كيف ندرك ليلة القدر؟ (ليلة بالعمر كله)
العناصر:-
أ- المقدمة ب- لماذا سميت بليلة القدر؟
ج- معنى ليلة القدر د- الآيات الخاصة بليلة القدر
ل- فضل ليلة القدر م- تحريها والاهتمام بها
ن- أفضل الأعمال فيها و- من يحرم خيرها
ي- علامات ليلة القدر
أ ) المقدمة:
ليلة القدر:
هي زهرة الشهر الغراء، وجائزته الحسناء، وهدية الله لعباده الأصفياء الأتقياء، من فاز بها فقد حاز الفوز كله، ومن حرمها فقد حرم الخير كله.
إذا بدا فيك كل أمر فأنت خير من ألف شهر
في ليلة ما لها صباح يذهبها منك نور الفجر
فالروح في كونها سوائي يا ليلة القدر فيك قدري
في ليلة القدر من وجودي ينزل الحق كل أمر
" إنها الليلة المختارة، والليلة الموعودة، التي تفتح فيها الأبواب، ويقرب فيها من تاب إلى الله وأناب، ولا يرد من طرق الباب، بل يسمع منه الخطاب، ويأتي على الفور الجواب، فيكتب له في هذه الليلة ما لا يدركه العقل من الثواب، فماذا أنتم فاعلون؟ "1"
- فيا ليلة القدر للعابدين اشهدي .... ويا أجساد التائبين اركعي لربك واسجدي .... ويا ألسنة السائلين جدي في المسألة واجتهدي
يا رجال الليل جدوا رب داع لا يرد
ما يقوم الليل إلا من له عزم وجد "2"
.. فيا من أضاع عمره في لا شيء، استدرك ما فاتك في ليلة القدر، فإنها تعدل العمر كله، وبين يديك الجواهر والدرر، فلا تضِع عمرك في الطين والحجر.
وليلة وصل بات منجز وعده سيرى فيها بعد طول مطال
شفيت بها أطيل غليله زمانا فكانت ليلة بليال "3"
"فليست العبرة بطول الأعمار، بل بما تحوي من الأعمال الأبرار، وليس المهم أن تمتد بك الحياة، ولكن المهم أن تملأها بالخير، ورُب لحظة واحدة من مجتهد، خيرٌ من أيام العمر كلها من غافل بليد، فاقتنص كل لحظة منها، ولا تفرط في رأس مالك فإنه لا يعوض". "4"
أما قد خصنا الله بشهر أيما شهر بشهر أنزل الرحمن فيه أشرف الذكر
وهل يشبه شهر وفيه ليلة القدر فكم من خير صح بما فيها من الخير
روينا عن ثقات أنها تطلب في الوتر فطوبى لامرىء يطلبها في هذه العشر
ففيها تنزل الأفلاك بالأنوار والبر قد قال: (سلام هي حتى مطلع الفجر)
ألا فادخروها إنها من أنفس الذخر فكم من معتق فيها من النار "5"
... فهذه ليالي رمضان الغالية قد أذنت بوداع، وتجهزت للرحيل، ولم يبق منها إلا القليل، وبين يديك هذه الليلة المباركة التي هي خير من ألف شهر.
فإذا كان عمرك قد ضاع من قبل فاستدرِكه هنا، وإن كنت محسناً فيما مضى، فزد إحساناً هنا، في ليلة واحدة، في ساعات معدودة، وأوقات محدودة، يا لكرم ربنا، ساعات ودقائق تساوي عمراً كاملاً.
فهيا ادحر شيطانك الليلة، وخذ بثأرك منه، اهدم عليه حصونه وقلاعه، اقصم ظهره، ونكس رأسه، ثم إنهم بجنة عالية وقطوف دانية، ورضوان من الله أكبر."7"
ب ) لماذا سميت بليلة القدر؟
اختلف العلماء في ذلك:
1- فقيل: لأن الله يقدر فيها كل شيء من السنة للسنة من أمور ووقائع {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}.( الدخان: 4)
2- قال ابن عباس رضي الله عنه: "يكتب من أم الكتاب في ليلة القدر ما يكون في السنة من موت أو حياة ورزق ومطر، وحتى الحُجاج، يقال: يحج فلان، ويحج فلان. "8"
3- أبو بكر الوراق: لأنه نزل فيها كتاب ذو قدر، بواسطة ملك ذي قدر، على رسول ذي قدر، لأمة ذات قدر، في ليلة ذات قدر، وهي ليلة القدر.
