مرحبا أيام شهر شعبان
شريف قاسم
يقول الله عزَّ وجلَّ : ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ، فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ، وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ، يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ، وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ... ) 185/ البقرة .
يترقب المسلمون في هذه الأيام المباركات من شهر شعبان هلال شهر رمضان المبارك ، شهر الخير والرحمة والفتح ، ليسألوه سبحانه الأمنَ والإيمان والسلامة والإسلام ، وما أجلها حين ترتفع بها الأيدي الطاهرات المتوضئات ، فهي عنوان الحياة الكريمة ، ومُبتغى المسلمين في عالم الأكدار والفتن ، ولعلنا نشاهد ونسمع مايقوم به الفاسقون المفسدون من تهيئة لبرامج شيطانية ومسلسلات فجور ، يقولون إنها بمناسبة الشهر الكريم ، فلا أكرمهم الله ولا وفقهم على هذا الاستهتار بدين الله ، وبجلال شهر القرآن ، وجمال مناجاة الرحيم الرحمن في لياليه التي تعبق بأطياب جنَّات الخلود ، ويبقى المسلم الراجي رحمة ربِّه ناظرا إلى الأفق ، فإذا ما رأى هلال شهر الصوم لهج لسانه مرددا : (اللهم أهلَّهُ علينا باليُمن والإيمان، والسلامة والإسلام، ربي وربك الله ) كما علَّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهو يعلم علم اليقين بأن شهر رمضان هو شهر العبادة والإقبال على الله ، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : (قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه البخاري ومسلم . وأن هذا الشهر هو شهر المساجد والقرآن والاعتكاف ، شهر صلاة التراويح ، فيجد المسلم الصائم لذَّتَه الروحية وهو يسير في الليل والنهار يلبي نداء الحق إلى بيوت الله ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلاً في الجنة كلما غدا أو راح ) رواه البخاري ومسلم . إن خطوات المسلم الصائم إلى بيوت الله لهي تأكيد على محبة العبد لبارئه ، ولنبيِّه صلى الله عليه وسلم ، فهو يقوم بأوامر الله ، ويعمل بسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم إيمانا منه بأن الله يقبل عباداته ، وقد أحسن الظن بربِّه ، وفي الحديث : (أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا دعاني ) رواه البخاري ومسلم . ففي رمضان يستنفر المسلم همَّتَه ، ويهجر زخارف الدنيا ومغرياتها ، مشمرا عن ساعد الأعمال الصالحات آناء الليل وأطراف النهار ، مقتفيا طريق نبيِّه الحبيب صلى الله عليه وسلم ، وهو المثل الأعلى للعابدين ، فإذا ما دخل العشر أحيا ليله، وأيقظ أهله، وشد مئزره ) رواه البخاري ومسلم . وهكذا يرى المسلم الصائم منهج نبيِّه صلى الله عليه وسلم في عبادته ، يبحث عن ساعات الرحمة الربانية ، وعن نفحات الرضوان في كل ليلة ، وعند كل إفطار ، فإذا ماحلَّت العشر الأواخر ضاعف اجتهاده ليدرك ليلة القدر ، وما أدراك ما ليلة القدر ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه ) رواه البخاري ومسلم .
ولنا أن نضع بين أيدينا تلك الأعمال المباركات في هذا الشهر الكريم ، لكيلا يفوتنا الأجر ، ولا تضيع منا فرصة الشهر ، فمن ذلك تعجيل الفطر والدعاء عنده ، ففي ذلك خير كثير وأجر جزيل ورضوان من الله . يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ) رواه البخاري ، وأما الدعاء وما أشد حاجتنا إلى الدعاء والالتجاء إلى الله في هذه الأيام التي تلاقي فيها الأمة من الشدائد والمكائد ما لايعلمه إلا الله
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن للصائم عند فطره دعوة لا ترد ). فَلْيَجْهلْها الصائم له ولأهله ولأمته
، وما أجمل أن يردد الصائم قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم : (ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله تعالى ) رواه أبو داود والدارقطني والحاكم
ولا يخفى على المسلم حرصه على تناول طعام السحور ففيه بركة ، والإكثار من الصدقات ، وما أكثر المحتاجين في هذه الأيام العصيبات للمال وللطعام وللباس ، وقيامه بأداء العمرة فإنها تعدل حجة بإذن الله ، وأن يعتكف ولو لفترة ، ولا ينسى زكاة الفطر فهي طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين ، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وربما ينصرف بعض الناس عن هذه القيم وهذه الأجواء السامية إذا ما انقضى شهر رمضان ، ولكن الإسلام يريد الكمال للمسلم ، ففتح له باب التواصل مع الله ، فإذا مانتهى شهر الصوم ذكَّره بصيام ست من شوَّال ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان وأتبع ستًّا من شوال كان كصوم الدهر ) رواه البخاري ومسلم.
إن العبادة الدائمة من صلاة وصيام وتلاوة قرآن وغيرها هي من الرباط في سبيل الله ، وهؤلاء المرابطون هم أهل الرضوان الإلهي والنفحات الغيبية ، والفرد المسلم بحاجة إلى رحمة الله ، والأمة ( اليوم ) بحاجة إلى رحمة الله ولطفه ونصره ، ومما لاشك فيه أن الله يرحم هذه الأمة إذا ماتاب أبناؤُها وأخذوا بأسباب نزول الرحمات ، لقد جاء في الحديث عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : كنا في غزوة مع النبي صلى الله عليه وسلم وإذا بامرأة من السبي تبحث عن طفل لها رضيع فوجدته بعد عناء ومشقة فضمته إلى صدرها وأرضعته من لبنها ، وبدأت تغدق عليه من حنانها فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه : ( أترون هذه طارحة ولدها في النار ) فقالوا : لا والله يا رسول الله ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( الله أرحم بعباده من هذه بولدها ) .
لايماري عاقل في أن الأمة اليوم مستهدفة في دينها وقيمها ووجودها ، وقدوم شهر الهدى والفتح والفرقان ، شهر الانتصارات التي لاينساها تاريخنا المجيد فرصة مواتية ، ونفحة من نفحات الله تغمر صدور المؤمنين بالثقة والعزة ، لتوحيد الصفوف ، ومجابهة الأعداء ، وسيزول الكرب ، ويتلاشى العسر بمشيئة الله تبارك وتعالى ، ألا فليستنكر أهل الإيمان هذا الفساد المستشري ، وهذا العبث الشيطاني الذي أباح المحرمات ، ونشر المنكرات ، وجاء بالويل والثبور على الأمة ، إنه الشر الذي يتربص بالأمة ، وقد حذَّر منه رسول الله فعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ ( لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا ) قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ قَالَ : (نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ ) رواه البخاري . وهل الخبث إلا مانشاهده اليوم من فجور وسفور وخمور ، ومن هذه المنكرات التي عصفت بكل قيم الشرف والكرامة والخير ؟! إنا لله وإنا إليه راجعون ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .