رمضان بداية التغيير
محمود القلعاوي
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف
[email protected]
عدد
غير قليل من الناس مقيدون بسلاسل المعصية ، وكثيرون أسرى لعادات سيئة يعلمون ضررها
ويدركون خطرها ولكنهم يظلون في أسْرِها وقد استولت عليهم عاداتك ، وأحاطت بهم
العوائق ، ووهت عزائمهم ، وضعفت إرادتهم لأنه كما هو معلوم أن للعادات سلطاناً على
النفوس ، وهيمنة على القلوب ، وهي تتركز في الإنسان فتصبح كأنها طبيعة من طبائعه ،
لا يستطيع التخلص منها ولا يقدر على مفارقتها ، والتخلص من العادات السيئة أساسه
قوة الإرادة ، وها هي مدرسة
الإرادات تبدأ ، مدرسة رمضان ،
مدرسة التربية القرآنية
، يتدرب بها المسلم المؤمن على تقوية الإرادة في الوقوف عند حدود ربه في كل شيء ،
والتسليم لحكمه في كل شيء ، وتنفيذ أوامره وشريعته في كل شيء ، والصوم مجال تقرير
الإرادة العازمة الجازمة ، ومجال اتصال الإنسان بربه اتصال طاعة وانقياد ، كما أنه
مجال الاستعلاء على ضرورات الجسد كلها ، واحتمال ضغطها وثقلها ، إيثاراً لما عند
الله من الرضي والمتاع .
فالصوم إذن فرصة ذهبية للتخلص من العادات الرديئة ، وإليك إيضاح العوامل التي تعين
على ذلك :
1-
طول مدة التغيير :- فقد أكد علماء
النفس أن التغيير يتحقق بالتكرار من 6 إلى 21 مرة ، مع
تخيل النجاح
والاسترخاء والاقتناع بالنجاح ثم الإقدام على الفعل ،
ومثال ذلك : كي يتغلب شخص على الخجل ويتجرأ في المواجهة عليه أن يقوم بتمارين
الاسترخاء
مرارا حتى يتقنه ، ثم يتخيل نفسه مرات ومرات وهو يتصرف بجراءة ، ثم يطبق هذا
الخيال مرات ومرات من 6 إلى 21 مرة ، وإن لم ينجح مرة وأصابه الخجل ما في مشكلة
يبدأ من جديد ، وإذا حقق نجاح باستمرار من 6 إلى 21 يكون فعلا قد قضى على المشكلة
،
ورمضان تكرار 30
مرة بلا انقطاع ،
فالصائم يلزم بحكم الشرع وبحرصه على الطاعة يترك عوائده وذلك لمدة ثلاثين يوماً ،
وهي مدة كافية ، إذا صدقت نية التغيير .
2-
الإنجاز
:-
فالصائم يحقق إنجازاً كبيراً يدفعه على الثبات على التغيير ، فثلاثين يوماً من
صيام النهار وقيام الليل وصلاة التراويح وتلاوة القرآن والذكر والصدقة ، وترك
المعاصي والمحرمات ، ثم ترتفع الهمة في العشر الأواخر ، يا له من إنجاز عظيم يدفعنا
إلى الثبات على التغيير .
3-
شمول نواحي التغيير :-
فإن الصائم يغير في رمضان مواعيد نومه واستيقاظه وأوقات طعامه وشرابه ، وطرائق شغل
أوقاته ، وترتيب أولوياته واهتماماته ، بل حتى مشاعره وانفعالاته ، وبالتالي فإن
القدرة على التغيير تكون أكبر وأقوى.
4-
التجديد ولخروج عن المألوف
:- وكَسْر الرَّتابة
( الروتين ) في
مواعيد النوم والأكل والخروج من البيت ، والتجديد من أهم وسائل
الإبداع ،
والخروج عن المألوف من الأمور الرئيسية للتغلب على القلق ويجمع العارفون في أمور
الإبداع أن الإبداع خروج عن المألوف ، وفي رمضان يخرج الإنسان عن روتين يومه
فيتغير موعد أكله ونومه ..... الخ
أفكار عملية للتغيير
استعن بالدعاء
:- قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم :
( ثلاث دعوات مستجابات :- دعوة الصائم ، ودعوة المظلوم ، ودعوة المسافر )
رواه البيهقي
،
فيمكنك
أن تضع كل أهدافك في ورقة وتقول :
اللهم حقق أهدافي التي في هذه
الورقة
.
خطِّط لما
تريد
:-
إذا فشلت في التخطيط فقد خططت للفشل ، ولا بد أن تكون الخطة مكتوبة ،
وتُكتب بصيغة الإثبات مثل :- ( أريد أن أصلي الفجر في المسجد ) أو (
أريد أن ألبَس
الحجاب ) أو ( أريد أن امتنع عن التدخين ) ، واحذر كتابتها بصيغة
النفي مثل : ( لا أريد كذا )، وقَلِّل من الأهداف فاختر
المركَّز الأهم
منها بحسب وضعك ، فالتقدم مختلف بين شخص وآخر.
اتخاذ القرار:-
الإنسان القوي إنسان صاحب
قرار ، والتردد لا ينشأ نفوسا ضعيفة
وحسب بل يأتي بأمراض نفسية وجسمانية ،
أغلب أمور حياتنا تعتمد على قرارات بسيطة
..
كل ثانية عباره عن مجموعة قرارات مثل
حركة يديك ورجليك.
أكد على رغبتك في التغيير
:-
بأن تخصِّص من وقتك جلسة
للتعرف على أهمية
ونتيجة كل هدف ، وبذلك قد يتبين أولوية بعضها دون البعض الآخر.
حَفِّظ عقلك الباطن ما تريد
:
عقلك الباطن يعمل وفق الأمور الجلية الواضحة والروتين اليومي
، لذا لابد أن تضع هدفاً واضحاً واجعله إيجابي فمن يكتب هدفه " لا أريد أن أقلق "
مثلاً يكون هدفه غير واضح لذا يقوده
عقله الباطن للقلق
، لكن من يكتب هدفه " أريد أن أكون مطمئناً " عقله يعرف ما يريد ، اقرأ خطتك
المكتوبة يوميا خلال رمضان في بداية اليوم
أو قبل نومك
، وتخيل أنك حققت أهدافك هدفاً هدفاً، حقق كل يوم شيئاً من خطتك
ولو هدفاً واحداً.
كُنْ جادًّا وقوِّم إنتاجك:
- المؤمن لا يعرف العجز
ولا اليأس فإن ثقته
بالله ؛ قال
صلى الله عليه وسلم: " واستعن بالله ولا تعجز
" فكن
طموحاً متفائلاً
بالمستقبل ، وأما ما مضى فتفقده بالتقويم والإجابية ، فإذ حققت أكثر
من 50% فهذا جيد
فافرح ولا تنسَ أن تُكافئ نفسك واسجد شكراً لله تعالى ، وإذا حققت
أقل من 50% فحاول
مرة أخرى وحدّد العقبات وطريقة تجاوزها ، وإلى ربك فارغب.
وبذلك
يكون رمضان محطة
تجديد وتغيير.
اتخاذ القرار قوة
وإرادة ، كلما جدد
المسلم نيته وأسرع في اتخاذ القرار بذلك ثم قام بالإمساك وقت
الإمساك والفطور
وقت الفطور ، كلما عود نفسه على اتخاذ القرار بسرعة واستمرارية حتى
يتبرمج على اتخاذ
القرار ، والتغيير ما هو إلا قرار.