.. ومن لم يكن له قدر، فلا خطر يصير في هذه الليلة ذا قدر إذا أحياها. "9"
4- سهيل: لأن الله قدر فيها الرحمة على المؤمنين.
5- الخليل: لأن الأرض تضيق فيها بالملائكة.
6- البعض: لأن الله تعالى ينزل فيها الخير والبركة والمغفرة. "10"
ج ) معنى ليلة القدر:
.. وإذا كان ذلك سبب تسميتها بليلة القدر، فما معنى ليلة القدر؟
1- سيد قطب: التقدير والتدبير أو "القيمة" والمقام، وكلاهما يتفق مع ذلك الحدث الكوني العظيم، حدث القرآن والوحي والرسالة، وارتباط الأرض بالسماء. "11"
2-وقيل : العظمة والشرف، لقول الناس: "لفلان عند الأمير قدر"، أي جاه ومنزلة، ويقال: قدرت فلاناً أي عظَّمته.
ومنه قوله تعالى : )وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ( "الزمر:67" أي ما عظموه حق تعظيمه.
3- وقيل: القبول: لأن العمل الصالح يكون فيها ذا قدر عند الله لكونه مقبولاً.
4- وقيل: الضيق: لأن الأرض تضيق بالملائكة في هذه الليلة من كثرتهم."12"
د ) الآيات الخاصة بليلة القدر:
الأولى: مطلع سورة الدخان ")حم{1} وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ{2} إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ{3} فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ{4} أَمْراً مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ{5} رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{6}(. الدخان 1:6"
الثانية: سورة القدر: )إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ{1} وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ{2} لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ{3} تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ{4} سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ{5}(
سبب نزول سورة القدر:
1- عن مجاهد أن النبي (r) ذكر رجلاً من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر، فتعجب المسلمون من ذلك، فأنزل الله عز وجل هذه السورة.
2- قيل: إن رسول الله (r) ذكر أربعة من بني إسرائيل عبدوا الله ثمانين سنة، لم يعصوا الله فيها طرفة عين، فتعجب الصحابة من ذلك فنزلت. "13"
- فتأمل معي هذه الليلة لم يقمها عند الله أفضل من ذلك الرجل المجاهد وهؤلاء العباد.
ل) فضل ليلة القدر:
لا خلاف أن ليلة القدر أفضل أيام السنة على الإطلاق.
فعن كعب: "أن الله اختار الساعات فاختار ساعات أوقات الصلاة، واختار الأيام فاختار يوم الجمعة، واختار الشهور فاختار شهر رمضان، واختار الليالي فاختار ليلة القدر فهي أفضل ليلة في أفضل شهر. "13"
- وفضل ليلة القدر على سائر الليالي كفضل صلاة الفرض على النافلة. "14"
- فليلة القدر في فضلها وعظمتها تفوق في حقيقتها إدراك البشر، مصداقاً قول الله تبارك وتعالى )وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ((القدر: 2 )
1- نزول القرآن الكريم: أول ما نزل القرآن على قلب الرسول (r) في ليلة القدر ليكون معجزته الكبرى )إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ{3}("الدخان:3"
)إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ{1}(. "سورة القدر:1"
- فهي ليلة الاتصال المطلق بين الأرض والملأ الأعلى، ليلة بدء نزول القرآن على قلب محمد (r)، ليلة ذاك الحدث العظيم، الذي لم تشهد الأرض مثله، وفي دلالته، وفي آثاره في حياة البشرية جميعاً. "16"
- فهو المعجزة الخالدة، كلام الله للبشرية، دستور السماء للأرض، الذي لا تنتهي عجائبه ولا يخلق على كثرة الرد، والذي لما انتهى من سماعه الكفار قالوا: "إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه يعلو ولا يعلى عليه، ولما انتهت من سماعه الجن قالوا: "قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً {1} يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً {2}(الجن 1،2)
2- ليلة مباركة: )إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ( الدخان:3
- فهي مباركة لكثرة خيرها فضلاً، وجليل ما يعطي الله من قامها إيماناً واحتساباً من الخير الكثير والأجر الوفير .
3- فيها يفرق كل أمر حكيم: تُكتب فيها الآجال والأرزاق من السنة للسنة، ترى لو كتبت أسماؤنا من أموات هذا العام ماذا نفعل؟ هل ننام؟ هل نلعب؟ هل نعصِ الله؟
4- خير من ألف شهر: أي83 سنة و4 شهور لمن قامها، وعبد الله فيها حق العبادة، فليلة القدر عند المحبين ليلة الحظوة بأنس مولاهم وقربه، وإنما يفرون من ليالي البعد والهجر.
- كان ببغداد موضعان يقال لأحدهما "دار الملك، والأخرى دار القطيعة".
فجاز بعض العارفين بملاح في سفينة فقال له: "احملني معك إلى دار الملك".
فقال له الملاح: ما أقصد إلا القطيعة، فصاح العارف: لا...بالله لا... بالله منها أفر.
وليلة بت بأكفانها تعدل عندي ليلة القدر
كانت سلاماً لسروري بها بالوصل حتى مطلع الفجر "17"
5- نزول الملائكة فيها:
)تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ{4}( "القدر4"
" الحكمة من نزول الملائكة في هذه الليلة ومعهم جبريل عليه السلام.
1- قال ابن كثير: "كثرة بركتها والملائكة يتنزلون مع تنزل البركة والرحمة كما يتنزلون عند تلاوة القرآن ويحيطون بحلق الذكر، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم بصدق تعظيماً له. "18"
2- وقيل: إن الملوك والسادات لا يحبون أن يدخل دارهم أحد حتى يزينوا دارهم بالفرش والبسط، ويزينوا عبيدهم بالثياب والأسلحة، فإذا كانت ليلة القدر أمر الرب تبارك وتعالى الملائكة بالنزول إلى الأرض، لأن العباد زينوا أنفسهم بالطاعات و بالصوم والصلاة في ليال رمضان، ومساجدهم بالقناديل والمصابيح فيقول الرب تعالى: أنتم طعنتم في بني آدم وقلتم: )أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا( فقلت لكم: "إني أعلم ما لا تعلمون" اذهبوا إليهم في هذه الليلة حتى تروهم قائمين ساجدين راكعين، لتعلموا أني اخترتهم على العالمين" "19" 6
6- ليلة القدر:
.. هي ليلة السلام، والله هو السلام، والجنة هي دار السلام، وتحية أهلها السلام"
وديننا الإسلام ويشيد بالسلام، ويقر على الأرض السلام، وينزل في موكب من الملائكة يحدوه ويحف به السلام، وتحيتنا فيما بيننا السلام، ويوم نلقى ربنا السلام، وختام صلواتنا ومناجاتنا السلام، وربنا الملك القدوس الذي أعد للصالحين من عباده دار السلام، وديننا السلام، ومادته السلام )فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ{89}( "الزخرف:89"
نسأل الله أن يمن علينا بالسلام، وأن يسكننا دار السلام.
عن الحسن قال: إذا كانت ليلة القدر لم تزل الملائكة تخفق بأجنحتها بالسلام من الله والرحمة من لدن صلاة المغرب إلى صلاة الفجر.
- عن منصور بن زاذان قال: تنزل الملائكة من تلك الليلة حتى تغيب الشمس، إلى أن تطلع الغد يمرون على كل مؤمن يقولون: السلام عليك يا مؤمن". "21"
7- مغفرة للذنوب:
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (r) "من قام ليلة القدر إيماناً وإحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" البخاري
8- العتق من النار:
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله (r) :
"... وذلك أن لله في رمضان عتقاء من النار وذلك في كل ليلة" الترمذي والبيهقي وابن ماجه .
م) تحريها والاهتمام بها:
لذلك من أجل فضلها العظيم أوصى النبي (r) أن نتحرى ليلة القدر.
فعن الزبير وعائشة رضي الله عنها أن النبي (r) قال: "تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان" البخاري ومالك
... وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "اطلبوا ليلة القدر وما كتب لكم من الثواب فيها إن وجدتموها" "22"
ولذلك كان السلف رضوان الله عليهم يهتمون بها.
قال ابن جرير: كانوا يستحبون أن يغتسلوا كل ليلة من ليال العشر الأواخر.
