عودة لأطهر البقاع

 عودة لأطهر البقاع

محمود القلعاوي

إمام وخطيب بوزارة الأوقاف

[email protected]

عودة للصلاة بالمساجد من جديد .. عودة لأطهر البقاع في الأرض .. عودة لمجالس الذكر .. عودة لمحراب العبادة .. عودة لمنارات تعليم العلم وكيف نعبد الجليل .. عودة لرياض الجنة ومجالس العلم في المساجد ..عودة لمواعيد الالتقاء على المسجد وفى المسجد .. عودة لزيجات بداياتها بيوت الجليل .. عودة لأحب البلاد إلى الله .. عودة للحب في الله في ظلال بيوت الجليل .. عودة لصحبة الأب أولاده للصلاة في المسجد والعودة بهم .. عودة لعلاقات في الله وحب في الله ، التقاء عليه وافتراق عليه .. عودة للمساجد لتكون نقطة محورية تدور حياتنا حولها .. عودة لقلوب تعلقت بالمساجد لا تتركه إلا عازمة العودة إليه بأسرع ما يكون .. عودة لجلسات بعد الصلاة بين أهل المسجد يتفقدون غائبهم ويعودون مريضهم .. عودة لشباب  يملأ وقته بالمسجد وفى المسجد وإلى المسجد وعودة من المسجد ..عودة الراحة النفسية والطمأنينة القلبية .. عودة للمساجد

صيدليات ربانية

يقول الدكتور عائض القرني :- لم تعرف صيدليات العالم ، ولا عيادات التاريخ الإنساني أعظم من صيدلية محمد صلي الله عليه وسلم وعيادته المباركة التي كتب عليها :- ( وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِين ِ) سورة الشعراء: 80 .. وما ذلك إلا لأن دواءها وعلاجها يصل مباشرة إلي القلوب فيشفيها بإذن الله .. وكثيراً ما كان المرضي يأتون إلى مسجده صلي الله عليه وسلم الذي كان مكاناً لعلاج المرضى ، وبخاصة في أيام الحروب والمعارك ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت :- (  أصيب سعد بن معاذ يوم الخندق في الأكحل ـ وهو عرق في وسط الذراع ـ فضرب النبي صلي الله عليه وسلم له خيمة في المسجد ليعوده من قريب ) .

 وهذا يعني أن الجريح أو المريض له أن يعالج في المسجد لمصلحة ، وليكون قريباً للإمام وأعيان الناس فيتمكنون من عيادته إذا اقتضى الحال ذلك ، ثم لأن المسجد مكان عباده ، وبقعة طاهرة تحف بها الملائكة ، وتغشاها السكينة ، فيكون المريض بذلك قريباً من دعوات إخوانه المؤمنين ، فلعل ذلك يكون سبباً في شفائه وبرئه وسرعة استعادته لعافيته ، وهذا سبب خفي قل من ينتبه له أو يتذكره ، ومن هنا نري أن المسجد مكان طبيعي لعلاج مرضي القلوب إضافة إلى أنه من أحسن البقاع وأضلها في علاج الأبدان بإذن الله سبحانه.

مجتمع الأطهار

فإذا ما حضر المسلمون صلاة الجماعة ، وعظم الإيمان في قلوبهم .. وصاروا يحيون به .. أخذت الصلاة في أن تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر .. وبغض إليه الكفر والفسوق والعصيان .. فمن صفات المؤمنين إقامة الصلاة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قال تعالى :- ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ) سورة التوبة : 71 .. ومن صفات المؤمنين المصلين أنهم لا يحبون أن تشيع الفاحشة ويعم المنكر ، قال تعالى :- ( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) سورة النور : 19.

والصلاة تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر ، وذلك لما فيها من تلاوة القران المشتملة على الموعظة ، والصلاة تشغل كل بدن المصلي ، فإذا دخل المصلي في محرابه وخشع وأخبت لربه ، وذكر أنه واقف بين يديه ، وأنه مطلع عليه ويراه ، صلحت لذلك نفسه وتذللت ، وخامرها ارتقاب الله تعالى وظهرت على جوارحه هيبتها ، ولم يكد يفتر عن ذلك ، حتى تظلله صلاة أخرى يرجع بها إلى أفضل حالة .

