الخاطرة ١٦٦ : المكان والزمان في الكتب المقدسة الجزء ٢
خواطر من الكون المجاور
في المقالة الماضية إعتمدنا على كتاب سفر التكوين لإعطاء فكرة عن طريقة إستخدام الرموز والأرقام في الكتب المقدسة لتحديد مكان وزمان وقوع الأحداث التاريخية لتفسرها لنا ليس كنظرة تاريخية فقط ولكن كنظرة شاملة توضح لنا علاقة الحدث التاريخي مع التكوين الروحي للإنسان ، فوجدنا أنه من خلال تفسير سبب الإختلاف في عمر لامك والد نوح بين سفر التكوين العبري (٧٧٧) وسفر التكوين السبعيني (٧٥٣) توصلنا إلى فهم العلاقة الروحية بين ولادة مريم وتكوين بلاد الروم ( اليونان وإيطاليا ) ، وأثبتنا أيضاً أن شكل خريطة اليونان التي تشبه رأس إنسان ليس صدفة ولكن علامة إلهية لها علاقة رمزية بطوفان نوح ولذلك كان إسم هذه البلاد عالميا هو (إغريق) من كلمة إغرق ، ووجدنا أيضاً ان ظهور الألعاب الاولمبية في بلاد اليونان لم يكن صدفة ولكن تعبير روحي لهذه البلاد ، وكذلك شرحنا علاقة أسطورة جريمة رومولوس مؤسس مدينة روما التي ارتكبها عندما قتل أخيه رموس ، مع جريمة قتل قابيل لأخيه هابيل ، لذلك اخذت خريطة إيطاليا شكل يشبه الكلب عند النظر إلى خريطة هذه البلاد بشكل مقلوب .
ربما بعض المسلمين الذين قرأوا هذه المعلومات لم يعطوها أهمية لأن أفكارها تعتمد على كتب مقدسة لديانات أخرى وتتكلم عن بلاد اجنبية ليس لها علاقة ببلاد الأمة الإسلامية ، وحسب رأيهم ان هذه المعلومات بعيدة نهائيا عما هو مذكور في القرآن وأنها لا علاقة لها لا بالدين الإسلامي ولا بالمسلمين ولا ببلادهم . فهولاء يفضلون ان يفصلوا الامة الإسلامية عن بقية الأمم وكأن هذه الامم من الضالين أو من المغضوب عليهم ، ولكن الأمر ليس كذلك فهناك أرتباط وثيق بين جميع الأمم لأن الإنسانية بأكملها هي عائلة كبيرة تنتمي إليها جميع الأمم وكل أمة تفصل نفسها عن هذه العائلة الكبيرة مصيرها التمزق والضياع تماما كما حدث مع الامة اليهودية عندما ظنت نفسها شعب الله المختار فشردها في مختلف بقاع العالم وكما يحدث اليوم مع الأمة الإسلامية التي شعوبها تفتك بهم الطائفية والحروب الأهلية.
في الأسطر القادمة سنتكلم عن علاقة هذه المعلومات التي ذكرناها عن اليونان وإيطاليا مع الدين الإسلامي وتاريخه لنثبت أنه بدون إستخدام الرؤية الشاملة ستبقى أشياء كثيرة من الدين الإسلامي وتاريخه أشياء بلا معنى وبقائها هكذا لن نستطيع توضيح حقيقة الدين الإسلامي لا لأنفسنا كمسلمين ولا للأمم الاخرى أيضا .