- وكان النخعي يغتسل في العشر كل ليلة.
- وكان تميم الداري له حلة اشتراها بألف درهم، كان يلبسها في الليلة التي يرجى أنها ليلة القدر. "23"
- وكان ثابت البناني وحميد الطويل يلبسان أحسن ثيابهما، ويتطيبا، ويطيبون المسجد بالنضوح والدخنة في الليلة التي ترجى فيها ليلة القدر
- وكان ابن عمر رضي الله عنها يقول: "الله أحق أن يتزين له" .
# تزين الظاهر والباطن:
وروي عن ابن عمر أيضاً مرفوعاً: "ولا يكتمل التزين بالظاهر إلا بتزين الباطن".
تزيين الظاهر نعرفه، أما تزيين الباطن فيتم بالتوبة والإنابة إلى الله تعالى، وتطهيره من أدناس الذنوب وأوضارها، فإن زينة الظاهر مع خراب الباطن لا تغنِ شيئاً ، قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} (الأعراف:26).
إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى تقلب عرياناً وإن كان كاسياً
ولا يصلح لمناجاة الملك في الخلوات إلا من زين ظاهره وباطنه، وطهرهما خصوصاً لملك الملوك الذي يعلم السر وأخفى، وهو لا ينظر إلى صوركم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم، فمن وقف بين يديه فليزين له ظاهره باللباس وباطنه بلباس التقوى".(24)
ن- أفضل الأعمال فيها:
حتى أحصل على هذا الأجر العظيم، هناك أعمال مفضله في هذه الليلة منها:-
1- تفطير صائم:
.. عن سلمان رضي الله عنه مرفوعاً: "من فطر صائماً في شهر رمضان من كسب حلال صلت عليه الملائكة ليالي رمضان كلها وصافحه جبريل ليلة القدر، ومن صافحه جبريل يرق قلبه وتكثر دموعه" الطبراني وفيه ضعف
.. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله (r): "من فطر صائماً كان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيئاً". الطبراني، أحمد، صحيح
2- الدعاء:
.. الإكثار من الدعاء في هذه الليلة.
يقول سفيان الثوري: الدعاء في هذه الليلة أهم من أي عبادة لأن الدعاء فيها مستجاب.
- أفضل الدعاء...
لذلك لما سألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها رسول الله (r) وقالت: "أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول؟ قال قولي: (اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني) الترمذي، ابن ماجة، أحمد
لماذا الدعاء بالعفو؟
1) لأن الله العفو يعفو دون أن يسأل فكيف لو سئل!
2) لأن فيه إيماءً إلى أهم المطالب – انفكاك الإنسان من تبعات الذنوب، وطهارته من دنس العيوب، فإنه بالطهارة من ذلك يتأهل للانتظام في سلك حزب الله، وحزب الله هم المفلحون" "25"
3) لأن العفو من أسماء الله تعالى، وهو يتجاوز عن سيئات عباده، الماحي لآثارها، وهو يحب العفو فيحب أن يعفو عن عباده، ويحب من عباده أن يعفو بعضهم عن بعض، فإذا عفا بعضهم عن بعض عاملهم بعفوه، وعفوه أحب إليه من عقوبته"
4) لما عرف العارفون بجلاله خضعوا، ولما سمع المذنبون بعفوه طمعوا، ولولا طمع المذنبين في العفو لاحترقت قلوبهم باليأس من الرحمة، ولكن إذا ذكرت عفو الله استروحت إلى برد عفوه.
كان بعض المتقدمين يقول في دعائه: "اللهم إن ذنوبي قد عظمت فجلت عن الصفة، وإنها صغيرة في جنب عفوك فاعف عني"(26)
5) ولأن العارفين يجتهدون في الأعمال ثم لا يرون لأنفسهم عملاً صالحاً ولا حالا ولا مقالا فيرجعون إلى سؤال العفو كحال المذنب المقصر.
قال يحيى بن معاذ: ليس بعارف من لم يكن غاية أمله من الله العفو.
إن كنت لا أصلح للقرب فشأنك عفو عن الذنب
وكان مطرف بن العبد يقول: اللهم ارض عنا، فإن لم ترض عنا فاعف عنا، ومن عظمت ذنوبه في نفسه لم يطمع في الرضا، وكان غاية أمله أن يطمع في العفو.
