى حال، وعلو همة تستنفرنا [ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا] إلى ساحة (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)، أن يكون كل واحد فينا في زمان غربة الإسلام،  للإسلام صاحب الثغرة وجندي اللحظة [كلما سمع هيعة طار إليها].

 أن ندعو ونحن موقنون بالإجابة، أن نستسقي ثم نرفع رؤوسنا إلى السماء أو نتحسسها هل نزل المطر!! وأن نعلم أن انتظار الفرج عبادة وأن توقع الفرج أفضل العبادة،  وأن اليأس من روح الله هو الكفر (إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ).

 قال صلى الله عليه وسلم: (انتظار الفرج عبادة)، رواه الترمذي وابن أبي الدنيا عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه..

 وقال صلى الله عليه وسلم: (سلوا الله من فضله فإن الله يحب أن يُسأل من فضله، وأفضل العبادة انتظار الفرج ) رواه الترمذي وأبو داود  والنسائي  والبيهقي وابن أبي الدنيا والعسكري والديلمي عن سيدنا عبد الله بن مسعود مرفوعا..

 وقال صلى الله عليه وسلم:  ( الحياء زينة، والتقى كرم، وخير المراكب الصبر، وانتظار الفرج من الله عبادة ) يرويه الحكيم الترمذي صاحب النوادر وهو غير صاحب السنن..

 فإن لم نعش الضيق والكرب والاضطرار كيف ننتظر الفرج؟! وإن لم تتفطر القلوب ألما لما يحل بأمة المسلمين فكيف نستصحب حال المضطرين، وحال المنتظرين، فننال أجر العابدين؟!

 إن لم نعش الضيق والاضطرار مع كل أسير في يد آسره؟! ومع كل سجين في ظلمة زنزانته؟!: قال: [ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي] ، وإن لم نعش الضيق والاضطرار مع كل مشرد غريب في خيمته أو كوخه أو قصره؟! ففي عالم الاغتراب تستوي الخيمة والكوخ والقصر!! فكيف ننتظر؟ ولِمَ ننتظر؟ وماذا ننتظر ونحتسب؟! عبادة هي بل هي أفضل العبادة أن تصبح ثم تمسي وأنت تنشد:

 لبست ثوب الرّجا والناس قد رقدوا    وقمت أشكو إلى مولاي ما أجـدُ

وقلت يا سـيدي  يا منتهـى أملي    يا من عليه بكشف الضّـرّ أعتمدُ

أشـكو إليك أمـوراً أنت تعلمهـا    مالي على حمـلها  صبرٌ ولا جلَدُ

وقـد مددتُ يـدي بالضّرّ مشتكيا    إلــيك يا خير من مُدّت إليـه يدُ

 أو أن تتذكر مع الإمام الشافعي أن الفرج قريب قريب قريب

 ألا رب نازلة يضيق لها الفتى       ذرعا وعند الله منها المخرج

ضاقت فلما استحكمت حلقاتها       فرجت وكنت أظنها لا تفرج

 أو لعلك تردد مع هدبة ابن خشرم الممتحن بالسجن والقتل:

 عسى الكرب الذي أمسيت فيه      يكون وراءه فـرج قريب

فيأمـن خائـف ويُفـك عان      ويأتي أهله  النائي الغريب

فيـا ليت الريـاح مسخرات      بحاجتنـا تبـادر أو تؤوب

فتخبرنـا الشـمال إذا أتينـا      وتخبر أهلنـا عنا الجنوب

فإن يك صـدر هذا اليوم ولى     فـإن غـدا  لناظره قريب

 أو لعلك تردد مع ابن النحوي التونسي نشيد الشدة قد أودت بالمهج:

 الشدة أودت بالمهج    فيا رب عجل بالفرج

               

(*) مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية