الفعل واحد والرد واحد
يمكن القول إن جزءا كبيرا من العالم الغربي قد أخرج الله من معادلة الحياة ، واعتمد علي قوة الإنسان .. نظر إلى الله تعالى على أنه المعبود المحبوب ، الموفِّق في كل أمر يسعد الإنسان ، ومن هنا فهم يرون أن إعدام شعوب بأكملها لا يُغضب الله طالما أنه يحقق لهم كثيرا من المصالح الآنيَّة ، أو المستقبلية .
وفي عالمنا العربي الإسلامي يختلف الأمر تماما عن الغرب ، فلا هم أدخلوا الله في معادلة الحياة ، واعتمدوا عليه ورأوْه في كل شيء ، ولا هم أخرجوه مثل الغرب من المعادلة ، واعتمدوا علي قوة الإنسان ، وما وصل إليه من علم .
ليس معنى هذا أن الغرب بعلمه أفضل من الشرق بجهله ، فالبعد عن الله نذير خطر علي الإنسان في الشرق والغرب على السواء .
والله تعالى ينبِّه عباده ، ويبتليهم بالمصائب ، والأمراض ، والضيق في الرزق ، وينزل عليهم الكوارث ، ولكنهم لا يفهمون .
في الغرب يقولون أنها أمور طبيعية ، وفي عالمنا العربي يقولون قضاء وقدر ، ونأخذ أمثلة على ذلك .
قررت دولة أند ونسيا الإسلامية التي يبلغ تعداد سكانها [ 185] مائة وخمسة وثمانون مليون مسلم ، أن تنشئ منتجعا للسياحة الجنسية ، لكي تكسب أكبر قدر ممكن من المال حتى لو أدى ذلك إلي ظهور أجيال من الفتيات اللآتي يحترفن البغاء ، وأقامت لذلك عدة فنادق في منطقة ساحلية ، وبدأ السياح من جميع أنحاء العالم ، يتوافدون علي هذا المنتجع ، وشرعت سنن الله في القوم المفسدين تجري مجراها وتفعل اللازم.
ابتليت الحكومة بمصائب متلاحقة أرجعتها للقضاء والقدر ، ولم تفهم أنها نذير ، فتحول الأمر إلي الانتقام من السياح أنفسهم ، طالما أن أهل البلد وأولي الأمر فيها قد عجزوا عن فهم رسائل الله تعالى إليهم ، فأمر الله تعالي البحر ، فترك مكانه ، وارتفع إلي ما فوق الفنادق بثلاثين متراً ، ولما عاد إلي مكانه كان قد سحب معه إلى الأعماق كل المحبِّين والعشاق.
هاجت الدنيا وماجت ، لكنها مع ذلك لم تشاهد قوة الله في هذا الفعل ، بل قال الخبراء: إن ما حدث هو : [ تُسُونامي ] ، وما هو التُسُونامي يا سادة ؟
قالوا : زلزال يقع في قاع البحار والمحيطات فيضرب اليابسة بالماء . ولماذا جاء
الضرب في الساعة الثانية صباحا ، أثناء معاقرة الناس للخمر وانغماسهم في الفاحشة ؟
ولماذا هذا المكان بالذات فساحل أندونسيا علي المحيط يزيد عن ألفي كيلو متر ؟
لا أحد يجيب علي هذه المسألة، وفي القرآن الكريم مثال قريب من هذا.
2 - حينما بدأ الحبيب صلي الله عليه وسلم يدعو المشركين في مكة إلي الإسلام
ويحذرهم من غضب الله تعالى عليهم ، فذهب إليهم في وديان مكة ، وفي سهولها ،
وعلى جبالها ينذرهم قائلاً: [إن أنا إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد ] لكنهم قابلوه
بالسخرية والاستهزاء، وذات ليلة، أظلمت السماء واشتعل البرق و دوَّي الرعد، ونزل السيل من السماء، يزيح ويدمر أكثر من مائة بيت من بيوت المشركين، وفي اليوم
التالي ذهب رسول الله صلي الله عليه وسلم، إلي أصحاب البيوت المدمرة ليواسيهم،
ويساعدهم علي إعادة بنائها، كما كان يفعل قبل الوحي [ وتُساعد علي نوائب الدهر ]،
وقال لهم بعد أن ساعدهم في مصيبتهم : لو أنكم آمنتم بالله وصلح إيمانكم ، لأنقذكم لله
من هذه الكارثة، قالوا له: أتزعم أن إلهك الذي تدعوننا إليه هو الذي يفعل ذلك ؟
قال : نعم .
قالوا : بل هو سحاب مركوم ، فسجل الله تعالى ذلك في القرآن الكريم ، ليبيِّن طبيعة
الإنسان الخبيثة في إسناد البلاء لغير الله تعالى:
[وَإِن يَرَوْا كِسْفًا مِّنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَّرْكُومٌ ] سورة الطور الآية 44 .
ولم يؤمنوا لأنهم اخرجوا الله من معادلة الحياة .
