لو كانت تساوي جناح بعوضة

لو كانت تساوي جناح بعوضة

إيمان شراب

[email protected]

عندما كنت مراهقة صغيرة ، سمعت لأول مرة الحديث الشريف القائل :( لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى فيها كافرا شربة ماء ) !

وكانت المحاضِرة تحاول جاهدة أن تجعلنا نعيش هذا التشبيه والإحساس به !

أعتقد أنني يومها فهمت معناه الظاهر ، ولكنني لم أعش الإحساس به !

فهل كان السبب عدم نجاح المحاضِرة في ذلك ؟ أو صغر سني ؟ قلة خبرتي وتجاربي ؟عدم وجود مشاكل وابتلاءات حقيقية ؟

قد يكون جميع ما سبق .

ولكنني وأخيرا ... وبعد سنوات طويلة – لن أذكر عددها طبعا – تمكنت بفضل الله أن أعيش الإحساس .

كم وكم من صاحب عمل لايعطي الأجير أجره قبل أن يجف عرقه ؟ بل يجف عرقه ويعرق ويجف أياما وشهورا ، ثم يجف حلقه ، وتجف حتى كلماته !

وأخيرا وليست الأخيرة ، يستلم دفعة من المجموع !

الطبيعي ، أن يسعد المرء بالمال قل أوكثر، ولكن المسكين يأخذه باليمنى ويمسح دموعه باليسرى !

لا تحزن عزيزي ، لك الله ، أما هم  فقد أنساهم ظلمهم أنها لا تساوي عند الله جناح بعوضة!

أسمع صغارا وأطفالا كلما سئلوا عن فعل لم فعلتموه ، قالوا نحن أحرار! نعم الحرية هبة من الله يحبها حتى الأطفال ، الحرية كلمة جميلة تعطي معنى الاتساع والفضاء والتحليق والهواء والسعادة والعزة والقوة والإبداع ... هكذا أرادنا الله - جل وعلا – أحرارا بالعبودية له . إحساس رائع أن نكون عبيدا لله فقط وفقط !

فكيف يعيش حرا من كان عبدا لكفيل لا يتحرك إلا بإذنه ، ولا يركب خط هاتف في بيته الذي يملكه إلا بإذن من كفيله ، ولا يفتح إضبارة في مشفى إلا بإذنه و........وتاجر الكفيل ببضاعة لها عقل ولحم ودم !

إنها لا تساوي جناح بعوضة ، فلماذا لا يعيش الناس أحرارا ؟

آلمني بشدة ذلك الشاب  الرجل القوي ، الذي أشاح بوجهه عن المذيعة ليمسح دموعه المختلطة بكلماته : لقد عاش أبي غريبا ومات غريبا في العراق يحن إلى فلسطين ! أنا لا أريد أن أموت هنا في تشيلي ، أريد أن يضمني تراب فلسطين وليس غيره !

امسح دموعك عزيزي .. قد تتحقق أمنيتك وتعود لبلدك ، فالله كريم عظيم والدنيا عنده لا تساوي جناح بعوضة !

وكم بهرتني أم جبر .. أم الأسرى .. هذه الأم الفلسطينية التي لها من العمر سبعة وسبعون عاما ، ولا زالت تزور الأسرى ، وتتضامن من أجلهم ....

امرأة تقود أهدافَها ، ولا تقودها أهدافُها !

يا أم جبر ! إنك لا شك تعرفين أن الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة ، فاشتغلت من أجل الآخرة .

بقي أن أقول لنفسي ، لا تنسي يا نفسي في كل الدقائق والثواني ، أن الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة ، فاستحقريها واسعدي .