فضل رجال التعليم الدعاة على المحسنين
فضل رجال التعليم الدعاة على المحسنين
عمر حيمري
1. الدعوة ، مفهوم مرتبط بالإسلام ، معناه حث كافة الناس مؤمنهم وكافرهم ، على الإيمان بالله وطاعته واجتناب معصيته وعبادته وحده بلا شريك ، وكذا دعوتهم إلى الإيمان ، بما جاءت وأخبرت به الرسل صلوات الله عليهم وسلامه من أوامر ونواهي { قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا } ( سورة الأعراف آية 158) . وهي أفضل وأحسن عمل يقوم به العبد مصداقا لقوله جل وعلى { ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين } ( سورة فصلت آية 33 ) . وهي كذلك أشرف مهمة . اختار الله سبحانه وتعالى لها خلقا خاصا من عباده : هم الرسل والأنبياء والعلماء الصالحين { وإذا جاءتهم آية قالوا لن نومن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله ، الله أعلم حيث يجعل رسالته سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون ] ( سورة الأنعام آية 124 ) وأثابهم على ذلك أجرا لا يعلم حجمه إلا هو ، لقوله صلى الله عليه وسلم : [ لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم ] ( رواه الشيخان من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه ) ، وهي فرض كفاية بدليل قوله تعالى :{ والتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون هن المنكر} ( سورة آل عمران لآية 104 ) وقوله :{ وما كان المومنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون } ( سورة التوبة آية 122) . ولكنها أشق وأصعب مهمة يقوم بها المؤمن ، بسبب قوى الشر والاستكبار والإشراك وما تضعه من عراقيل ومثبطات أمام الدعاة ، أملا في دفعهم إلى الانسحاب والتخلي عن مهمتهم الدعوية وصرفهم عن الأهداف الرامية إلى بناء المجتمع المسلم ، الذي أمر الله به ، حتى وإن كان ترك الدعوة بالمعروف وتغيير المنكر يؤدي حتما إلى تعريض المجتمع إلى فقدان الهوية الدينية و إلى الانحلال الأخلاقي والانهيار الاقتصادي ... وإلى غضب وسخط الله ( لعن بني إسرائيل بسبب تركهم الدعوة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نموذجا ) .
أما الإحسان ، فهو الزيادة في كل خير مع الإتقان دون انتظار الجزاء من أجل مرضاة الله عملا بقوله تعالى : { إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا } ( سورة الإنسان آية 9 ) وبتعبير كانط هو فعل الواجب من أجل الواجب . أي فعل الخير لذاته لا لغيره أي لا لمنفعة ترجى منه ( تحصل بسببه ) . إن الإحسان والدعوة إلى الله في الإسلام متلازمان . فالدعوة لا بد لها من إحسان يدعمها ويشد أزرها ، والإحسان هو الآخر ، لا بد له من دعوة تقيمه وتوجهه وتقويه . وهذا ما انتبه إليه رجال التعليم في مدينتي وجدة ، وعلى رأسهم الدكتور مصطفى بنحمزة . فانخرطوا في الدعوة وتنظيم الإحسان في نفس الوقت .
إن رجال التعليم ، في بلادي هم الفئة المستنيرة القادرة وحدها على رعاية الإحسان وحمايته ، من الزيغ أو الانحراف عن الأهداف السامية والمهمات الأساسية ، التي رسمها له الإسلام ، وذلك لشعورهم بالمسؤولية أمام الله والمجتمع ، ولقدرتهم على التخطيط السليم الفائق الدقة للمشاريع ، التي تعود على المجتمع بالخير والنفع العام ، ولمكانتهم العلمية ومعرفتهم الدينية ، ولحسن تدبيرهم ، أكثر من غيرهم ، للموارد المادية والبشرية ، ولمعايشتهم ومعاشرتهم وتعاملهم اليومي مع مختلف الفئات الاجتماعية واطلاعهم على المخزون الثقافي لهذه الفئات الاجتماعية . الشيء الذي مكنهم من المعرفة الجيدة لسلوكيات الجماعات وطريقة تفكيرها ، ورشحهم للنجاح في مهماتهم الدعوية ومكنهم من تحقيق أهدافهم ورفع مكانتهم وقدرهم داخل الجماعات التي ينشطون فيها .
