هل تعود البركة إلى حياتنا ؟

1ـ البركة في حياتنا

جمال ماضي

www.gamalmady.com

[email protected]

البركة هى الزيادة والنماء ، يقول تعالى :

 { ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا , لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض } الأعراف / 96 .

من خلال معنى البركة الذي لا يتدخل فيها الإنسان ، في زيادتها أو نمائها ، تأتى حكمة هذه الآية الكريمة ، في هذه البركات الربانية من السماء والأرض ، حين تحقق المجتمعات الإيمان والتقوى ، وهذا يجيب عن سر اختفاء البركة اليوم ، ولذلك فنحن نتساءل ، كلما اشتقنا في حياتنا للبركة : أين البركة ؟

· فالبركة في المال : زيادته وكثرته ووفرته

· والبركة في البيت : سكينة وهدوءه

· والبركة في الطعام : وفرته وحسنه

· والبركة في الأولاد : كثرتهم وحسن تربيتهم

· والبركة في الأسرة : انسجامها وتفاهمها

· والبركة في الوقت : اتساعه لقضاء الحاجات

· والبركة في الصحة : تمامها وعافيتها

· والبركة في العمر : طوله وحسن العمل فيه

· والبركة في العلم : المعرفة والإحاطة

وبين ثنايا حركة هذه البركة في حياتنا بهذا التفصيل ، نرى أن البركة هى جوامع الخير وكثرة النعم ، مما يوجب علينا أن نسعى لجلب هذه البركة ، ويطلق عليه علماء اللغة ( التبرك ) ، أما العلماء فأطلقوا عليه : ( التبرك المشروع ) فقالوا : ( هو طلب البركة من الزيادة في الخير والأجر ، وكل ما يحتاجه الإنسان في دينه ودنياه ، بشرط شرعيتها وثبوت كيفيتها عن النبى صلى الله عليه وسلم ) .

وذلك حتى لا يظن من لجأ إلى الطرق الملتوية لزيادة جوانب حياته ، أن هذا من البركات ، إنما البركات في أن يتوفر فيها ، ( الأصل في الخير ) ، و ( هذا الشرط بشرعيتها ) ، و( التأس فيها بالنبى صلى الله عليه وسلم ) .

ـ فإن من الأطعمة ما يتبرك بها الإنسان :

 وهى التى رغّب فيها النبى صلى الله عليه وسلم مثل زيت الزيتون واللبن والعسل والتمر وماء زمزم .

ـ وبعض الأفعال والأقوال والهيئات تكون أيضاً طريقاً لجلب البركة مثل : ذكر الله والقرآن والجهاد والاجتماع بين الناس على طعام أو علم .

- وبعض الأمكنة تكون محلاً للبركة :

كالمساجد والمسجد الأقصى والمسجد النبوى ومكة والمدينة .

ـ وبعض الأزمنة فيها البركة مثل :

 رمضان , وليلة القدر , ويوم الجمعة ، وعشر ذي الحجة , ويومى الأثنين والخميس ، ووقت السحر .

ـ وبالتالى فحياتنا :

يمكننا أن نحولها إلى أوقات وأماكن وأطعمة وأقوال وأفعال ، تستجلب لنا البركة .

أما إذا لم يتحقق هذا الشرط ، فالتبرك ممنوع وليس مشروعاً ، كالتبرك بذات الشخص وليس بعلمه ، أو بدعاء الأموات , أو بذات المكان , كالطواف حول الأشجار والمقابر أو أى مكان .

2- البركة تكتسب أم هى هبة من الله ؟

وحياتنا بحاجة ماسة اليوم إلى البركة فهى مطلوبة .

 ولكن كيف ؟

وهل هى تكتسب أم هى هبة من الله ؟

وهل هى لأناس معـينين في الحياة ؟

أم هى عامة تتحقق لأى إنسان يسعى إليها ؟

نضرب لك مثلا ذكره الله في القرآن الكريم ، يساعدك كثيراً على إجابة هذه التساؤلات :

ذكر الله في القرآن الكريم على لسان نبى الله عيسى عليه السلام , قـوله تعـالى :

{ قـال : إنى عبد الله أتـانى الكـتاب وجعـلنى نـبياً ، وجعـلنى مـباركاً أين ما كنـت وأوصـانى بالصـلاة والزكاة ما دمت حـيا } مريم / 30 ـ 31  .