الكعبة تعتبر بالنسبة للمسلمين هي القبلة الاولى وهي بالنسبة لهم بيت الله ، إذا بحثنا قي رأي علماء المسلمين عن سبب تسمية هذا البناء المقدس باسم ( كعبة ) سنجد الإجابة بانها سميت بذلك بسبب شكلها المكعب وجوانبها الأربعة. أي أن مصدر إسم الكعبة هو الشكل الهندسي المكعب ، هل هذا الرأي حقاً صحيح؟
الكعبة المشرفة توجد في مدينة مكة المكرمة ، إذا بحثنا في رأي علماء المسلمين عن سبب تسمية هذه المدينة بإسم ( مكة) ، سنجد العديد من الفرضيات حول تسمية مكة بهذا الاسم، فهناك من يقول بأنها سميت بذلك لأن العرب القدماء عندما كانوا يأتونها حجاجاً يصدرون صفيراً يشبه صفير طائر المكأو، و هناك من يقول بأنها سميت بذلك لأنها تمك الجبارين أي أنها تضيع نخوتهم، أما الفرضية الثالثة فهي بسبب ازدحام الناس فيها و لأنها كانت مزاراً يؤمه الناس للتبرك فيه و التعبد .... أي فرضية من هذه الفرضيات هي الصحيحة ؟
إسم القبيلة التي ينتمي إليها رسول الله هي قريش والتي كانت تعتبر من أهم القبائل التي تسكن مدينة مكة على زمن ظهور الإسلام، فإذا بحثنا عن سبب تسمية هذه القبيلة بهذا الإسم سنجد عدة آراء :
أحد الآراء تقول أن إسم قريش هو اسم أحد أجداد الرسول فحسب رأي بعضهم أن النضر بن كنانة الجد الثاني عشر للرسول هو قريش ، و آخرون فقالوا فإن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة هو قريش ... أما القلقشندي فقد ذكر عن معنى كلمة قريش قائلا : روي عن ابن عباس أن النضر كان في سفينة فطلعت عليهم دابة من دواب البحر يقال لها قريش فخافها أهل السفينة فرماها بسهم فقتلها وقطع رأسها وحملها معه إلى مكة، وقيل لغلبة قريش وقهرهم سائر القبائل كما تقهر هذه الدابة سائر دواب البحر وتأكلها ...وقيل أيضا أن اسم قريش من التقريش وهو التجميع سموا بذلك لاجتماعهم بعد تفرقهم وقيل لقرشهم عن حاجة المحتاج وسد خلته وقيل من التقاريش وهو التجارة ...... قيل أنهم سموا قريشا نسبة إلى أحد أجدادهم وهو قريش بن بدر بن يخلد بن النضر بن كنانة...... فأي رأي من هذه الآراء هو الصحيح ؟
الدين الإسلامي ظهر من هذه الأسماء الثلاثة ( كعبة، مكة، قريش) إذا تمعنا في معاني هذه الأسماء وأسباب تسميتها بهذه الأسماء حسب رأي علماء المسلمين سنجد بأنها أسماء منفصلة عن بعضها البعض ودمج معانيها لا يعطينا أي معلومة تساعدنا في تفسير سبب ظهور الإسلام في هذه المنطقة ، ونجد أحد المعاني مناقض تماما للمعنى الآخر ، فإسم قريش مرة نسمعه بأنه إسم دابة بحرية قتلها نضر بن كنانة ، ومرة آخرى نجده بأنه أسم أحد أجداد رسول الله ، فأي معنى هو الصحيح المناسب ليساعد في تفسير مضمون الدين الإسلامي. فإذا بحثنا في هذه الفرضيات المختلفة عن معاني هذه الكلمات سنجد وكأن هذه الأسماء ( كعبة، مكة، قريش) ظهرت بالصدفة في هذه المنطقة وليس لها أي علاقة في مضمون الدين الإسلامي.
هل من المعقول أن يختار الله هذه الأسماء الثلاثة ليظهر منها الإسلام دون أن يكون لها معنى يساعد المسلمين على فهم حقيقة هذا الدين؟ هل من المعقول أن تكون هذه الأسماء قد وجدت بالصدفة في تلك المنطقة التي ظهر فيها الإسلام ؟ ... طبعا لا فكل شيئ يحدث ضمن خطة إلهية ولا مكان للصدفة في سنة الله ، ولكن حتى نفهم علاقة هذه الأسماء مع مضمون الدين الإسلامي يجب أن نبحث فيها برؤية شاملة والتي تسمح لنا بربط الدين الإسلامي بمصير الإنسانية بأكملها.
أحد الآراء في تسمية قبيلة قريش بهذا الإسم هو أن النضر بن كنانة كان في سفينة فطلعت عليهم دابة من دواب البحر يقال لها قريش فخافها أهل السفينة فرماها بسهم فقتلها وقطع رأسها وحملها معه إلى مكة. أسم قريش يسمع وكأنه تصغير لكلمة قرش ، وسمك القرش كدابة بحرية له اسم آخر وهو كلب البحر ، فالمقصود هنا من اسم قريش هو نفس رمز شكل خريطة إيطاليا عند النظر إليها بشكل مقلوب ، فأسم قبيلة الرسول مصدره من حادثة الإنتصار على دابة البحر قريش وليس إسم أحد أجداد الرسول كما يعتقد البعض ، لذلك كان إسم بيت الله هو الكعبة فهذا الإسم قد يبدو لنا أن مصدره هو كلمة (مكعب) ، ولكن الحقيقة أن مصدر هذه الكلمة هو (كعب) وهو جزء من القدم لذلك خريطة إيطاليا في حالتها الطبيعية لها شكل قدم إنسان ، هذا التشابه ليس صدفة ولكن حكمة إلهية ، فمن بلاد إيطاليا وهي على شكل كلب خرجت جيوش الإمبراطورية الرومانية بحضارتها المزيفة لتحل مكان الحضارة الإغريقية ولتسيطر على العالم ولتطارد وتقتل أتباع عيسى المسيح لأكثر من ثلاثة قرون فهذه الإمبراطورية لعبت الرمز الروحي لقابيل الذي قتل أخاه هابيل.
أما من بلاد إيطاليا التي لها شكل قدم فنجد ظهور حضارة عصر النهضة التي أخذت معارف علماء الحضارة الإسلامية لتقوم بنشرها وتطويرها لتلعب دور هام جداً في تطور الإنسانية من الناحية المادية.