لا تكاد تجد مشروعا خيريا ، لا يشارك فيه رجال التعليم ، أو ليس لهم فيه يد أو أثر من مساندة وتوجيه ونصيحة أو مشورة ... فهم المحسنون الأخفياء من فرط ظهورهم . لا يخلو منبر مسجد من أحدهم كخطيب جمعة ، أو قائم بمهمة الإمامة نيابة عن الإمام الراتب ، أو واعظ ومرشد ، أو معلم ، أو قرئ للقرآن الكريم ومحفظ له ، أو مساهم في محو الأمية ومواجه للجهل ، أو جامع للتبرعات من أجل بناء مسجد ، أو من أجل سلة الأرامل والأيتام والفقراء .... يعلمون وينصحون ويرشدون ... مضحين بوقتهم ومالهم ومركباتهم ... صابرين ، من دون من ولا أذى ، محتسبين أجرهم على الله . يلقون الأذى وكل ما يسيء ، ممن ينصب لهم العداء ولا يقدر جهدهم وتضحياتهم ، ولا رسالتهم التربوية النبيلة وحراستهم للعقيدة الإسلامية ومحاربتهم للانحراف والرذيلة . رفعهم الله وأعزهم بالمعرفة وخلد آثارهم ، ومد أيام أجرهم من بعد موتهم ولولاهم لتراجع الإحسان ومساهمات المحسنين .
صحيح هناك العديد من المشاريع ، التي أنجزها أو ساهم فيها المحسنون المقاولون والتجار في مدينة وجدة . أذكر منها على سبيل المثال : " المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير " ، " المعلمة : مركز الدراسات والبحوث الإسلامية " ، " مركز الأنكلوجيا والمساكن المرافق له " ، " مدرسة البعث الإسلامي " ، " دار العجزة " ، " بناء أكثر من 300 مسجد في المدينة عدا ما بني في القرى والأحواز" ، " تهييئ وتجهيز مركز تصفية الدم بمستشفى الفارابي ، وآخر لأمراض القلب " ، " بناء قاعة السلام بكلية الآداب " ، " الإشراف على دور القرآن الكريم والتحفيظ لكتاب الله " ، " احتضان الأيتام والنفقة على الأرامل ومساعدة الفقراء وابن السبيل والسجناء الغارمين الذين تراكمت عليهم الديون بسبب النفقة أو غيرها " شراء الأراضي لتحويلها إلى مقابر لدفن موتى المسلمين بالمجان " ( لولا مقابر المحسنين لعجز المسلمون عن دفن موتاهم ) . كل هذا بتوجيه وإشراف رجال التعليم وعلى رأسهم الدكتور مصطفى بنحمزة
إن كثيرا من المحسنين بدون شك قد أحسنوا ، فلهم الحسنى وزيادة ، لأن سريرتهم وافقت علانيتهم وبغيتهم مرضاة الله ، والقليل منهم يحسنون من أجل الربح أو التزلف أو الشهرة ، أو يقال...فمشاريعهم ضرارا للمسلمين وأعمالهم نفاقا ... إن التجار والمقاولين وأرباب الأموال الذين ينفقون بالليل والنهار ويبذلون الغالي والنفيس في سبيل الله طوعا لا كرها ولا طمعا فيما عند الناس وأيديهم ، سينالهم الأجر العظيم إن شاء الله . أما أولائك الذين يعطون بيد ويسحبون بأخرى ويطمعون في الأرباح المضاعفة من وراء ما يبذلون من صدقات وتبرعات ، عن طريق الغش في تجهيز التجزئة الأرضية مثلا ، مقابل بناء مسجد التجزئة ودار القرآن ، أو إنجاز مشروع خيري مقابل الحصول على تسهيلات يتحقق من ورائها ربما عشرات أضعاف المشروع ، أو الزيادة في الأسعار من أجل تعويض نفقات (قفة ) رمضان والأعياد التي يقدمونها للفقراء فعملهم رياء وسمعة ومباهاة عند الناس وينالون أجرهم من الشيطان ....وتبقى الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى.