دروس في فقه الجهاد والقيادة الراشدة 18
دروس في فقه الجهاد والقيادة الراشدة
أُلَّيـْـس ونهر الدَّمْ ( 18 )
د. فوّاز القاسم / سوريا
وصلت أخبار هزيمة الفرس في الولجة إلى المدائن ، فكتب ملكها ( أردشير ) إلى بهمن جاذويه ، وكان لا يزال في سواد العراق ، أن يتحرّك إلى ( أُلَّيْس ) ويجمع فيها فلول المنهزمين ، بالإضافة إلى ما يمكنه جمعه من أهل السواد ، فقدّم بهمن مقدّمته وعليها ( جابان ) وأمره بالإسراع إلى أُلَّيس ، وهي مدينة على صلب الفرات من ناحية البادية ، بينما توجّه هو شمالاً إلى المدائن لمقابلة أردشير في أمور أراد أن يحدّثه فيها ، فوجده مريضاً ، فاتّخذها حجّة للبقاء إلى جانبه ، وترك جابان لمصيره المحتوم أمام أسطورة الحروب خالد ( رض ) .!
كان ذلك في أواخر صفر سنة ( 12 هجري ) ، الموافق لأوائل أيار سنة ( 633 م )
أما خالد ( رض ) فقد كان يرقب كلّ هذه التطورات بعين الصقر ، فلما علم بتجمعهم في أُلَّيس وثب عليهم وثوب الأسد ، فما راعهم وهم على موائد الغداء ، إلا وخالد ومن معه من أسود الإسلام يركبون أكتافهم ، ويعملون السيوف في رقابهم ، فأسقط في أيديهم ، وخارت عزائمهم ، وأقسم خالد (رض ) فقال : ( اللهم ، إن لك عليّ إن منحتنا أكتافهم ، أن لا أستبقِ منهم أحداً قدرنا عليه ، حتى أُجري نهر الفرات بدمائهم .!!! ).
فلما بدأت صفوف العجم تتضعضع ، وانكشفوا للمسلمين ومنحهم الله أكتافهم ، صاح خالدٌ برجاله : ( الأسرَ ، الأسرْ .. لا تقتلوا إلا من امتنع ) ،
فأقبلت خيول المسلمين بهم أفواجاً مستأسرين ، يُساقون سوق الأنعام ، فضرب أعناقهم ، وأجرى دماءهم في النهر ، فجرى نهر الفرات أحمر قانياً ، ودارت الطواحين فطحنت بالماء وهو أحمر ثلاثة أيام ، وبقي النهر يعرف ( بنهر الدم ) لعدّة قرون ، وهو من الرعب الذي نُصر به سيف الله خالد ، وكان يسبقه صيته مسيرة شهر .!!!
ولما رجع المسلمون من مطاردة فلول المنهزمين ، وجدوا الطعام على البُسُط لم يمسسه أحدٌ بعد ، فقال خالد (رض ) : ( قد نفلتكموه ، فهو لكم ) فنزل المسلمون لعشائهم وقد أقبل الليل ، وراحوا يتسامرون بأطايب الكلام ، فوق ما ساق الله إليهم من أطايب الطعام …!!!
فلما أقبل عليهم الصباح ، بعث خالدٌ ( رض ) بالغنائم وأخبار الفتح إلى أبي بكر الصدّيق ( رض ) في المدينة المنوّرة ، فجمع الناس هناك ، وصعد المنبر الشريف ، وزفَّ إلى المسلمين بشائر الانتصارات التي صنعها سيف الله خالد ( رض ) ، ولقد قدّر الرواة عدد قتلى العجم في أُلَّيس وحدها بسبعين ألفاً ..!!!