السًّنة مصدراً للمعرفة والحضارة

زغلول عبد الحليم

لقد اشتهر عند المسلمين أن السنة هي المصدر الثاني للتشريع، بعد القرآن الكريم، وهذا حق، وما أكدته البحوث والدراسات من السنة كذلك مصدر للمعرفة هو حق أيضاً لأن منها ما هو تشريع وما ليس بتشريع كما بينت السنة وفصلت ما جاء به القرآن في معرفة عالم الغيب الذي نؤمن به ولا نراه وفي المعرفة الإنسانية فيما يتعلق بالتربية والنفس والاجتماع والاقتصاد والصحة والبيئة، فللسنة فيها باع  رحب هذا إلى ما ظهر لنا من موقف السنة من العلم بمعناه الصحيح، العلم الطبيعي التجريبي الذي على أساسه قامت الحضارة الصناعية الحديثة نعم إن السنة مصدر ثري ل‍:

الفقه الحضاري عرفنا فقه السنن والآيات، وفقه المعرفة، وفقه الحياة، وفقه الواقع، وفقد مقاصد الشريعة، وفقه مكارم الأخلاق، ومن هذا الفقه الإتباع في الدين والابتداع في الدنيا.

وفي السلوك الحضاري عرفنا توخي مكارم الأخلاق، السلوك المهذب، فعل الخير، التزام النظام والآداب العامة، النظافة والتجميل، التسامح مع المخالفين، الرحمة بخلق الله.

وبهذا ارتفعت السنة بالحياة، وارتفعت بالإنسان والمجتمع وأدى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وظيفته التي بعثه الله بها وامتن بها على المؤمنين، كما قال الله تبارك وتعالى "لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِين" [الآية رقم 164 من سورة آل عمران]

نعم من السنة ما هو تشريع يلزمنا على الدقة تنفيذه، ومنها ما هو ليبس بتشريع كما وضح كبار العلماء وعلى رأسهم الشيخ محمود شلتوت رحمه الله رحمة واسعة، والسؤال الذي يجب طرحه هو: لماذا الهوس العلماني والهجوم على السنة النبوية الشريفة ؟ نعم هوس علماني فاضح يتمثل في الهجوم على الدين قرآنا وسنة من بعض المفاليت بعد سقوط مشاريعهم العبثية لانفصالهم عن واقع المجتمع وأن الحق هو أن يقام المجتمع على قاعدة الأخلاق لا النفعية لذا انهار بنيانهم في كل دول العالم الذي يبحث حالياً عن مخرج من أزمته الفكرية المعقدة ولا مخرج إلا البناء الأخلاقي لقيام الحضارات !! لا حضارة بدون أخلاق. إنها حضارة كسيحة كما نرى تترنح من فرط الهزال وتسقط وتتهاوى حتى في جانبها الصناعي.

إن الهوس العلماني الواضح في الهجوم على الدين يتطلب منا القيام بواجبنا نحو التمسك بديننا عقيدة وشريعة وعلى النحو الذي يرضي الله ورسوله وألا نهتم بهذا الهوس العلماني من قريب أو بعيد وعلينا أن ندرك أن محاربة الدين قديمة جداً وليست جديدة كما يتصور البعض والصراع قائم بين أهل الحق وأهل الباطل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليهاوسنه إلهية. ولكن ما تؤكده البحوث في الحضارات أن قانون تداول القوة هو السائد لحماية المستضعفين في الأرض ولا يمكن لقوة باغية طاغية فاسدة جاهلة ظالمة أن تسود وحدها لابد لقوة مثلها في الطغيان قانون تداول القوة بين لبغاة لإحداث التوازن حتى تقوم دولة الحق التي من خصائصها أنها تقوم على البر والقسط وتهدي للتي هي أقوم هنا فقط يعطل قانون تداول القوة حيث لا بغي ولا فساد ولا طغيان وقد قامت دولة الحق بقيام الأمة الإسلامية الأولى في المدينة وظلت حتى أفسدها الترف فذبلت وانزوت لكنها لم تمت لأنها الأمة الشاهدة على الأمم يوم الدين.

نعم السنة النبوية الشريفة وحي من الوحي قال صلى الله عليه وسلم (أوتيت القرآن ومثله معي) القرآن بلفظه ومعناه والسنة بمعناها واللفظ للنبي محمد صلى الله عليه وسلم كما جاء بكتاب (أصول الفقه) للإمام محمد أبو زهرة رحمه الله رحمة واسعة.