ونقف عند قوله تعالى: { وجعلنى مباركاً} , لنتأمل آثار بركة الله في نبى الله عيسى عليه السلام ، لقد أنزل الله عليه مائدة من السماء , يأكل منها قومه ، وجعل له القدرة على خلق الطير من الطين بإذن الله ، ومنحه الله القدرة أن يشفى الأكمه والأبرص بإذن الله ، ويحيى الموتى بإذن الله ، وآخر الزمان ينزل ليملأ الأرض عدلاً ، وكرمه الله برفعه إليه .

فـإذا تسـاءلنا اليوم :

 أين البركة ؟ أين الحياة الطيبة ؟ أين النفس المطمئنة ؟

يجيب القرآن الكريم علينا ، يقول تعالى :

 { من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون } النحل / 97 .

فإذا قال قائل :

نحن في عصر السرعة !

نحن في عصر العلم !

نحن في عصر التقنية !

نحن في عصر التكنولوجيا !

 انتهى عصر البركة ...!

 فهل فعلاً انتهى عصر البركة ؟

هيا معاً في هذه الجولة ، لنجيب معاً على كل هذه التساؤلات :

* قصة اشتقاق البركة

من ( البِركْة ) أى مجمع الماء ، فهى شئ واسع كثير ثابت ، ولذلك قيل :

 ( هى الخيرات الكثيرة الثابتة )

ومعنى : ( وبارك لنا فيما أعطيت ) أى أنزل البركة فيما أعطيتنا ، من كل شئ :

ـ من مال :

 فليست ( البركة في المال ) تعني وفرة المال فقط ، فكم من الناس في عداد الفقراء ومعهم المال ، لمجرد أن نزع الله منهم البركة .

ـ أو من ولد :

 فإن كثيراً من الناس , عنده أولاد ولا ينفعونه , لمجرد أن نزع الله منهم البركة .

ـ أو من علم :

 فكم ممن يمتلكون العلوم والمعارف , ولكنهم أميون , لمجرد أن نزع الله منهم البركة .

* المبارك من الناس

ـ كما يقول ابن القيم : ( هو الذي ينتفع به حيث حل ) واستدل بقوله تعالى : { واجعلنى مباركاً أينما كنت } مريم / 31.

وصور البركة رأيناها في سير النبى صلى الله عليه وسلم من : تكثير الطعام ، ونبع الماء ، واستجابة الدعاء .

ـ والمبارك من الناس ، هو من يتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهم المصلحون في مجتمعاتهم , الآمرون بالمعروف , والناهون عن المنكر ، والداعون إلى الله تعالى ، يقول تعالى :

 { وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون } هود / 117 .

فبركة الله بعدم الإهلاك مرتبطة بالإصلاح ، فأهلها : ( مصلحون ) وليس : ( صالحون ) ، ولذلك كان النبى صلى الله عليه وسلم , يسأل الصحابة رضوان الله عليهم : [ هل تُنصرون وتُرزقون إلا بضعفائكم ] .

* منشئ البركة هو الله

يقول النبى صلى الله عليه وسلم في دعائه :   

[ يا قاضى الحاجات , يا راحم العبرات , يا منجح الطلبات , يا منزل البركات ] , ولذلك فنصيب المخلوق من البركة مضمون ، لأنه من الله ، وهولابد أن يحظى بالبركات ، ولكن هذه البركة تتوقف على أمرين :

الأول :

على قدر سعيه للحصول عليها ،  وهذا السعى يحتاج إلى معرفة وإرادة وهمة وتصميم وطموح ، لهدف محدد يجتهد لتحقيقه ، فإن واجهته مصاعب يواجهها ، ولا يهتم إلا بالوصول إلى هدفه .

ونحن نتفاوت في درجات السعى ، ومستويات الاجتهاد ، فعلى قدر المستوى والدرجة تكون البركة .

