إرادة الحياة تعلو على ثقافة الموت و القتل
أصبحت لعبة الموت و هواية جرائم القتل لعبة مفضلة في هذا العصر كأن بوصلة الإنسان فقدت توازنها فيصحو المرء على أخبار تهز كيانه لهول بشاعة هذه الجرائم ذبح من الوريد إلى الوريد و حرق على شكل أفلام هيوليود و أحيانا أخرى على شكل مجازر ضد الإنسانية تحصل هذه الجرائم تحت مسميات كثيرة عائلية قبلية مذهبية أو انحراف مجتمعي أو تطهير ديني أو عرقي أو استبداد الظلمة كل هذه الجرائم مرفوضة لا مسوغ لها لأن قداسة الإنسان و حرمة دمه مقدمة على كل شيء .
إن هذه النفس المكرمة لا يحق لأحد أن يستحل دمها المكرم إلا بما تصنت عليه الشرائع و المواثيق و العهود و قوانين الدول العادلة فما عدا ذلك خروج عن الأصل فالنصوص صريحة واضحة الدلالة قال الله تعالى: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) وقوله تعالى : {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ آثاما * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} [الفرقان: 68، 69]. فما أعظمها من دعوة و ما أعظمه من توجيه من قائد الأمة الأول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع في نقاط معلومة الدقة نورد بعضها : " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه"، "كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه"، "لا تعودوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض"، "ليس منّا من دعا إلى عصبية، وليس منا من مات على عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، ذروها فإنها منتنة " فقد قطع الرسول محمد صلى الله عليه الطريق على تجار الموت بأن الدماء محرمة وأن النفس الإنسانية مكرمة مصونة محفوظة حقها .
إن السلم الاجتماعي مطلب مشروع لأن النسيج المجتمعي واحد فإذا أصيب هذا المفصل تداعي الوجع والمرض في كيان الأمة جميعا ولا يظن الواحد منا أنه سيسلم من المرض لهذا كانت حرمة التعدي على الآخرين تعد حربا على الجميع وجب التصدي لها فالكل معني وهي حرب على الله أولا الذي رضي لنا أن نعيش في كنف السلم وجعل عقد الأمان شرط من شروط السلام الذي تميزت به الأمة في ألفاظ التحية التي تحمل هذه المضامين كل ترويع للفرد الأمن أو المجتمع الأمن جروح عن الفطرة فترويع الأمينين محرم و التعدي على ممتلكات العير محرمة و المساكن و البيوت حرمة و للمتاجر حرمة وللمرافق العامة حرمة و للزوار حرمة وللمعاهد حرمة و للمسيحي حرمة و اليهودي الغير معتدي حرمة فالسلم الاجتماعي قضية الجميع لهذا وجدنا الشريعة قد حرمت كل ما يمس لحمة المجتمع و يهدد كيانها فحرمت القتل و حرمت الخمر و حرمت الزنا و حرمت الغيبة و النميمة و حرمت الغش و الغبن فاحتكار و كل ما من شأنه أن يضر بها القصد . لقوله تعالى : مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا {المائدة: 32 }
إن الأمة الواحدة لا يقوم نظامها الاجتماعي على الثأر والجنوح للفوضى أو تقوم على الاستبداد و الظلم و مصادرة الحقوق أو تكميم الأفواه أو محاربة الأرزاق أو يهدر كرامة الإنسان في المجتمع الإنساني . كما أن الغلو و التطرف بمفهومه الواسع له نهاية واحدة هي الفشل لأن إن إرادة الحياة تعلو على ثقافة الموت و القتل و أن مشاريع النهضة تقوم على الاحترام المتبادل فلا عيب أن نشري سلمنا الاجتماعي بتلبية المطالب و برمجة المشاريع ذات البعد الإنساني و الخدمي و صناعة التكافل المجتمعي فإن الاستقرار المجتمعي لا يرفضه سوى المجانين الذين لا يهنئون إلا إذا شاعت الفوضى ونزعت الثقة بين نسيج المجتمعي فالعودة للحمة مطلوبة بين أبناء النسج الواحد ليعم الهناء والرخاء و الرفاه الاجتماعي .
وسوم: العدد 626