3 – عندما غمرت السيول شمال مصر ، وتسببت في قتل العشرات ، وهدم مئات البيوت ،
وإتلاف آلاف الأفدنة ، جلستُ حزينا مكتئبا أفكر فيما حدث ، وقلت في نفسي لو استغنينا عن السياحة العارية في الغردقة وشرم الشيخ ، وطلبنا من السياح الالتزام بالحشمة ، عند زيارة الآثار المصرية القديمة ، لحصلنا علي مكاسب كثيرة : أولها أن السيُّاح سيعودون إلي بلادهم بمشاعر عظيمة ، ملخصها أن هناك أمة في العالم حتى الآن تحافظ علي الأخلاق ، والالتزام ، والسياح لا يكرهون هذا بل يحبونه ، وعندما كنت في مؤتمر عالمي في مدينة سول عاصمة كوريا الجنوبية ، كانت تجلس بجواري سيدة أمريكية يهودية الدِّيانة ، وكانت ترافق أسرة من الهنود الحمر، وسألتها بعد أن ينتهي الحفل ، ونعود إلي الفندق ، أن تعرفِّني أكثر علي هذه الأسرة ، ووعدت و أوفت ، وكانت فرصة عظيمة لي لسؤالهم هذا السؤال والتعرُّف علي الإجابة ، وخلاصتها أن السياح العراة في بلادهم لو طُلب منهم في بلد إسلامي الحشمة سيفرحون بذلك ، وربما قادهم ذلك إلي الدخول في الإسلام ، أو التجارة مع هذا البلد ، أو الاستثمار فيها ، باعتبار أن أهلها محترمون ، وسوف يزيد ذلك من دخل السياحة آلاف المرات ، أما إذا وجدوا عُريا في بلادنا أكثر مما عندهم ، [ فأين الجديد إذن ؟ ] .
بعد هذه الخواطر تمنيت أن مصر بلد الأزهر ، وقلب العالم الإسلامي ، تكون قدوة في السلوك ، وماذا لو جربنا تقييد الحركة في منتجعات السياحة العارية ؟ ماذا لو جربنا خفض الجرعة الزائدة للجنس في قنواتنا الفضائية العامة والخاصة ، ولدينا قنوات علي أقمارنا الصناعية ، تذيع الرقص العاري ليل نهار ، دون خشية من انتقام [ الواحد الجبار]
و [ الجبار المنتقم ] ، إن ما حدث في مصر بعد زيادة الجرعة الجنسية علي الشواطئ وفي الإعلام ، قد سبب خسارة للوطن ، بالأرقام (20 مليار ) عشرون مليار دولار من السياحة بعد سقوط الطائرة الروسية ، ومثلهم من أضرار السيول ، ومثلهم من علاج الأمراض .
فكرت في كل هذا ثم فتحت المذياع لأستمع إلي النشرة الجوية، وسَأَلت المذيعة المتحدث الرسمي لهيئة الأرصاد الجوية، يا أستاذ سعودي ماذا يحدث في الإسكندرية والبحيرة ؟
قال المتحدث باسم الأرصاد : هذا أمر طبيعي ، تجمعت السحب الركامية علي شمال البلاد ، وسقطت علي هيئة سيول ، وهذا أمر عادي ، في مثل هذه الفترة من الشتاء .
قارنت بين الإجابة التي سمعتها في مصر ، والإجابة التي سمعها رسول الله صلي الله عليه وسلم في مكة ، فوجدت أنها واحدة لم تتغير ، فزاد حزني و ألمي ، وقلت متى يفهم الإنسان فعل الله تعالي في كونه ؟!
4 – عندما قامت أسرة ملأت الأرجاء شهرة بفضائحها وجبروتها بضرب فقراء اليمن المرضى البائسين، قلت في نفسي لقد اختار هؤلاء الفناء لهم و لغيرهم، وسوف يردُّ الله تعالى على هذا بمشاكل ستجتاح نجد والحجاز علي السواء، وربما تسبَّب ذلك في أضرار ستلحق بالحرمين الشريفين، وزوَّارهما، وما حدث في موسم الحج الماضي ليس ببعيد، ولا يمر أسبوع إلا ومصيبة تحل علي هذا البلد ، والمصائب تترا ، وعند الله خزائنها
[وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ] سورة الحجر الآية 21 ،
ألا إن الله ليس بغافل عما نعمل ، وسيرد لنا الكيل أكيال ، أو مكاييل حتى نعود إليه ولا نكون ممن عنتهم الآية: [ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا
وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا ]
سورة الطلاق الآيتين 9،8
يقول الشاعر أحمد بدوي:
يأيها الإنسان مهــلا ما الذي بالله جل جلاله أغــراك
حاذر إذا تغزو الفضاء فربما ثأر الفضاء لنفسه فغزاك
يا ربُّ هذا العصر ألحد عندما سـخـــــرت لــه دنيـــاك
علمته من علمك النــــووِّي ما علمته فإذا به عـــداك
ما كاد يطلق للعلا صاروخه حتى أشاح بوجهه ونساك
واغتر حتى ظن أن الكون في يُمنى بني الإنسان لا يُمناك
وسوم: العدد 654