تحرّك جيش شرحبيل بن حسنة ( 27 )
دروس في فقه الجهاد والقيادة الراشدة
د. فوّاز القاسم / سوريا
بعد ثلاثة أيام من تحرّك جيش يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه ، الذي نزل البلقاء من أرض الأردن اليوم ، وكانت وجهته النهائية دمشق ، تحرك شرحبيل بن حسنة رضي الله عنه على رأس جيش آخر ، وسلك التبوكية أيضاً ، وهو نفس الطريق الذي سلكه يزيد ...
وخرج أبو بكر رضي الله عنه في وداع شرحبيل وجيشه ، وهو يقول :
(يا شرحبيل ، ألم تسمع وصيّتي ليزيد بن أبي سفيان .!؟
قال شرحبيل : بلى ، يا خليفة رسول الله ..
قال الصدّيق : فإنّي أوصيك بمثلها ، وأوصيك بخصال أغفلت ذكرهنَّ ليزيد : أوصيك بالصلاة في وقتها ، وبالصبر يوم البأس ، حتى تظفر أو تُقتل ، وبعيادة المرضى ، وحضور الجنائز ، وذكر الله كثيراً على كلّ حال .
فقال شرحبيل :الله المستعان ، وما شاء الله أن يكون كان . )
وودّع شرحبيل أبا بكر رضي الله عنهما ، وسار بجيشه في إثر يزيد ...
وظل أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه يؤم من تبقى من الجند في المعسكر ، وهم ينتظرون في كل يوم أن يأذن لهم أبو بكر بالتحرّك أيضاً ...
وأبو بكر ينتظر قدوم المزيد من المجاهدين من أرجاء الجزيرة العربية ، ليشحن بهم أرض الشام ، في خطة قريبة من خطة فتح العراق ...
حيث رأينا كيف أمر أبو بكر الصدّيق ، خالد بن الوليد ، وعياض بن غنم ،رضي الله عنهم جميعاً بالإطباق على غربي نهر الفرات من أرض العراق بفكي كماشة ، حتى يصلا الحيرة ، ثم ينقضّا على المدائن عاصمة الفرس من نقطة ارتكاز متقدّمة في الحيرة ، بعد أن يكونا قد أمّنا أجنبهما ومؤخرتهما ...!!!
وهاهو يطبّق خطة مشابهة في فتح الشام ، فهو يحرّك أكثر من جيش للإطباق على شرق وجنوب الشام ، بهدف إرباك العدوّ ، واستنزاف موارده ، وتدويخ قياداته ، وتشتيت جهده القتالي ...
ثم ، استجماع الجيوش عندما يلزم الأمر ، لتوجيه الضربة القاضية لعدوّ منهك .!!!
البساطة ، والوضوح ، من أهم عناصر الخطة الناجحة ...
فما أبسطها ، وما أوضحها ، وما أروعها ، من خطة ...!؟
وأين هي الأكاديميات العسكرية المعاصرة ، لتدرّس هذه الفنون الباهرة في التكتيك والستراتيجية وعلوم الحرب .!؟