يا رب عبدك قد أتاك وقد أساء وقد هفا
يكفيه منك حياؤه من سوء ما قد أسلفا
حمل الذنوب على الذنوب الموبقات وأسرفا
وقد استجار بنيل عفوك من عقابك ملحفاً
رب اعف وعافه فلأنت أولى من عفا "28"
"يا عفو عفوك، وفي المحيا عفوك، وفي الممات عفوك، وفي القبور عفوك، وعند النشور عفوك، وعند تطاير الصحف عفوك، وعند ممر الصراط عفوك، وعند الميزان عفوك، وفي جميع الأحوال عفوك، يا عفو عفوك".
3- التذلل على أعتاب باب الله:
...فلنتذلل لله في هذه الليلة لعل الله يطلع علينا فيقول: "قوموا قد غفرت لكم".
فرياح هذه الأسحار تحمل أنين المذنبين، وأنفاس المحبين، وقصص التائبين، ثم تعود برد الجواب بلا كتاب، ...ولو قام المذنبون في هذه الأسحار، على أقدار الانكسار، ورفعوا قصص الاعتذار، مضمونها "يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا "لبرز لهم التوقيع عليها.. لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين.
أشكو إلى الله كما شكي أولاد يعقوب إلى يوسف
قد مسني الضر وأنت الذي تعلم حالي وترى موقفي
بضاعتي المزجاة محتاجة إلى سماح من كريم وفي
فقد أتى المسكين مستمطراً جودك فارحم ذله واعطف
فأوف كيلي وتصدق على هذا الفقير البائس الأضعف"29"
فائدة التذلل :-
جاء في الأثر: إذا جن الليل وهدأت العيون، وخلا كل خليل بخليله، وافترش أهل المحبة أقدامهم بين يدي مليكهم في مناجاته، ورددوا كلامه بأصوات محزونة، وجرت دموعهم على خدودهم، وتقطرت في محالهم خوفاً وإشتياقاً، فأشرف عليهم الجليل جل جلاله، فنظر إليهم فأمدهم محبة وسروراً، فقال لهم: "أحبابي والعارفين بي، اشتغلوا بي وألقوا عن قلوبكم ذكر غيري، أبشروا فإن لكم عندي الكرامة والقربة يوم تلقونا، فينادي الله جبريل: يا جبريل بعيني من تلذذ بكلامي واستراح إلي وأناخ بفنائي، وإني لمطلع عليهم في خلواتهم أسمع أنينهم وبكاءهم، وأرى تقلبهم واجتهادهم، فناد فيهم يا جبريل: ما هذا البكاء الذي أسمع؟ وما هذا التضرع الذي أرى منكم؟
- هل سمعتم أو أخبركم عني أحد أن حبيبا يعذب أحباءه، أو ماعلمتم أني كريم، فكيف لا أرضى؟ أيشبه كرمي أن أرد قوماً قصدوني؟ أم كيف أذل قوماً تعزوا بي؟ أم كيف أحجب رحمتي؟ أم كيف يمكن أن يبيت قوم تملقوا لي وقوفا على أقدامهم، وعند البيات أخذلهم؟ أم كيف يجمل بي أن أعذب قوماً إذا جنهم الليل تملقوني؟ وكيفما كانوا انقطعوا إلي وإسترحوا إلى ذكري، وخافوا عذابي، وطلبوا القربة عندي، فقد حلفت لأرفعن الوحشة عن قلوبهم، ولأكونن أنيسهم حتى يلقوني، فإذا قدموا إلي وأنظر إليهم، ثم لهم عندي ما لا يعلمه غيري"30"
اللهم إنا قد وقفنا عند بابك سائلين، ولمعروفك طالبين، فلا تردنا خائبين، لا تردنا إلا وقد غفرت لنا.
4) الصلاة في جماعة:
- عن سعيد بن المسيب قال: من شهد ليلة القدر يعني في جماعة، فقد أخذ بحظه منها "الموطأ"
- وعن الإمام الشافعي في القديم: من شهد العشاء والصبح ليلة القدر فقد أخذ بحظه منها. "31"
5) أن تأخذ بأيدي شخص أو أكثر ليقوموا ليلة القدر
فتأخذ ثواب أكثر من ليلة القدر. فعن أبي مسعود الأنصاري قال: قال (r): من دل على خير فله مثل أجر فاعله" البخاري في الأدب المفرد،أحمد
6) أصحاب الأعذار:
حتى أصحاب الأعذار كالمريض والمسافر والحائض والنفساء لهم في ليلة القدر نصيب.
