أحكام صوم السجين
مقتطفات من كتابي: ( حقوق المسجون في الشريعة الإسلامية )
حقوق المسجون والمُهدَّد بالسَّجْن فيما يتعلق بفريضة الصوم
من حق المسجون تمكينه من صيام شهر رمضان ومعرفة أوقاته؛ وذلك ليؤدي هذه الفريضة على الوجه المشروع، والأصل في هذا قوله تعالى: ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) البقرة: ١٨٥، والخطاب عام يشمل السجين وغيره، وقد بحث الفقهاء ما يتصل بالحبس من أحكام الصوم، وبيان هذا على النحو التالي:
1ـ حق المسلم في ترك صوم الفريضة إذا هُدِّد بالحبس: ذكر الفقهاء: أن التهديد إكراه، ويكون بوعيد القادر على الفعل، بحيث يغلب على ظن المكرَه وقوع الضرر، فهل يحق للمسلم المكلف ويجوز له ترك صوم رمضان إذا هُدِّد وأُكره على ذلك بالحبس؟ للفقهاء أربعة أقوال في هذا:
القول الأول: لا يحق للمكرَه ولا يحلُ له ترك صوم الفريضة؛ لأن الحبس في حد ذاته ليس إكراهاً مُلْجئاً، وهذا قول بعض الحنفية.
القول الثاني: يحلُّ للمكرَه ويحق له ترك صوم الفريضة بالحبس ولو كان يسيراً، وهذا قول المالكية وآخرين من الحنفية.
القول الثالث: يحل للمكرَه ويحق له ترك صوم الفريضة بالحبس غير اليسير فقط، وهذا قول بعض الشافعية.
القول الرابع: ذكره الحنابلة وبعض الشافعية، ومفاده: أن المكرَه على الأكل بالحبس وغيره يحلُّ له الأكل ولا يُفطِر بهذا الأكل بل يبقى صائماً؛ لعدم وجود القصد منه، ولأن الإكراه قادح في الاختيار، فأشبه الناسي، وذلك لحديث: " تجاوز الله عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرِهوا عليه ".
واختلف الفقهاء في تحديد الحبس غير اليسير، فقال بعضهم: ما كان ثلاثة أيام فأكثر. وقالت طائفة: ما كان أكثر من يوم. وقالت آخرون: ما كان يوماً واحداً؛ وذلك لما أحدثوه في السجون من أذى.
2ـ حق المسجون في معرفة أوقات الصوم كشَهْرِه ونَهَارِه: قدَّر الشارع أوقاتاً للصيام ينبغي وقوعه فيها، قال الله تعالى: ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) البقرة: ١٨٥، وقال أيضاً: ( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ) البقرة: ١٨٧، وجاء في الحديث الشريف الذي رواه البخاري: " إذا أقبلَ الليلُ من ها هنا، وأدبرَ النهارُ من ها هنا، وغابت الشمس، فقد أفطر الصائم "، ومن حق المسجون معرفة هذه الأوقات ليتمكن من أداء الفريضة على الوجه المشروع، وإذا كان كذلك، فماذا يصنع السجين إذا اشتُبه عليه شهرُ رمضان، أو اشتُبه عليه نهارُه بليله؟
أ ـ صوم المسجون أو الأسير إذا اشتُبه عليه شهرُ رمضان: للفقهاء قولان في ذلك:
القول الأول: لا يجب عليه الصوم، ومن حقه الإفطار؛ لأن الله تعالى علَّق الصوم على شهادة الشهر ولم تقع، فلا يكلَّف المسجون أو الأسير بما استحال عليه، فإن صام فلا اعتداد بصومه لعدم التكليف، سواء عرف بعدئذ أنه وافق وقت شهر رمضان أو لم يوافقه، وهذا قول الظاهرية.
القول الثاني: لا يسقط الصوم عمن اشتُبه عليه شهرُه، وليس من حقه إفطاره؛ وذلك لبقاء التكليف وتوجُّه الخطاب إليه، فإن أخبره ثقة بدخوله عن مشاهدة أو عِلْم وجب العمل بخبره، وليس له أن يأخذ باجتهاده، بل يجتهد هو في معرفة دخول الشهر، وهذا قول الجمهور، ولا يخلو الأمر من خمس أحوال من حيث استمرار الإشكال أو عدم استمراره، وهل يجب عليه الصيام أو لا إذا زال الإشكال وتبيَّن أنه صام قبله أو بعده؟ بيان هذه الأحوال فيما يلي:
الحال الأولى: استمرار الإشكال وعدم انكشافه، بحيث لا يعلم أن صومه صادف رمضان، فهذا يجزئه صومه ولا إعادة عليه في قول الحنفية والشافعية والحنابلة، وهو المعتمد عند المالكية؛ لأنه بذل وسعه ولا يكلف بغير هذا؛ للآية: ( فاتقوا الله ما استطعتم ) التغابن: ١٦.
الحال الثانية: ولها وجهان:
الوجه الأول: إذا وافق صومه ما قبل رمضان وتبين له ذلك ولمَّا يأتِ رمضان، فيلزمه صومه إذا جاء بلا خلاف؛ لتمكُّنه منه في وقته.
الوجه الثاني: إذا وافق صومه ما قبل رمضان ولم يتبيَّن له ذلك إلا بعد انقضائه، فللعلماء فيه قولان:
القول الأول: يجزئه عن رمضان، كما لو اشتبه على الحجاج يوم عرفة فوقفوا قبله، وهذا قول بعض الشافعية.
القول الثاني: لا يجزئه بل يجب عليه قضاء رمضان، وهذا مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة والمعتمد عند الشافعية.
الحال الثالثة: أن يوافق صوم السجين شهر رمضان، فيجزئ ذلك عند جميع الفقهاء لإجماع السلف، وقياساً على من اجتهد في معرفة القِبلة ووافقها، وقال بعض المالكية: لا يجزيه لقيامه على الشك، والمعتمد الأول.
الحال الرابعة: إذا وافق صوم السجين ما بعد رمضان، فيجزئه عند جميع الفقهاء، إلا بعض المالكية؛ لما تقدم آنفاً.
واختلف القائلون بالإجزاء: هل يكون صومه أداء، أو قضاء؟ وجهان. وأضافوا: أنه إن وافق صومه أياماً يَحرم صومها كالعيدين والتشريق يقضيها .
الحال الخامسة: أن يوافق صوم السجين بعض رمضان دون بعض، فما وافق رمضان أو بعده أجزأه، وما وافق قبله لم يجزئه، ويراعَى في هذا أقوال الفقهاء المتقدمة.
ب ـ صوم المسجون أو الأسير إذا اشتُبه عليه نهار رمضان بليله: قال النووي: هذه مسألة مهمة قلَّ من ذكرها، وفيها ثلاثة أوجه:
الأول: يصوم ويقضي لأنه عذر نادر.
الثاني: لا يصوم لأن الجزم بالنية لا يتحقق مع جهالة الوقت.
الثالث: يتحرى ويصوم ولا يقضي إذا لم يظهر له خطؤه فيما بعد، وهذا هو الراجح.
وقال النووي أيضاً: يجب القضاء على السجين الصائم بالاجتهاد إذا صادف صومه الليل ثم عرف ذلك فيما بعد، وهذا ليس موضع خلاف بين العلماء؛ لأن الليل ليس وقتاً للصوم كيوم العيد.
أسأل الله في هذا الشهر الكريم الفرج للسجناء المظلومين وأن يردهم إلى أهلهم سالمين.
وسوم: العدد 722