همسات من سورة الأنعام ...
سورة الأنعام نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم كما قالت إحدى الصحابيات رضوان الله عليهن نزلت جملة وأنا أخذة بزمام ناقته صلى الله عليه وسلم وكادت من ثقلها أن تكسر عظام الناقة .
وعن ابن عباس قال : نزلت الأنعام بمكة وحولها سبعون ألف ملك يجأرون بالتسبيح
وعن أنس بن مالك قال : قال عليه السلام نزلت سورة الأنعام ومعها موكب من الملائكة سد مابين الخافقين ، لهم زجل بالتسبيح ، والأرض بهم ترتج ، ورسول الله عليه السلام يقول سبحان الله العظيم ، سبحان الله العظيم
هذا الموكب وهذا الارتجاج واضح في السورة .
وعن ابن مسعود قال ، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام ( من صلى الفجر في جماعة وقعد في مصلاه ، وقرأ ثلاث آيات من سورة الأنعام ، وكَّل الله به سبعين ملكا يسبحون الله ويستغفرون له إلى يوم القيامة )
- هذه السورة العظيمة عدد آياتها ١٦٥ ، فيها آية تبدأ بقوله تعالى ( قل تعالوا أتلُ ماحرم ربكم عليكم ) :
١ - ( ألا تشركوا به شيئا ) :
إنها القاعدة التي يقوم عليها بناء العقيدة ، وترجع إليها التكاليف والفرائض ، وتستمد منها الحقوق والواجبات ، القاعدة التي يجب أن تقوم أولا قبل الدخول في التشريع والأحكام ، يجب ابتدءا أن يعترف الناس بربوبية الله وحده في حياتهم ، ولا يشركون معه أحدا في الالوهية .
إنها تنقية الضمير من أوشاب الجاهلية ، وتنقية العقل من أوشاب الخرافة ، وتنقية المجتمع من تقاليد الجاهلية ، وتنقية الحياة من عبودية العباد للعباد
إن الشرك في كل صوره هو المحرم الأول ، لأنه يجر إلى كل محرم ، وهو المنكر الأول حتى يعرف الناس أنه لا إله إلا الله ، ولا رب لهم إلا الله ، ولا حاكم إلا الله ، ولا مشرّع لهم إلا الله ،
فالله سبحانه وتعالى يأمر بعبادته وحده لا شريك له ، المنعم المتفضل على خلقه ، المستحق منهم أن يوحدوه ولا يشركوا به شيئا .
٢ - ( وبالوالدين إحسانا ) :
أي حرّم عليكم العقوق ، وأوصاكم أن تحسنوا لهم إحسانا ، وعدم التضجر من صُحبتهما ، وحسن مخاطبتهما ، إن رفع الصوت في وجه الوالدين عقوق ، والدعاء لهما في حياتهما وبعد مماتهما .
٣ - ( ولا تقتلوا أولادكم من إملاق ) :
إن إسقاط الجنين بعد أربعين يوما قتل عمد ، خشية الفقر ، نهى الله عن هذه العادة الشنيعة ، وأخبر سبحانه أنه متكفل برزق الأولاد والآباء
٤ - ( ولا تقربوا الفواحش ماظهر منها ومابطن ) :
فلا يتم قيام أسرة ، ولا استقامة مجتمع في وحل الفواحش ، الظاهرة والمخفية ( كالكبر والحسد والخيانة والخديعة والنفاق ) ، فلا بد من طهارة ونظافة وعفة لتقوم الأسرة ويقوم المجتمع
والفواحش هي كل ما أفحش - أي ماتجاوز الحد - فقتل النفس فاحشة ، وأكل مال اليتيم فاحشة ، والشرك بالله فاحشة ، ولأن هذه الفواحش ذات إغراء وجب البعد عنها .
لا تقربوا : لا للنهي ، والاقتراب ممنوع سدا للذارئع ، واتقاء للجاذبية التي تضعف معها الإرادة ، لذلك كانت الحركات المثيرة والضحكات المثيرة ممنوعة في الحياة الإسلامية ، ولذا حرمت النظرة الثانية بعد الأولى .
ديننا دين وقاية قبل أن يقيم الحدود ، ويوقع العقوبات
هو دين حماية للضمائر والمشاعر والحواس والجوارح ، وربك أعلم بمن خلق وهو اللطيف الخبير
لذا كانوا مجرمين هؤلاء الذين يزينون الشهوات ، ويطلقون الغرائز من عقالها بالكلمة والصورة والقصة والفيلم ، والمعسكر المختلط ، وكما تعرف من معسكرات الفتوة في المسطومة في ظل حكم الحزب الخاين ؟؟؟
٥ - ( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ) :
يكثر في السياق القرآني مجيء النهي عن هذه المنكرات الثلاثة متتابعة : الشرك ، الزنا ، قتل النفس ، ذلك أنها كلها جرائم قتل في الحقيقة ، الأولى قتل للفطرة ، والثانية قتل للجماعة ، والثالثة قتل النفس المفردة
إن الفطرة التي لا تقوم على التوحيد فطرة ميتة ، والجماعة التي تشيع فيها الفاحشة جماعة ميتة ، منتهية حتما إلى الدمار ، والحضارة الاغريقية والرومانية والفارسية شواهد من التاريخ ، ومقدمات الدمار والانهيار في الحضارة الغربية تنبىء بالمصير المرعب ، ومن ثّم يجعل الإسلام عقوبة هذه الجرائم هي أقسى العقوبات لأنه يريد حماية مجتمعه من عوامل الدمار
٦ - ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده ) :
اليتيم ضعيف في الحياة بفقده الوالد الحامي والمربي ، حتى انتدب المولى سبحانه وتعالى يتيما كريما عليه السلام فعهد إليه بأشرف مهمة في الوجود .
لا تقربوا : لم يقل سبحانه لا تأكلوا ، إن اليتيم يحب أن لا يضيع في مجتمع المسلمين ، وشر البيوت كما قال اليتيم الأول عليه الصلاة والسلام ( بيت فيه يتيم يساء إليه ) رواه ابن ماجة
إن من أسباب ليونة القلب مسح رأس اليتيم ، وإطعامه من طعامك أعظم عبادة ، في ليلة العيد عندما تذهب بيتيم فتشتري له ثوب العيد إنك إذا من تلاميذ محمد عليه الصلاة والسلام ، إنك أقرب فهما إلى قوله تعالى ( فأما اليتيم فلا تقهر ) قال ابن كثير في تفسيره فلا تقهر أي لاتذله وتنهره وتهنه ، ولكن أحسن إليه بلطف وكن له كالأب الرحيم ، وبذلك تكون قد اجتزت العقبة ( يتيما ذا مقربة ، أو مسكينا ذا متربة )
رحم المولى صاحب الظلال وأسكنه فسيح الجنان ، قدّم رقبته لأجل نصرة هذا الدين ، وأجمل ماوجدته في ظلال السيد رحمه الله لم يقل مرة واحدة ( صلعم ) بل أوصى بكثرة رحمه الله من قول صلى الله عليه وسلم ، وهذا ماجعل في الظلال بركة ، فقد طبع حتى الآن أكثر من خمسين طبعة ، والحبل على الجرار .
( وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا )
والله أكبر والعاقبة للمتقين
وفرجك ياقدير
وسوم: العدد 682