من سوء الأدب مع شهر الصيام اختزاله في الإقبال بنهم على أنواع الأطعمة والأشربة وفنون السمر والسهر واللهو

 

المتتبع لطريقة استقبال الناس عندنا شهر المغفرة والرحمة في الأسواق وما يجري فيها معاينة أو عبر وسائل الإعلام يلاحظ سيادة فكرة اختزال شهر عبادتي الصيام والقيام في الإقبال بنهم على أنواع الأطعمة والأشربة وفنون السمر والسهر واللهو وكأن عبادة الصيام لا تعني الإمساك عن شهوتي البطن والفرج بل تعني إطلاق العنان لهما من خلال التهافت على ما يقويهما من طعام وشراب .

وفي استطلاعات آراء الناس التي تنقلها القنوات الوطنية لا نجد من يتحدث عن عبادة هذا الشهر ولو بجملة واحدة في حين تدور معظم الآراء حول ما يعرض في الأسواق من أطعمة ،ويخوض الناس في مواضيع وفرة البضاعة، وفي أثمانها، بل نجد بعض المستجوبات من النساء  يغتنمن الفرصة للتباهي بما يقتنين من لوازم الطعام استعداد لرمضان ، ويتحول الاستجواب معهن إلى ما يشبه حصص الطبخ المتلفزة . وقد يستغل بعض المستجوبين الفرصة للتعبير عن امتعاضهم  وسخطهم مما ينسبونه من تكاليف مادية زورا وبهتانا لشهر الصيام ،بل  قد يبلغ الأمر ببعضهم حد توجيه اللوم للحكومة الحالية بسبب ما تعرفه أسعار بعض المواد من ارتفاع بما فيها المواد غير الضرورية مما يدخل في صناعة الحلويات مثل فاكهة اللوز وأخواتها ،وكأن هذه الفواكه من أوجب الواجبات التي لا تصح عبادة الصيام إلا بها .

ومن هوس الاشتهاء والشراء الذي يصيب الناس كلما حل شهر الصيام اقتناء الأواني كل رمضان . وخلاصة القول أن الاستعداد لشهر عبادتي الصيام والقيام يختزل في الاعداد المادي المحض وهو ما يعنيه قولهم : " رمضان كريم " ، ولا يبالي أحد بالاستعداد  المعنوي أو الروحي للعبادتين فيسأل كيف تصحان وكيف تفسدان ؟ ولا يستعد أحد لهما فيتهيأ لذلك بوضع برنامج خاص بهما ،بل يقضي معظم  وقته في إعداد برامج الأكل والشرب نهارا، واستهلاكهما ليلا ،والانصراف للسهر والسمر واللهو. ومما يساء به الأدب مع شهر القرآن الإقبال على النوم الثقيل خلال النهار، وهو مما يكره في عبادة الصيام ، وذلك بسبب طول السهر ليلا ليس في القيام بل في الفرجة والسمر ،علما بأن ليالي رمضان في فصل الصيف محدودة الساعات .

ومن العادات الوافدة التي جلبها البعض ممن يعتمرون في رمضان ما يسمى السفرة التي تفرش في المساجد أثناء الفطور ، وقد سارت موضوع تباه بين أصحابها ، وظاهرها إكرام وجود وباطنها تباه وافتخار ، وهي ظاهرة بدأت تغزو المساجد خصوصا في بعض الأحياء التي يسكنها الموسرون في المدن الكبرى . ومن العادات المختلقة التماس أداء صلاة التراويح في مساجد بعينها رغبة في سماع أصوات المقرئين العذبة المشنفة للأسماع والمطربة . وغالبا ما تطلب هذه الأصوات لذاتها ، ويهمل كتاب الله عز  فلا يحرك السامعين وعده ووعيده بقدر ما تحركهم أصوات المقرئين المترنمين . ولقد أصبح بعض المقرئين يقصدون خصيصا طلبا للترنم ،الشيء الذي يحملهم على المبالغة في الإنشاد فتسد صلاة التراويح خلفهم مسد السهرات الفنية . أما المحطات التلفزية والقنوات فلا تعرف توقيرا لشهر الصيام حيث تعد البرامج الهازلة التي تنسي من يتابعها أنه في شهر عبادة وتقرب إلى الله عز وجل ، والغريب أن هذه المحطات والفضائيات حين يغادر الدنيا أحد القادة أو الوجهاء تقطع برامجها العادية باستثناء نشرات الأخبار لتبث القرآن الكريم باسترسال ،الشيء الذي يعكس توقير القادة والوجهاء الأموات والذين لا يبلغ رمضان قدرهم في التوقير عند وسائل الإعلام . ومن سوء الأدب في رمضان كثرة الصخب والرفث بذيعة آثار استهلاك السجائر وشرب الدخان حيث يجوز للمدخنين في نظرهم الصخب والرفث لأن ذلك فوق ما يطيقون . أما الذين يتعاطون المخدرات فلهم شأن آخر حيث تتجاوز آثار المخدرات عندهم الصخب والرفث إلى العنف والعدوان .

ومن سوء الأدب مع شهر الصيام انتشار ظاهرة لعب الورق وما شابهها بين مختلف الفئات العمرية  شبابا وشيبا قتلا للوقت كما يقال، وانتظارا لحلول لحظة الإفطار. ومن سوء الأدب مع شهر رمضان اتخاذ المساجد مراقد بذريعة عمارتها والتعبد فيها فيشاهد عشرات النوام في جنباتها يتعاطون الشخير والنوم الثقيل . ومن سوء الأدب مع شهر القيام شيوع ظاهرة الفساد الخلقي حيث تنتشر سيارات المتعاطين له في ضواحي المدن وأحيائها القاصية حيث يختلي الذكور بالإناث في لحظات القيام يمارسون الفاحشة. ومن سوء الأدب مع رمضان المجاهرة بالقمار في بعض المقاهي وارتيادها من طرف المقامرين ساعة الاستغفار . ومن المقاهي من تحيي السهرات الفلكلورية فيرتادها الراغبون في الفرجة والرقص والطرب . وتشهد الساحات العمومية السهرات طيلة شهر الصيام ، فلا توحي أجواءها بعبادتي الصيام والقيام .

ومن سوء الأدب مع رمضان التهاون في أداء الواجب بالنسبة لشريحة عريضة من الذين يتذرعون بمشقة الصيام لتبرير تهاونهم وتقصيرهم في أداء ما عليهم من واجبات . وإن بعضهم ليوصد باب مكتبه في وظيفته لتلاوة القرآن والملفات التي يجب أن تصفى متراكمة فوق مكتبه ، وهو يصرف أصحابها بالتسويف ، وفي نفس الوقت يفاخر بأنه ختم القرآن الكريم في مكتبه أثناء واجب العمل، وهولا يلقي بالا بأنه رب تال للقرآن والقرآن يلعنه . وقد توجد أشكال وأساليب أخرى من السلوكات المسيئة إلى شهر الصيام لم نذكرها لذكرنا ما يسد مسدها ، ونأمل أن ينتبه الصائمون إليها لتنكبها صيانة لعبادتي الصيام والقيام . وأخيرا ونسأل المولى جلت قدرته ألا يبارك لنا آخر يوم في شعبان، وأن يبلغنا رمضان ،وألا يحرمنا رحمته ومغفرته وعتقه من النار، وألا يهلكنا بما فعل السفهاء منا ، إنه قريب سميع مجيب الدعاء .