رمضان.. كيف نستقبله و كيف نستثمره
رمضان.. كيف نستقبله و كيف نستثمره؟
عدنان عون
إن النفس الانسانية إذا ما اقتنعت بالامر تهيأت له ، وكان تفاعلها معه اعمق وشغفها به اكثر . و العبادات منهج متكامل ، وهي جسد وروح ، وقد كادت تكون لدى الكثيرين جسدا بلا روح ، و طقوسا بلا معنى وحركات لا تأثير لها .. فكيف نعيد الى العبادات روحها و جوهرها و تأثيرها ؟ وكيف نمكن لعلاقة الانسان بربه كيما تظل علاقته بخالقه في صورتها الصحيحة ودلالتها المؤثرة ؟
إن مواسم الخيرات و الطاعات تتوارد تباعا في حياة المسلم ، و تطل عليه متنوعة ، وهذا شهر رمضان و قد اظلتنا ايامه ، و طرقنا عوده الحميد المبارك، وهذه نفحاته القدسية يملأ اريجها الزمان و المكان ، فأين المتعرضون لها ؟!
وهذا ميدانه الرحب فأين المتنافسون وأين المشمرون ؟!
لقد كان رسول الله – صلى الله عليه و سلم – شديد الاهتمام بالطاعة و مواسمها ، يترقبها ويبشر بمقدمها ، ويعمل من خلال استعداده و توجيهاته ، على استنهاض همم اصحابه ليدخلوا ميادينها بتهيؤ و استعداد ، تنافسا في استباق الخيرات، وتعرضا للنفحات ، ويظهر ذلك واضحا في انتظاره الصلاة بعد الصلاة ، وترائيه للهلال بعد الهلال ، وتشوقه لرمضان ، فقد كان من دعائه – صلى الله عليه و سلم – اذا ما رأى هلال رجب و شعبان أن يقول : " اللهم بارك لنا في رجب و شعبان و بلغنا اللهم رمضان ".
إنه اذاً التهيؤ و الاستعداد لاستقباله و استثماره .. فكيف كان و ما هي شرائطه و ركائزه ؟
إنك ايها المسلم لابد أن تدرك فضل العبادات التي تؤديها ، وقيمة الطاعة التي تنهض اليها كيما تتفاعل معها وتنشط لها . و رمضان عبادة لها قيمتها و فضلها واثرها ، فإذا وقف المسلم عليها و ادرك قداستها و عظمتها وفضلها ، بعث فيه هذا الادراك عاطفة جياشة تمور في النفس ـ فتجعل لها ارادة فاعلة جادة تدفع بالانسان الى ميادين الطاعة و اداء الفريضة بكل حب و صدق ، ولاتزال الارادة تعمل عملها في القلب ، وتعزم على الانسان حتى يحدث التغيير و يتجسد العمل .
و شهر رمضان – فضلا عما يومئ إليه من عبادة الصيام ، وهي ركن في هذا الدين ،فرضت على المسلمين كيما تصل بهم الى مدارج التقوى ، حقيقة لا ادعاء، تفاعلا لا تظاهرا – يحمل للمؤمنين خصالا خمسا ، و واجب المؤمنين أن يعوها كيما ينتفعوا بها ، و يتخرجوا من مدرسة رمضان العظيم ، وهم اكثر قربا من الله ، وولاء لعقيدة الايمان ، وتفاعلا مع منهج الاسلام.
v شهر القرآن : " نزولا و مدارسة" :
فالقرآن منهج الله الخالد ، ودستور المسلمين الابدي، فهل نُنَزِّل القرآن من قلوبنا منزلته اللائقة ، قراءة و حفظا ، تدبرا و عملا ، و هو الذي اخرجنا من الظلمات الى النور، و من الكفر الى الايمان ، ومن الشقاء الى السعادة ؟!
وهل نستثير في ابنائنا شغفهم بحفظه ، وهمتهم في العمل به ليكونوا اكثر صلة به ؟
v شهر الاعتكاف :
و الاعتكاف حبس للنفس و عزلة للمؤمن روحا و جسدا في بيت الله ، كيما يكون المؤمن اكثر انتفاعا برمضان ، و ابعد عن صخب الحياة و مشاكلها ، يركن في مسجد اعتكافه الى ظل ظليل ، وروضة تعبق بالمكارم و الفضائل والطاعات تتلألأ فيه انوار الصلاة و أريج القرآن الكريم ، وآهات القائمين .
