خواطر مكية
قصة الحياة
د. عبد السميع أنيس
في سورتي السجدة واﻹنسان!
صليت الفجر في رحاب البيت العتيق، يوم الجمعة 14/ جمادى الآخرة من عام 1346.
كان الجو جميلاً، وكان الهواء عليلا.
وقد قرأ إمام الحرم سورة السجدة في الركعة اﻷولى. وسورة اﻹنسان في الركعة الثانية، تطبيقاً للسنة النبوية الواردة في ذلك.
فسألت نفسي: ما الحكمة من قراءة هاتين السورتين في فجر كل جمعة؟
تأملت في ذلك، واﻹمام يقرأ، فرأيت أن السورتين تحكي قصة حياة اﻹنسان. من بداية خلقه، مروراً بحياته في الدنيا واختياراته فيها، ثم مصيره في اﻵخرة.
وحول هذه المحاور الثلاثة تتحدث السورتان!
وكأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يحكي قصة حياة اﻹنسان في فجر كل يوم جمعة؛ ليكون على ذكر منها في كل أيام اﻷسبوع! وبعض البيان في اﻵتي:
1- المحور اﻷول: بداية خلقه:
قال تعالى في سورة السجدة: الذي أحسن كل شيء خلقه، وبدأ خلق اﻹنسان من طين
ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين
ثم سواه ونفخ فيه من روحه إلى أن قال:
وجعل لكم السمع واﻷبصار واﻷفئدة لعلكم تشكرون.
وفي سورة اﻹنسان قال تعالى: إنا خلقنا اﻹنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا.
2- المحور الثاني: حياته واختياراته:
وفي سورة السجدة، هناك اﻹنسان المؤمن. الصالح. الشاكر. الساجد- وفيها سجدة تحقيقا لذلك، وتحققا فيه- والقائم في الليل، المنفق في النهار.
وهناك اﻹنسان الكافر. المجرم. الظالم. الفاسق.
وفي سورة اﻹنسان: هناك اﻹنسان الشاكر. البار. العابد. الخائف. المطعم لوجه الله تعالى. وعلى حبه من غير جزاء على فعل. ولا طلب لشكر!
وهناك اﻹنسان الكافر. الظالم.
3- المحور الثالث: مصيره:
ويلاحظ أن الحديث عن مصير المؤمن في سورة السجدة كان موجزاً، قال تعالى:
فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين..".
بينما جاء في سورة اﻹنسان مفصلاً بصورة واضحة، وهناك تفصيلات دقيقة عن النعيم في الجنة لا حرمنا الله سبحانه منها!
كما يلاحظ أن الحديث عن مصير الكافر في سورة السجدة كان مطولاً بينما كان موجزاً في سورة اﻹنسان!
ولعل الحكمة من ذلك: أن اﻹنذار في الركعة اﻷولى كان مطولاً، بينما جاءت البشارة في الركعة الثانية مطولة؛ رحمة بهذا المؤمن الساجد؛ ليسكن بذلك قلبه، وتطمئن نفسه!
وكأن الحق سبحانه يخاطب اﻹنسان:
يا أيها الساجد بين يدي، ارفع رأسك، واستمع إلى ما أخفيت لك من نعيم:
"فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين. ."
ثم جاء التفصيل والبيان في سورة اﻹنسان التي اختار النبي صلى الله عليه وسلم قراءتها في الركعة الثانية ليبين جانباً من إكرام الحق تعالى لهذا اﻹنسان الساجد.
فصلى الله عليك يا رسول الله ما أشد عطفك وحنانك ورحمتك بالمؤمنين!