أحييتني أحياك الله
عدنان عون
في موقف من مواقف الحق ذكر صاحب "العقد " أن عمربن حبيب القاضي قال :حضرت مجلس الرشيد يوماً فجرت مسألة تنازعها الخصوم وعلت الأصوات ، فاحتج بعضهم بحديث يرويه " أبو هريرة " فدفع بعضهم الحديث واتهموا أبا هريرة بالكذب ووضع الحديث . ورأيت الرشيد ينحو نحوهم وينصر قولهم فقلت : الحديث صحيح عن رسول الله "صلى الله عليه وسلم " وأبو هريرة يرويه . فنظرإليّ الرشيد مغضباً ثم انصرفت إلى داري فلم ألبث أن جاءني رسول الخليفة فقال : أجب أمير المؤمنين إجابة مقتول فتحنط وتكفن فدعوت الله وقلت :اللهم إنك تعلم أني دفعت عن صاحب نبيك وأجللت نبيك أن يطعن على أصحابه فسلمني منه .
أدخلت على الرشيد فإذا هو جالس على كرسي حاسر عن ذراعيه بيده السيف فلما راّني قال : يا عمربن حبيب ! ما تلقاني أحد من الرد لقولي بمثل ما تلقيتني به وتجرأت عليّ. فقلت: أمير المؤمنين إن الذي قالوه ووافقت عليه وجادلت عنه ازدراء على رسول الله "صلى الله عليه وسلم "وعلى ما جاء به ؛ لأنه إذا كان أصحابه ورواة حديثه كذابين فالشريعة باطلة ، والفرائض والأحكام في الصلاة والصيام والنكاح والطلاق والحدود مردودة وغير مقبولة . فالله الله ـ يا أمير المؤمنين ـ أن تظن ذلك أوتصغي إليه وأنت أولى أن تغار على رسول الله من الناس كلهم . فلما سمع كلامي رجع إلى نفسه ، ثم قال : أحييتني يا عمر بن حبيب أحياك الله "ثلاثا"..
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة و سمة مميزة من سمات هذه الأمة الربانية .. وكلمة الحق ـ يجهربها في مواطن الخوف والرهبة ـ صورة من صور الجهاد المبارك .. لا يقدرعليها إلا الذين اشربوا الإيمان في قلوبهم فلم يخافوا في الله لومة لائم . والقاضي ابن حبيب كان واحداً من هؤلاء الذين زينوا التاريخ الإسلامي بمواقفهم الخالدة التي ترجموا فيها الإسلام قولاً وعملاً وسلوكاً . فرضي الله عنهم في الخالدين .