وللاعتكاف اثار تظهر في الانسان : اشراقة وجه ، وصفاء روح ، وراحة نفس ، و يقظة ضمير ، وانس خلوة ، ولذة مناجاة ..
فهل نحيي هذه السنة المباركة ؟!
v شهر الصيام :
و حسبك من فريضة لها فلسفتها الخاصة و تأثيرها العجيب في النفس و الامة و المجتمع ، و حسبك من شهر يحتضنها ، وهو اروع مدرسة للاعداد الايماني و التربية الربانية و التزكية الراقية ، وتكوين الشخصية الاسلامية المتميزة .
v شهر القيام :
وليل رمضان لا يقل اجرا عن نهاره ،الم يقل رسول الله –صلى الله عليه و سلم – في الصحيح : " من قام رمضان ايمانا و احتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" .
أليست فيه ليلة القدر التي هي خير من الف شهر ؟ واي ليلة اعظم منها ؟!
إنها ليلة ترفع قدر الانسان و تزكيه ، وتمحو ذنوبه و خطاياه .
أليس صدق النية و إخلاص العمل و اظماء النهار و اسهار الليل ، واتباع القدوة و التأسي بالصالحين ، هو سبيل العارفين للوصول الى الحقيقة ، وبلوغ الغاية ؟
ألم يقل رسول الله – صلى الله عليه و سلم – لاحد اصحابه ، ولله دره ما اروع كلمته ، وابعد مدلولها : " عرفت فالزم" ، فلماذا لا نلتزم الجادة ، و نحذر بنيات الطريق ؟
لماذا لا نجعل التقوى دليلنا الى الوصول و القبول ؟..
v شهر الجود و العطاء :
و " الكريم قريب من الله قريب من الناس قريب من الجنة " فلماذا لا نتقرب من الحق و القلوب كيما نتأثر و نؤثر ؟
ولماذا لا نقتدي برسول الله – صلى الله عليه و سلم – وهو قدوتنا ، فقد " كان اجود الناس و كان اجود ما يكون في رمضان " ؟ ، ولماذا لاتكون ايادينا – وقد من الله علينا بالغنى – هي العليا لتكون افضل الايادي ؟.. فلننفق مما آتانا الله ، ففي الاثر : " أنفق أُنفق عليك " .. و كيف يخشى المؤمن الفقر و هو عبد الغني جل جلاله ؟؟!
ولنمسح على رأس يتيم ولنعمل على اغاثة الملهوفين ، ومواساة المحتاجين ... فرمضان ميدان الخيرات .
وها نحن قد من الله علينا و بلغنا رمضان واكرمنا بدخول ميدانه ، فلماذا لا نتعرض لنفحاته الربانية ، ولماذا لا نستبق فيه الخيرات ؟!
اخي القارئ : فرق كبير بين من يعيش رمضان و يصومه عادة تعودها و تقليدا ألِفَه و درج عليه ، وبين من يعيش رمضان بنبض الايمان والادراك و العاطفة الصادقة و الارادة العازمة ، إيمانا و احتسابا ..
وسيبقى رمضان – كلما ادركنا قيمته و فضله و اثره – ميدانا تختبر فيه النيات الصادقة و العزائم الماضية و الارادات القوية ، والهمم العالية .
وسيبقى رمضان ، و هو شهر القرآن و الصيام ، اعظم مدرسة في الوجود للاعداد و التربية الربانية ، و التغيير الاخلاقي و السلوكي .
وسيبقى الصائمون الصادقون نماذج سامية مضيئة تجسد مقاصد الاسلام و الصيام التزاما و تقوى ، تتحرر بها النفوس و القلوب ، و تتجسد بها الاخلاق و القيم ، و سيظل منهج الاسلام ، هو منهج الحياة للنفس الانسانية ، و المجتمعات البشرية " ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخاسرين".