رسالة المراقب العام
رسائل المراقب العام
الرسالة الثلاثون
في 30 من ذي القعدة 1429 الموافق 28 من تشرين الثاني 2008
تعالوا نغتنم هذه الأيام العشر..
من المراقب العام للإخوان المسلمين في سورية، إلى إخوته وأخواته أبناء الجماعة وأنصارها وأصدقائها في كلّ مكان.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأحمدُ الله إليكم، وأصلّي وأسلّمُ على حبيبنا وقُدوتنا سيدنا محمدٍ سيد المرسلين، وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن سار على دربهم واهتدى بهَدْيهم إلى يوم الدين..
أما بعدُ أيها الإخوة الأحبة والأخوات.. فإنه تُطِلّ علينا غداً أيامُ العشر من ذي الحجة، تحملُ معها أطيبَ النفحات الربانية، وتبشّرُ من يتعرّضُ لها ويغتنمُها، بالرحمة والمغفرة والعتق من النار. وإنها لأيامٌ - كما تعلمونَ - عظيمة، يتجلّى فيها الله الجليلُ الكريمُ على عباده، فيُفيضُ عليهم من فضله ورحمته، ويُقبِلُ عليهم بمغفرته ورضوانه، ويَغمرُهم بجوده وإحسانه، فطوبى لمن أقبلَ فيها على الله عزّ وجلّ بقلبٍ منيب، وعملٍ صالح. وهنيئاً لمن تعرّضَ لها، فأصابته نفحة، يسعدُ بها سعادةً لا يَشقَى بعدَها أبدا.
فقد روى الإمام البخاريّ عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من أيامٍ العملُ الصالحُ فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيام - يَعني أيامَ العشرِ من ذي الحجة - قالوا : يا رسولَ الله ولا الجهادُ في سبيل الله؟. قال: ولا الجهادُ في سبيل الله، إلاّ رجلٌ خرجَ بنفسه وماله فلم يرجعْ من ذلك بشيء.
وفي روايةٍ أخرى: ما من أيامٍ أعظمُ عند الله، ولا أحبُّ إلى الله العملُ فيهنّ، من أيام العشر، فأكثروا فيهنّ من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير.
وروى الإمام الترمذيّ وابن ماجةَ والبيهقيّ عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من أيامٍ أحبُّ إلى الله أن يُتعبّدَ له فيها، من عشر ذي الحجة، صيامُ كلّ يومٍ منها بصيام سنة، وقيامُ كلّ ليلةٍ منها بقيام ليلة القدر. فأكثِروا فيهنّ من التهليل والتكبير، وإنّ صيامَ يومٍ منها يَعدِلُ صيامَ سنة، والعمل فيهنّ يُضاعَفُ إلى سبعمائة ضعف.
أيها الإخوة الأحبة والأخوات: إنها أيامٌ جديرةٌ أن نُعطيَها حقّها من الجِدّ والاهتمام، فنُقبلَ فيها على الله عز وجل، بقلوبٍ خاشعة، وعيونٍ دامعة، وألسنةٍ تلهَجُ بالذكر، تسبيحاً وتحميداً وتهليلاً وتكبيرا.. وضراعةً إلى الله عز وجل أن يكشفَ عن هذه الأمة ما أصابها من همٍّ وغمٍّ وهوان، ويردَّ عنها كيدَ الأعداء والطغاة والظالمين، ويُلهمَها العودةَ إلى رشدها، لتعودَ خيرَ أمةٍ أخرِجَتْ للناس، وأن يفرّجَ كروبَ المضطهَدين، ويَلُمَّ شملَ المبعَدين، ويُعيدَ البسمةَ إلى وجوه المحزونين.. فمن استطاع أن يتفرّغَ لهذه الأيام فليفعلْ, فهي مواسمُ خيرٍ تهزّ مشاعرَ المؤمنين، وتستجيشُ عواطفَهم, لتأخذَ بأيديهم إلى رحاب الطاعة، ومحراب العبادة، يخرّون للأذقان يبكون، ويزيدهم خشوعا.
أيها الإخوة الأحبة والأخوات.. لِنجتهدْ في هذه الأيام والليالي ما نستطيع، ولا ننسَ اليومَ التاسعَ يومَ عرفة، فلقد روى البزّارُ وابنُ خُزيمة وأبو يَعلى وابنُ حِبّان، عن جابرٍ رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ما من يومٍ أفضلُ عند الله من يوم عرفة، يَنْزِلُ الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا، فيُباهي بأهلِ الأرض أهلَ السماء، فيقول: انظروا إلى عبادي، جاءوني شُعْثاً غُبْراً ضاحين، جاءوا من كلّ فجٍّ عميق، يرجون رحمتي ولم يرَوْا عذابي، فلم يُرَ يومٌ أكثرُ عتقاً من النار من يوم عرفة!.
