جاء في تفسير الرازي.. وإنك لعلى خلق عظيم...
جاء في تفسير الإمام الفخر الرازي لسورة (ن) عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم العظيم، ما يأتي:
قوله تعالى: (وإنك لعلى خلق عظيم) وفيه مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أن هذا كالتفسير لما تقدم من قوله: بنعمة ربك وتعريف لمن رماه بالجنون بأن ذلك كذب، وخطأ وذلك لأن الأخلاق الحميدة والأفعال المرضية كانت ظاهرة منه، ومن كان موصوفا بتلك الأخلاق والأفعال لم يجز إضافة الجنون إليه لأن أخلاق المجانين سيئة، ولما كانت أخلاقه الحميد كاملة لا جرم وصفها الله بأنها عظيمة ولهذا قال: (قل ما أسئلكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين)، أي: لست متكلفا فيما يظهر لكم من أخلاقي لأن المتكلف لا يدوم أمره طويلا بل يرجع إلى الطبع،
وقال: آخرون:
إنما وصف خلقه بأنه عظيم وذلك لأنه تعالى قال له: (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده)، وهذا الهدى الذي أمر الله تعالى محمدا بالاقتداء به ليس هو معرفة الله ، لأن ذلك تقليد وهو غير لائق بالرسول، وليس هو الشرائع لأن شريعته مخالفة لشرائعهم ، فتعين أن يكون المراد منه: أُمِرَ عليه الصلاة والسلام بأن يقتدي بكل واحد من الأنبياء المتقدمين فيما اختص به من الخلق الكريم، فكأن كل واحد منهم كان مختصا بنوع واحد، فلما أُمِرَ محمدٌ عليه الصلاة والسلام بأن يقتدي بالكل فكأنه أمر بمجموع ما كان متفرقا فيهم، ولما كان ذلك درجة عالية لم تتيسر لأحد من الأنبياء قبله، لا جرم وصف الله خلقه بأنه عظيم،
وفيه دقيقة أخرى وهي قوله: (لعلى خلق عظيم) وكلمة (على) للاستعلاء، فدل اللفظ على أنه مستعلٍ على هذه الأخلاق ومستول عليها، وأنه بالنسبة إلى هذه الأخلاق الجميلة كالمولى بالنسبة إلى العبد وكالأمير بالنسبة إلى المأمور.
المسألة الثانية: الخلق ملكة نفسانية يسهل على المتصف بها الإتيان بالأفعال الجميلة. واعلم أن الإتيان بالأفعال الجميلة غير ، وسهولة الإتيان بها غير، فالحالة التي باعتبارها تحصل تلك السهولة هي الخلق ويدخل في حسن الخلق التحرز من الشح والبخل والغضب، والتشديد في المعاملات والتحبب إلى الناس بالقول والفعل، وترك التقاطع والهجران والتساهل في العقود كالبيع وغيره والتسمح بما يلزم من حقوق من له نسب أو كان صهرا له وحصل له حق آخر.
وسوم: العدد 701