فضل قراءة القرآن جماعة
فضل قراءة القرآن جماعة
معمر حبار
المتتبّع لما يكتبه المعارضون لقراءة القرآن جماعة على المنابر وأعمدة الصحف وفي ثنايا الكتب وطيلة أيام السنة، وفي كل مناسبة يُطرحُ فيها الموضوع وفي غير مناسبة، يدفع المتتبع لأن يسأل عن سبب الحقد الدفين لقراءة القرآن جماعة.
لماذا يحارب القرآن في بلد القرآن بهذه القسوة والشراسة، التي لو خُصّص عُشر منها للتعليم والتحفيظ، لتعلّم أهل الأرض القرآن قراءة وفهما وتفسيرا وحفظا.
الذين يحاربون قراءة القرآن جماعة، لايحاربون القرآن لذاته، إنما يحاربون الطريقة التي يتم عبرها حفظ وقراءة القرآن جماعة، كقولهم ..
السرعة في القراءة، وعدم التدبر، والتحدث أثناء القراءة، والتهام بعض الأحرف، وقول صدق الله العظيم، ورفع الأيدي بعد الانتهاء، ومسح اليدين على الوجه، وقول سيدنا رسول الله أثناء الدعاء، وإهداء القراءة للوالدين، وقراءة القرآن على الميت.
إذن المسألة لاعلاقة لها بقراءة القرآن جماعة، إنما لها علاقة بالطريقة والكيفية. ومع افتراض أن بعضا من هذه الطرق غير سليمة وغير صائبة، كان على العاقل الغيور على دينه وقرآنه أن يُصحّح منها مااستطاع، ويعيدها إلى جادة الصواب كلما سنحت الظروف، ويكون بذلك حفظ قراءة القرآن جماعة مما يشوبها ويسيء إليها.
من زاوية أخرى، لو طبّق المتتبع نفس انتقادات المحاربين لقراءة القرآن جماعة على القراءة الفردية، لتوصل لنفس ماتوصلوا إليه من منع ونبذ، وإلا..
ماحكم من يقرأ القرآن فرديا وهو ممتد رجليه نحو القبلة؟. ويقرأ وهو مستلق كأنه على شاطئ؟. ويقرأ وهو واضع المصحف الشريف على رجليه وفوق الأرض؟. ويقرأ وهو يتحدث لهذا وذاك؟. ويقرأ بصوت مقلد نشاز يزعج الأسماع؟. ويقرأ وهو يفتقر لأبسط قواعد أحكام التلاوة؟.
إذن، لو طبّق نفس المعيار، لتوصل المرء إلى اعتبار قراءة القرآن بصفة فردية، من المحظورات والممنوعات التي يجب على المرء أن يبتعد عنها، لكن العاقل المتدبر، يعلم أنها صفات وحركات ألحقت بقراءة القرآن فرديا، فالمنع والتحذير من الطريقة والكيفية، وليس من القراءة الفردية.
1. كذب وتزوير على القرآن
2. سيدنا الإمام مالك
من بين "الأدلة !" المعتمدة في محاربة قراءة القرآن جماعة، قولهم أن الإمام مالك، سئل عن قراءة القرآن في مصر فكرهها، فأخذها البعض على أن سيدنا الإمام مالك، رضي الله عنه، "يكره !" قراءة القرآن جماعة. وفي الحقيقة كره طريقة معينة في قراءة القرآن، ولم يذكر أحد أنها القراءة الجماعية، إذن تعلق المنع بالكيفية والطريقة التي لم يذكرها أحد.
3. سيدنا الإمام أحمد حماني
القارىء لفتاوى الإمام أحمد حماني من 3 أجزاء، لايجد أن الإمام استنكر قراءة القرآن جماعة، وإن كان يستنكر على بعض القراء بعض الصفات والهيئات، ويدعو لنبذها والتخلي عنها، ويفاجئ حين يطالع أن الإمام أحمد حماني، "يكره !" قراءة القرآن جماعة. وبعد أن يتصفح المرء ماجاء في محتوى الورقة المنسوبة إليه، يجدها مركبة على بعضها من بعض الأسطر المترامية على بعض صفحات كتاب الفتاوى للإمام، فيعلم حينها أن الأمر لاعلاقة له بدين ولا أخلاق، وإلا كيف تركب الكلمات والأسطر، ليقال هذا حلال وهذا حرام.
4. سيدنا صاحب المعيار
تعمّد أصحاب محاربة قراءة القرآن جماعة، الاعتماد على كتاب المعيار، لسيدنا الونشريسي، رضي الله عنه، واقتطفوا منه مقتطفا يؤيد مسعاهم.
وحين تعود للمعيار تجد صاحبه يثني على قراءة القرآن جماعة في الشطر الأول من الفتوى، ثم يعاتب على أهل القرآن بعض الصفات والهيئات، فتعمّدوا إخفاء الجزء الأول الداعي إلى قراءة القرآن جماعة، وأظهروا الشطر الثاني الداعي لتصحيح كيفيات معينة، وأخذت على أن صاحب المعيار يكره قراءة القرآن جماعة، وهو براء مما قيل في شأنه.
إذن المسألة لاعلاقة لها بدين ولا أخلاق، وإلا كيف يمحى شطر ويظهر شطر ليقال هذا حلال وهذا حرام.
5. عجائب وغرائب
مازلت أتساءل، لماذا كل الوسائل لحفظ وتعليم القرآن مباحة مسموحة باستثناء قراءة القرآن جماعة؟ ..
فالسماع عبر المحمول، والقرص المضغوط، وقرص الموضة، والقنوات الأرضية والفضائية، والإذاعة عبر الرائي، وعبر المذياع، وعبر مذياع السيارة، ومذياع المحمول، كلها مباحة إلا قراءة القرآن جماعة، مايوحي أن المسألة لاعلاقة لها بالقراءة، بقدر مالها علاقة بحقد دفين تجاه كل ماهو أصيل.
6. القرآن بين الوسيلة والغاية
حينما أمر رب العزّة عباده بالإنصات للقرآن الكريم وقال: "وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ"،الأعراف - الآية 204، لم يطلب من عباده الإنصات إلى طريقة دون أخرى. لماذا إذن تحرم قراءة القرآن جماعة؟، ويباح الإنصات لما دونها؟.
إن قراءة القرآن جماعة لاتعدو كونها وسيلة من الوسائل، وليست غاية بحد ذاتها. لماذا تحارب وسيلة بذاتها ويترك العنان لما دونها من الوسائل. فنحن نعبد الله بالقرآن أولا ونعتبره غاية بحد ذاته، وماعداه وسيلة من الوسيلة، لايحارب لذاته ولايمدح لذاته.