تجارة من نوع جديد

تجار الآخرة هم عمار المساجد ، وتجار الدنيا هم عمار الأسواق ، والمساجد في الإسلام أسواق للآخرة ، بل هي أسواق الجنة وميادين التجارة الرابحة مع الله سبحانه، لأنها أسواق الأرواح المؤمنة والقلوب المطمئنة.

أما الأسواق الدنيا فهي أسواق الأبدان .. أما أسواق المساجد فهي أسواق الأرواح ، عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال :- ( إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك .. وإذا رأيتم من ينشد ضالة فقولوا : لا ردها الله عليك ) رواه النسائي والترمذى .

والمعني أنه ليس لإنسان أن ينصب سوقاً فوق رؤوس المصلين في المسجد ، ولا أن يعرض تجارته وسلعة عليهم في هذا المكان ، لأنهم فيه مشغولين بتجارة الآخرة وأرباح الجنة ، ولأن في ذلك تعطيلاً لهذه الأوقات الثمينة ، وصرفاً للقلوب عن بارئها ، وإشغالها بالدنيا وزخرفها الزائل الزائف.

جامعة ربانية ..

نعم المسجد جامعة ربانية .. فكم خرج لنا خلفاء وأمراء ، وقادة وزعماء ، ومحدثين وفقهاء ، ومفسرين ، ورجال قضاء وأساتذة لغة ، ونبلاء وأبطال وشهداء ومفكرين وعلماء ، وغيرهم ممن سمع لهم التاريخ ، وشهد لهم الزمن ، بأنهم أصحاب التأثير العظيم في مسار عجلة الزمن ، وفي ثقافة الأمم وحضارة الشعوب ، والتاريخ خير شاهد بأن أذن الدهر ما سمعت بجامعة حولت أمة كانت لاهية لاغية عابثة الى أمة راشدة قائدة ، رائدة ماجدة ، تنطق بكتاب ربها سبحانه ، وتحكم بالعدل ، وتأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر .. كل هذه الإنجازات العظام انطلقت من مسجده عليه الصلاة والسلام.

صحبة الأطفال

وما أجمل أن يصحب الأب ولده في يده وهو ذاهب للمسجد يحوطهم برعاية .. يعلق قلوبهم برحاب الله .. يتعلمون كتاب الله وسنة حبيبه صلي الله عليه وسلم .. يشبون في رياض الله .. يحضرون حلقات العلم .. نترك أولادنا لشريك حصين يربى أولادنا معنا .. يتعلمون النظام عبر الصفوف .. يغرس الإيمان في قلوبهم ..  يطبع الإيمان والأخلاق فى قلبه بمشاهدة من حوله من رواد المسجد الصالحين .. وهذه مدرسة الحبيب صلي الله عليه وسلم نتعلم منها ..

ما رواه أحمد وغيره عن أبي بكرة رضي الله عنه قال :- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس ، وكان الحسن بن علي رضي الله عنهما يثب على ظهره إذا سجد ، ففعل ذلك غير مرة .. الحديث ..

وروى الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال :- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا إذ جاء الحسن والحسين عليهما السلام ، عليهما قميصان أحمران ، يمشيان ويعثران ، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر ، فحملهما ووضعهما بين يديه ، ثم قال :- صدق الله  "إنما أموالكم وأولادكم فتنة " ... الحديث.

وروى البيهقي من حديث شداد بن الهاد في حديث طويل أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد ، فجاء الحسن وصعد على ظهره ، فأطال رسول الله صلى الله عليه وسلم السجود حتى نزل الحسن ، ثم قال: إن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته .

إذن ..

لتكن صلاتنا في المساجد في الصفوف الأولى ..

ليكن لنا وقت نعتكف فيه بالمسجد ننقطع للعبادة وفقط ..

ليكن عقد زواجنا ومن نحب بالمسجد ..

لنصحب أولادنا للصلاة بالمسجد ..

لنحضر مجالس العلم بالمسجد ..

لنعلق قلوبنا بالمسجد ..