غزة العزة

غزة العزة

المجزرة مستمرة، والمؤامرة متواصلة

سلمان محمود العوضي الحريري

السلام عليكم

نظرة تاريخية:

منذ أن قدم النبي محمد صلى الله عليه وسلم مهاجرا من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، كتب وثيقة تنظم العلاقة الإنسانية بين مكونات المجتمع في يثرب، ومن بين المعنيين اليهود(بني قينقاع، وبني النظير، وبني قريظة، وغيرهم).

ولا يخفى موقف يهود من نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، الذي ترويه وتلخصه أم المؤمنين وزوج النبي محمد صلى الله عليه وسلم، السيدة صفية رضي الله عنها   ( بنت حيي بن أخطب، أحد أكبر زعماء يهود خيبر وأحبارهم )،حين قالت، أن أباها وعمها ذهبوا لمقابلة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رأوه، عرفوه بالصفة التي عندهم في كتبهم، وعلما أنه النبي المنتظر، فما كان موقف حيي إلا أن قال: إنه هو النبي الذي ننتظره، فقيل له فما أنت فاعل؟ فقال: عداوته أبد الدهر!!.

وما أن وطئت قدما النبي محمد صلى الله عليه وسلم المدينة المنورة، حتى بدأت مؤامرات يهود لاغتياله، والنيل من المسلمين، حتى كانت ذروتها يوم الأحزاب يوم غزوة الخندق. وتستمر المؤامرة (يهودية فارسية) فكانت فتنة قتل واغتيال أمير المؤمنين الفاروق عمر رضي الله عنه. ثم قاد عبد الله بن سبأ اليهودي مؤامرة انتهت بمقتل أمير المؤمنين وثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان رضي الله عنه. ولا أريد الإطالة هنا، فالتاريخ سجل ذلك كله.

وجرائم الطائفيين والباطنيين والأقليات الدينية والعرقية ومؤامراتهم ووقوفهم لجانب أعداء هذه الأمة كثيرة معروفة مشهورة، سطرتها كتب التاريخ، وفضحتها، وهاهي تتكرر اليوم ولكن بصورة أكثر دناءة وخسة.

ففي بداية القرن المنصرم، جاء زعماء يهود الصهاينة إلى السلطان عبد الحميد العثماني رحمه الله تعالى، يطلبون منه إعطاءهم موطئ قدم في فلسطين، فرفض جميع مطالبهم، فلجؤوا إلى الترغيب والترهيب، فما أفلحوا. فتآمروا عليه، وانقضوا على الخلافة من داخلها، واستلموا سدة الحكم فيها بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، وهو يهودي من يهود الدونمة، الذين آوتهم الخلافة الإسلامية بعد أن بطشت بهم أوربا كلها، ولفظتهم بعيدا عنها بسبب شرورهم ومؤامراتهم التي لا تنفك عنهم ولا ينفكون عنها. ثم كانت سلسلة مؤامرات نعرض لها بعجالة حسب ما يسمح المقام:

أولا ـ التنسيق مع القوى العظمى (بريطانيا وفرنسا) للقضاء على الخلافة الإسلامية  العثمانية.

ثانيا ـ التنسيق مع الزعامات في البلاد الإسلامية عامة والعربية خاصة، حيث تم إطلاق الرصاصة الأولى على قلب الخلافة الإسلامية من قلب الحجاز.

ثالثا ـ تسليم البلاد التي كانت منضوية تحت الخلافة الإسلامية الواحدة، لقوى الاحتلال المختلفة، وتمزيقها وتفريقها، تحت مبدأ: فرّق تسد. وما زالوا يمارسون هذا الدور بتفريق المفرق، وتقسيم المقسم، وتجزيئ المجزء.

رابعا ـ إشغال العالم كله بحربين كونيتين، دفع فيهما العالم خلال ثلاثة عقود من الضحايا مالم تدفع عشره البشرية كلها منذ بدء الخليقة.

خامسا ـ تسليم فلسطين لليهود، وعلى مراحل، ودعم العصابات اليهودية بكل أنواع الدعم، ومعاونتهم على تقتيل وتشريد الشعب الفلسطيني من دياره. بتواطئ مفضوح من كل قوى العدوان والاحتلال، وعلى رأسها بريطانيا يوم ذاك.