- قال حويبر: قلت للضحاك: "أرأيت النفساء والحائض والمسافر والنائم لهم في ليلة القدر نصيب"
.....قال: نعم كل من تقبل الله عمله سيعطيه نصيبه من ليلة القدر."32"
و) من يحرم الخير منها:
- لكن رغم فضل ليلة القدر العظيم هناك بعضٌ من الناس قد حرموا خيرها وفضلها وهم:-
(الغافل – المشاحن – مدمن الخمر – العاق لوالديه – قاطع الرحم).
- فعن عبادة بن الصامت قال: "خرج نبي الله (r) يخبرنا بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين، قال: خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين فلان وفلان فرفعت وعسى أن يكون خيراً لكم. البخاري
- وفي حديث للبيهقي: نظر الله إليهم في هذه الليلة فعفا عنهم، وغفر لهم إلا أربعة فقلنا: يا رسول الله من هم؟ قال: - رجل مدمن خمر – عاق لوالديه – قاطع رحم – ومشاحن –" شعب الإيمان وفيه ضعف
- فإذا أردنا أن ننال ثواب ليلة القدر فعلينا أن نتخلص من هذه العيوب حتى ينظر إلينا علام الغيوب، فيمح الذنوب، ويستر العيوب.
ي) علامات ليلة القدر:
- ومن علامات ليلة القدر كما قال (r): أنها تصبح من ذلك اليوم تطلع الشمس ليس لها شعاع.
- قال أيضاً: عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي (r): إن أمارة ليلة القدر أنها صافية بلجة، كأن فيها قمراً ساطعاً ساكنة سحبه، لا برد فيها ولا حر، ولا يحل لكوكب يرمي به فيها حتى يصبح، وأن أمارتها أن الشمس صبيحتها تخرج مستوية ليس لها شعاع مثل القمر ليلة البدر، ولا يحل لشيطان أن يخرج معها يومئذ. "أحمد باسناد حسن"
... اللهم بلغنا ليلة القدر وأعطنا أجرها وفضلها واجعل أجرنا فيها مغفرة الذنوب والعتق من النار. اللهم أمين
وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
فهرس المصادر والمراجع
(1) من الطارق – خالد أبو شادي ص42
(2) لطائف المعارف1 – 1/257 – الحافظ ابن رجب.
(3) المصدر السابق
(4) من الطارق ص43
(5) لطائف المعارف
(6) خواطر رمضانية – حسن البنا ص177
(7) من الطارق ص43
(8) رسالة في أسس العقيدة ص119، أعلام السنة المنشوري ص195، حافظ بن أحمد الحكيمي
(9) روح المعاني في تفسير القرآن العظيم – الألوسي (23/42)
(10) رمضان وإلى ربك فارغب – بلال وهب ص 54، 55
(11) في ظلال القرآن – سيد قطب
(12) تفسير البغوي 8/842
(13) شعب الإيمان – البيهقي 8/180
(14) تفسير الألوسي – 23/62
(15) الفصل في الملل والأهواء والنحل – 4/91 – على بن حزم
(16) في ظلال القرآن
(17) لطائف المعارف – 1/257
(18) تفسير ابن كثير 4/502
(19) لطائف المعارف 1/257
(20) خواطر رمضانية - حسن البنا ص175
(21) الحبائك في أخبار الممالك 1/28 – خيري الدين السيوطي
(22) المفصل في الرد على شبهات أعداء الإسلام – 7/204 على بن نايف الشحود
(23) الطبقات الكبرى – الشكراني
(24) لطائف المعارف 1/257
(25) الموسوعة الفقهية الكويتية 2/14058
(26) لطائف المعارف (1/28)
(27) نفس المصدر
(28) فضائل الأوقات – أحمد بن الحسين البيهقي
(29) لطائف المعارف (1/228 )
(30) حليه الأولياء
(31) لطائف المعارف
(32) المصدر السابق 1/257
وسوم: العدد 674