وروى الإمام مسلمٌ عن السيدة عائشة أمّ المؤمنين رضيَ الله عنها، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ما من يومٍ أكثرُ من أن يُعتِقَ الله فيه عبداً من النارِ من يوم عرفة، وإنه ليدنو، ثم يباهي بهم الملائكةَ، فيقول: ما أراد هؤلاء؟.
وروى الترمذيّ عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: خيرُ الدعاءِ دعاءُ يوم عرفة، وخيرُ ما قلتُ أنا والنبيّونَ من قبلي: لا إله إلاّ اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، له الملكُ وله الحمدُ، وهو على كلّ شيءٍ قدير.
كما روى الإمام مسلمٌ والنسائيّ وأبو داودَ وابنُ ماجةَ والترمذيّ، عن أبي قَتادةَ رضي الله عنه، قال: سُئلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة، قال: يكفّرُ السنةَ الماضيةَ، والباقية، وفي رواية الترمذيّ: إني أحتسبُ على الله أن يكفّرَ السنةَ التي قبلَه، والسنةَ التي بعدَه.
أيها الأحبة.. إنّ وصيّتي في هذه الرسالة، تلتقي مع أول وصيةٍ تواصَيْنا بها في أول رسالة، قبل أكثرَ من اثني عشر عاماً، ألا وهي محاولة الارتقاء بالمستوى الروحيّ في أنفسنا وأهلينا وإخواننا، إلى مرتبة أحباب الله الذين يحبّهم ويحبّونه.. وأرجو أن تكونَ رسالتي هذه تأكيداً وتذكيراً بالوصايا الأخرى التي تضمّنتها تلك الرسالةُ والرسائلُ التي تلتها، وهي:
1- أن نسعى دائماً إلى تجديد إيماننا بالله عز وجل، وتوثيقِ صلتنا به، والإخلاصِ له، والإنابةِ إليه، وتجديدِ التوبة، والإقلاعِ عن الذنوب، وحسنِ أداء العبادات..
2 – وأن نُعمّقَ معانيَ الأخوّة والحبّ في الله، ونجسّدَها بيننا أُلفةً ومحبةً وتكافلاً وتعاوناً، ونتخلّصَ من رواسبِ الفُرْقةِ والانقسام.
3 – وأن نتذكّرَ دائماً أننا دعاةٌ إلى الله عز وجل، في أنفسنا وأهلينا ومجتمعاتنا، بأحوالنا وسلوكنا، قبل أقوالنا وألسنتنا، ليكونَ كلّ واحدٍ منا مِشعلاً يُضيءُ ما حولَه.
4 – وأن نجتهدَ في التحقّق بأركان البيعة العشرة، والنهوضِ بواجبات الأخ العامل، ونقيسَ - في ضوء ذلك - مدى ارتباطنا بهذه الجماعة المباركة، فنستكملَ النقص، ونشحذَ العزيمة، ونتابعَ الطريق.
5 – وأن يبادرَ كلّ أخٍ ليأخذَ دورَه في العمل في الجماعة بجِدٍّ وعزيمة، ويتحمّلَ نصيبَه من المسئولية عن تنفيذ خطة الجماعة وبرامجها.
6 – وأن نتعاونَ على مواجهة التحدّيات المالية، بالمزيد من السعي والبذل والتكافل، لتتمكّن الجماعة من الوفاء بالتزاماتها، وتأمينِ مُستلزمات العمل.
أيها الإخوة الأحبة والأخوات.. لا قيمةَ لهذه الوصايا إلاّ إذا تعاهدنا على الوفاء بها، والالتزام بمقتضياتها، وأن يُعينَ بعضُنا بعضاً على ذلك: والعصرِ إنّ الإنسانَ لفي خسر، إلاّ الذين آمنوا، وعملوا الصالحات، وتواصَوا بالحق، وتواصَوا بالصبر.
وإلى أن نلتقيَ ثانيةً في رسالةٍ قادمة، أستودعكم الله أيها الأحبة، وكلّ عامٍ وأنتم بخير. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. والله أكبر ولله الحمد.
لندن في 30 من ذي القعدة 1429 الموافق 28 من تشرين الثاني 2008
أخوكم: أبو أنس