فضل الجهاد في سبيل الله

رضوان سلمان حمدان

رضوان سلمان حمدان

[email protected]

إن الجهاد في سبيل الله من أفضل القربات، ومن أعظم الطاعات، بل هو أفضل ما تقرّب به المتقربون وتنافس فيه المتنافسون بعد الفرائض، وما ذاك إلا لما يترتب عليه من نصر المؤمنين وإعلاء كلمة الدين، وقمع الكافرين والمنافقين وتسهيل انتشار الدعوة الإسلامية، وإخراج العباد من الظلمات إلى النور ونشر محاسن الإسلام وأحكامه العادلة بين الخلق أجمعين وغير ذلك من المصالح الكثيرة والعواقب الحميدة للمسلمين، وقد ورد في فضله وفضل المجاهدين من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ما يحفز الهمم العالية، ويحرك كوامن النفوس إلى المشاركة في هذا السبيل، والصدق في جهاد أعداء رب العالمين وهو فرض كفاية على المسلمين إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، وقد يكون في بعض الأحيان من الفرائض العينية التي لا يجوز للمسلم التخلف عنها إلا بعذر شرعي كما لو استنفره الإمام أو حصر بلده العدو أو كان حاضرًا بين الصفين، قال تعالى: { انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ, لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ, عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ, لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ, إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ }.

وقد أثنى الله تعالى على الصابرين في البأساء والضراء وحين البأس، ووصف المجاهدين فقال تعالى: { إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص } وندب إلى جهاد الأعداء ووعد عليه أفضل الجزاء. وامتدح النبي صلى الله عليه وسلم حسن المكيدة والرأي في الحرب. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(الحرب خدعة).

وقد اعتبر أبو بكر وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذي يجتهد ويطلب الموت يحفظه الله تعالى فقد كتب إلى خالد بن الوليد قائلاً: "اعلم أن عليك عيوناً من الله ترعاك وتراك، فإذا لقيت العدو فاحرص على الموت توهب لك السلامة، ولا تغسل الشهداء من دمائهم، فإن دم الشهيد يكون له نوراً يوم القيامة". وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انتهينا إلى خيبر: (الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين)  ومجرد شهود المعركة أو الذهاب إليها بنية الجهاد في سبيل الله أفضل من الدنيا وما فيها، فعن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها )

وبمجرد استشهاد المسلم فإن روحه تنتقل إلى الجنة، فعن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل ).

وأما المرابط وهو الذي يبقى في مكانه حارسا لموقعه وينتظر لقاء عدوه فلا يزال أجره مكتوبا إلى يوم القيامة ولا يجد فزعا في قبره، فعن فضالة بنت عبيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( كل ميت يختم على عمله إلا المرابط فإنه ينمى له عمله إلى يوم القيامة، ويؤمن من فتنة القبر ).

وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله، أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها )، وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم ) رواه أحمد والنسائي وصححه الحاكم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض )، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من مات ولم يغزو ولم يحدث نفسه به مات على شعبة من نفاق )، والأحاديث في فضل الجهاد والمجاهدين وبيان ما أعد الله للمجاهدين الصادقين من المنازل العالية، والثواب الجزيل، وفي الترهيب من ترك الجهاد والإعراض عنه كثيرة جدًا، وفي الحديث الأخير، وما جاء في معناه الدلالة على أن الإعراض عن الجهاد وعدم تحديث النفس به من شعب النفاق، وأن التشاغل عنه بالتجارة والزراعة والمعاملات الربوية من أسباب ذل المسلمين وتسليط الأعداء عليهم كما هو الواقع، وأن ذلك الذل لا ينزع عنهم حتى يرجعوا إلى دينهم بالاستقامة على أمر الله والجهاد في سبيله، فنسأل الله أن يمنّ على المسلمين جميعًا بالرجوع إلى دينه وأن يصلح قادتهم ويصلح لهم البطانة ويجمع كلمتهم على الحق ويوفقهم جميعا للفقه في الدين والجهاد في سبيل رب العالمين حتى يعزهم ويرفع عنهم الذل، ويكتب لهم النصر على أعدائه وأعدائهم أنه ولي ذلك والقادر عليه.