رزق وخصب ونصر
رقية القضاة
ويظلّنا شهر رمضان بظلاله الوارفات الحسان ،ويمطرنا به ربنا بالخير والرحمة والإيمان ،وتغلق به أبواب النار وتفتح أبواب الجنان،وأمة محمد صلى الله عليه وسلّم ،تحنّ إلى لياليه فتعمرها بالقيام ،وتكرم نهاراته فتعمرها بالصيام،وبين هذا وذاك من الأعمال الصالحات الكثير ،ومن الخير الذي يعمر القلوب الوفير ،ولكنها لا تخلو من كثير الغافلين ، الذين اركنوا إلى الدنيا وغرتهم بغرورها ،وتلاعب بهم الشيطان فأخرجهم من صفوف الأمة عملا وبقوا فيها عقيدة ودينا،فلا هم أهل صلاة ولا صيام ولا زكاة ولا نسك ،اكتفوا من الدين بكلمة التوحيد ،ومانستصغرها ولكنها تحتاج إلى تصديق من الجوارح
وفيها أولئك الذين اعتقدوا الإسلام شعائر خاصة لا روح فيها ولا حس ولا تكليف ولا أثر ،فجمعوا المال من غير وجه حق وأنفقوه في غير وجه حق ،فيها من جمع فأوعى ،فلا حق لفقير أومسكين في مال الله الذي آتاه ،شبع وجاره جائع ،وورث وأخته محرومة ،واكتسى واليتيم عريان،وتنعّم وغيره في شقاء وهو قادر على مد يد الخير والمواساة
وفيها نساء اتخذن شريعة الغرب شرعة ومنهاجا ،وسلكن وديان المهالك خلف الهالكات من ربيبات الغرب ،وفيهن من تنظر إلى دينها بخجل وقد أشربت مقولة الكفار {إن الإسلام يظلم المرأة ويلغي حقوقها }زور آمنت به وبهتان افتراه عدوّها فصدقته غباء وجهلا
وفيها اولئك الذين تحسبهم من أمة المصطفى وما هم منها،وقد ركبوا مركب أعداءها وضربوا بسيفهم وتطاولوا على ضعفاءها وشتموا رموزها ،ففارقوها دينا وفعلا وما زادوها إلا ضعفا ووهناومكيدة وفرقة وانهزاما
وفيهاالعلماء العاملون ، يحرسون حدود الله واحكام شرعه وكتابه وسنة نبيّه صلى الله عليه وسلم وفيهاالنساء الصالحات العاملات ،والشباب المتعلقون بالمساجد يعمرونها بالقيام والقعود والسجود والقرآن،والثائرون على الباطل المنحاز لأعداء الله ،فيها الخيرون والخيرات والصالحون والصالحات والمستغفرون والمستغفرات والصابرون والصابرات مؤمنون ومؤمنات لا يعطون الدنية من دينهم ولا شرع ربهم
وفيهاالمرابطون المجاهدون ،في الهند والصين واوروبا ،والشرق والغرب وفي كل مكان نبض فيه قلب بالاسلام ونطق فيه لسان بالتوحيد
وعلى رأس تلك الثغور كلها ذلك المسجد الذي تشدّ إليه الرحال بأمرالنبيّ صلى الله عليه وسلّم،وفيه الصلاة بخمسمائة صلاة ،فمن لم يقدر على صلاة فيه ،فليرسل بزيت تضاء به قناديله ،ويا لقناديل الأقصى فيك يا رمضان ،وهي ترسل أشعتها المضيئة بدماء الشهداء ،وتبث نورها عبر مشاكيه البديعة ،من دموع الضعفاء المستضعفين ،من الرجال والنساء والولدان ،ويا لمآذنه وهي تزأر بالتكبير فتغرسه سهاما في أكباد اليهود
وأمة محمد صلى الله عليه وسلم في رمضان ،تتوجه إلى ربّها بالدعاء الصادق ،أن ينصرها ويرزقها ،ويرسل سماءها عليها مدرارا ،ويملأ سهولها وجبالها ،اغوارها وهضابه ،مدنها وكورها وقراها وبواديها ،خصبا وفيرا ،وخيرا عميما ،وأمة محمد صلى الله عليه وسلّم في رمضان وقبله وبعده ،تبتهل إلى ربّها ان ينصرها على عدوها ،فلا يرفع له راية ولا يحقق له غاية ،
وهنا وهناك ،تنطلق الدعوات من القلوب الكليمة ،والأرواح المستباحة ،والجماعات المستضعفة ،ان ينصرها الله على عدوه وعدوّها،وأن يرفع عنها البلاء والغلاء والقهر والمذلّة والهوان ،
وأمة محمد صلى الله عليه وسلّم تدعو ربّها ،ألا يكون فيها محروما من رحمة الله ،ولا شقيا بمعصية مولاه ،وان يأخذ لها بثأرهامن فراعنتها ،ومن عطّل شرع الله فيها ،واعتدى على ابناءها ،وقتل علماءها ،الذين يريدون لها الخير،وشرّد مستضعفيها في أصقاع الارض ، وان لايأخذها نكالا بتقصيرها ،وان لا يقطع حبل الصلة بينها وبين ربّها ،فتضلّ وتخزى،
وتستذكر الأمة سبل العزة ،والرزق والنصر والتمكين فتجده في كتاب الله وسنة نبيّه صلى الله عليه وسلم وهو يقول لأمته{ توبوا إلى الله قبل أن تموتوا، وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا، وصلوا الذى بينكم وبين ربكم تسعدوا، وأكثروا الصدقة ترزقوا، وأمروا بالمعروف تخصبوا، وانهوا عن المنكر تنصروا.
أيها الناس .. إن أكيسكم، أكثركم ذكراً للموت، وأكرمكم أحسنكم استعداداً له. ألا وإن من علامات العقل التجافى عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والتزود لسكنى القبور والتأهب ليوم النشور
{اللهم احعل رمضان علينا شهر يمن وبركة ورزق ونصر ومغفرة يا رب العالمين} .