سادسا ـ تسليم البلاد التي انسحبت منها قوات المحتلين( فيما عرف بالاستقلال ) لحكومات بعيدة عن نبض الشارع وتوجهات الجماهير، والعمل على سلخ الأمة عن دينها وعزتها وكرامتها وتاريخها المجيد.

سابعا ـ نقل اليهود الصهاينة الولاء إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن برزت كأكبر قوة في العالم، مع الإبقاء على الولاء لما يعرف بالقوى العظمى في العالم كله. حيث تمكن الصهاينة واليهود من السيطرة على صناع وصناعة القرار في كل هذه البلاد.

وقد تم تتويج ذلك بالآتي :

آ ـ محاولات القضاء على جميع حركات التحرر والجهاد في هذه البلاد، وكان منها: اغتيال الإمام الشهيد حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في مصر، الذين أثبتت كتائبهم شدة نكايتها باليهود المحتلين في فلسطين. اليهود المحتلين الذين تآمروا هم والكثير من قادة الجيوش العربية للغدر بالمجاهدين، وقتل أهل فلسطين، وتشريد من تبقى منهم من ديارهم.

ب ـ تعرض جميع الأحرار في بلادنا للاعتقال والملاحقة والتشريد بل والقتل على أيدي الكثير من الأنظمة التي خدعت الجماهير بأنها قلاع للصمود والتصدي ( وكانت في حقيقتها أوكار للتآمر ولتنفيذ مخططات الصهاينة والصليبيين)، ولا يخفى ما جرى ضد الفلسطينيين والمصريين والسوريين واللبنانيين، بل ولا أستثني أحدا من الدول العربية تجاه الإسلام وأهل الإسلام. فبعضها منع النساء من الحجاب، وبعضها منع رفع الأذان خارج المساجد، وبعضها منع حتى بيع المصاحف في المكتبات العامة. وكلهم يشتركون في عدم تحكيم شرع الله سبحانه وتعالى كليا أو جزئيا.

ج ـ محاولة سلخ القضية الفلسطينية من عمقها الإسلامي، ثم من عمقها العربي، ثم من عمقها الجهادي الفلسطيني، ثم حصرها في منظمة التحرير الوطني الفلسطيني ( الممثل الشرعي والوحيد للقضية الفلسطينية؟؟!!)، ثم مسخها في شخص الرئيس الفلسطيني... ونحن نرى ما يفعله اليوم هذا الرئيس لقضية فلسطين وللشعب الفلسطيني.

د ـ منع كل ما من شأنه تحقيق الوحدة بين أجزاء هذا الوطن العربي المنكوب، أو تحقيق الاستقلال الفعلي والحقيقي، أو أي مظهر من مظاهر التقدم العلمي، أو الصناعي، بل والإبقاء عيه تابعا لغيره، معتمدا على ما يقدمه له الآخرون، ليبقى مسلوب الإرادة، مصادر القرار.

إن الناظر اليوم للجريمة المحرقة التي يرتكبها النظام الصهيوني العنصري ضد غزة العزة وتجاه شعبها المجاهد المحاصر المصابر، يرى بوضوح أنها استمرار للمؤامرات التي تحاك ضد هذه الفئة الحرة الأبية التي ترفض حلول الاستسلام التي يريد فرضها الصهاينة والصليبيون وأعوانهم على المنطقة وأهلها... ولكن الله تعالى قيض لهذه القضية ولأهل فلسطين المظلومين من يقول لمشاريعهم ومآمراتهم: لا وألف كلا...وتستمر المؤامرة، حلقة بعد حلقة... وهاهي الحلقة الأخيرة والتي كانت الأشد وطأة وتنكيلا وكيدا، مع نهاية العام الهجري 1429، وبداية العام الميلادي 2009. والله سبحانه وتعالى وحده المستعان.

ولو قدر ـ ونسأل الله سبحانه العافية ـ أن ينفرط عقد المقاومة والكرامة والإرادة هذه المرة وفي هذه الجولة في غزة، فذلك دليل جديد وأكيد على ما أشرت إليه من حلقات التآمر والكيد لهذه الأمة ودينها وأرضها وتاريخها.

وإني أرى في وجوه أطفال غزة، وفي وجوه نسائها ورجالها، شبابها وشيبها، أرى أنهم صامدون، وعلى العهد صابرون، وعلى طريق العزة والكرامة مستمرون متواصلون، وإلى يوم الثأر القريب من الصهاينة وأعوانهم يتطلعون... ويقولون متى هو؟!: قل: عسى أن يكون قريبا.

والسلام عليكم.