الثانى :

ابتعاد أو قرب الإنسان من مواقع نزولها ، فكلما اقترب الإنسان من موانع نزولها امتنعت البركة ، وإن كانت موجودة وارتكب هو هذه الموانع والمخالفات , نزعت منه البركة , مهما كان هذا الشخص ، لأنها تتعامل مع سنة ربانية ، وليس مع قيمة الشخص .

وهذا يجعلنا نتساءل :

ـ هل يمكن إطلاق كلمة ( البركة ) على الإنسان ؟

مثلما نقول : زارتنا البركة

ـ يمكن ذلك لأن أسيد بن حضير في قصة ضياع عقد أم المؤمنين عائشة , ثم العثور عليه بعدها ، قال : ( ما هذه بأول بركتكم يا آل أبى بكر )

ـ وقد فضّل العلماء ذلك فقالوا : طلب البركة , لا يخلو من أمرين , لا ثالث لهما :

2- طلب مادى حسى معلوم : مثل العلم أو غيره , كما تقدم في قوله أسيد : ( ما هذا بأول بركتكم يا آل أبى بكر ) .

3- البركة كحل للأزمة الأقتصادية

البركة تراعى خصوصية المجتمع وعقيدته ، وتنسجم في رسمه الطريق لأى تخطيط سياسى واقتصادى ، والبركة تشترط التقوى كمعيار أساسي ، وبشكل مادى محسوس ، فإن لم يتحقق هذا الشرط كان التخبط في الأزمات الاقتصادية .

مثال للخصوصية ::

 أعلنت أمريكا أن على دول السوق الأوربية , إلغاء الدعم للسلع الغذائية على أساس إن الدعم يخل بمبدأ حرية التجارة .

ررفضت الدول الأوربية ذلك , لأن نظام الزراعة الأروبى له خصوصية اجتماعية ، في اعتماده على مزارعين صغار محتاجين لحماية الدولة .

فلماذا نحن نتخلى عن خصوصياتنا الإسلامية في المجال الإجتماعى والثقافى والإعلامى ؟

مثال للتقوى :

ما أعلنته مؤخراً المحكمة العليا بباكستان , حينما أصدرت حكمها بمخالفة نظام البنوك الشريعة الإسلامية , وأشار الحكم إلى وجود تلاعب في الألفاظ ، مثل  ( المضاربة والمرابحة والمشاركة ) بدلاً من ( الفوائد والقروض والائتمان ) التى كُشفت لدي المتعاملين , وأكدت كذلك على أهمية التقوى في المعاملات .

فماذا بعد انهيار هذا النظام في ( أمريكا ) أكبر دولة تصدّر هذا الفكر ؟

احصائيات تؤكد على البركة

لسنا بصدد الحديث عن الأزمة المالية أو النمو الاقتصادي ، بقدر ما نحن نتحدث عن ( البركة ) كحل غائب ، يحتاج إلى الممارسة والتطبيق .

 وقد تأتى الاحصائيات تفصح أكثر من الكلمات ، وتأمل معى :

1- نسبة ذوى الدخل المحدود :

(50% ) من تعداد السكان في العالم العربى .

2- نسبة من يعيشون تحت مستوى الفقر :

تصل إلى (30% ) من تعداد السكان في العالم العربى .

3- ومع ذلك تعيش الأسر :

بدخل يقل عن ( 40 دولار شهرياً ) في حين الاحتياجات الاستهلاكية , تزيد عن ( 100 دولار شهرياً ) .

4- ولذلك فارتباط ( البركة بالإيمان ) :

هو الذي يصنع هذا التوازن من خلال هذه الاحصائيات ، فإن كان هدف الاستهلاك هو ( تعظيم المنفعة ) فالتطبيق الإسلامى يقول عن الاستهلاك أنه : ( القصد ) ويضع ( البركة ) حقيقة في التطبيق ، فالرسول صلى الله عليه وسلم , يدفعنا إلى إكرام الضيف مثلاُ ، رغم ضيق اليد ، فيقول :

[ من كان يؤمن بالله وباليوم الآخر فليكرم ضيفه ]  .

فالبركة أفضل صك أو شيك ، يحتاج منا إلى التطبيق والتجربة .

ولنا لقاء قريب بإذن الله حول : طريقك العملي إلى تحقيق البركة