إسم مكة مرتبط بالقسم الثاني من شعب الروم ونقصد اليونان ، فكما هو معروف بأن أشهر قائد يوناني على مر التاريخ هو إسكندر المكدوني، هذا الملك الشاب الذي خرج من بلاده بجيش صغير لا يتجاوز عدده الـ٣٥ ألف جندي لينطلق ويغزو العالم لتحقيق هدفه الإخاء العالمي ، حيث كثير من علماء الدين المسيحي يعتبرونه ممهد الطريق لقدوم عيسى المسيح، حيث كانت أحداث حياته ليست إلا عبارة عن إثباتات تؤكد لأستاذه الفيلسوف ارسطو بأن مذهبه المادي في أبحاثه الفلسفية والذي يدرسه لتلاميذته هو مذهب فقير وعاجز عن تفسير تطور المجتمعات الإنسانية وأنه هناك منذهب آخر وهو المذهب الروحي الذي يسيطر على سير جهة التطور في جميع أنواعه وهو الذي عبرت عنه الآية القرآنية ٢٤٩ من سورة البقرة (... كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين)، لذلك إستطاع إسكندر بجيشه الصغير أن ينتصر على جيوش بقية الأمم التي كانت جيوشها أكبر من جيشه عددا بعشرات الأضعاف.
القرآن الكريم ذكر إسكندر المكدوني في نهاية سورة الكهف بإسم " ذي القرنين " ، للأسف بعض علماء المسلمين يرفضون ان يكون "ذي القرنين " هو إسكندر المكدوني ، هذا الرفض للأسف يشوه الحقيقة ويجعل تاريخ الإنسانية قصة عشوائية ، فإسم مكدونيا المنطقة التي ولد فيها إسكندر مرتبط بإسم مكة ويفسر لنا سبب تسمية مدينة مكة بهذا الأسم ، فمكدونيا هي منطقة من مناطق بلاد اليونان ، وهي تكتب باللغة اليونانية بلفظ يُسمع (مَكادونيا) أي وكأنها تتألف من كلمتين (مكة - دُنيا) أي مكة الدنيا ، أي مكة السفلى ، بمعنى أنها مكة المادية ، اما مكة المكرمة فهي مكة العليا او مكة الروحية.
هذا التشابه في اللفظ ليس صدفة ولكن حكمة إلهية ، لذلك نجد أن الألعاب الأولمبية التي ظهرت في اليونان والتي تم تنظيمها بهدف تنمية عواطف المحبة والسلام بين المجتمعات التي كانت تعاني من حب العنف والحروب الأهلية ، لذلك نجد أن هذه الألعاب الرياضية التي كانت تهتم بممارسة الرياضة بشكل عام لتسيطر على غريزة القتل وحب العنف وتمنعها تأخذ شكلها الحيواني. هذه المباريات الرياضية نجدها قد تطورت وأخذت شكلا روحيا آخر في تلك المنطقة التي سيظهر فيها الإسلام ، حيث نجد هذه المنطقة كانت تقوم بتنظيم مباريات مشابهة لمباريات الألعاب الاولمبية ولكنها تهتم بتنمية الإحساس الروحي وذلك عن طريق التنافس بالقصائد الشعرية، فكانت القصيدة الفائزة تكتب بماء الذهب وتعلق على جدران الكعبة ، وكانت أكثر أنواع القصائد المحببة لقلوب الناس هي قصائد الحب العذري . وهذا ليس صدفة ولكن له علاقة بمنطقة مكدونيا حيث شعار هذه المنطقة كان نجمة فيرجينا (الصورة ) وكما نعلم أن كلمة عذراء في اللغة الإنكليزية هو فيرجين virgin ومصدر هذه الكلمة هو نجمة فرجينا شعار مكدونيا .
فسبب ظهور الإسلام في تلك المنطقة هو ظهور هذا النوع من القصائد ، لأن الحب العذري هو رمز للعفة والطهارة ، فسبب طرد الإنسان من الجنة هو الزنى الذي أدى إلى ظهور غريزة القتل في قابيل فقتل أخيه هابيل ، فبلاد اليونان أخذت في عصر الحضارة الإغريقية دور السيطرة على غريزة القتل وتحويلها إلى نوع من الرياضة المفيدة ، فظهرت هناك الألعاب الأولمبية، اما قسم (العفة) والمسؤول عن منع ظهور غريزة القتل في تكوين الإنسان فأخذتها منطقة مكة والتي قبل ظهور الإسلام ظهرت فيها عاطفة الحب العذري والذي تحول إلى نوع من المباريات الشعرية ، فكانت مكافأة الله لهذه المنطقة التي ظهرت فيها عاطفة الحب العذري هو ظهور دين الإسلام والذي إسم هذا الدين مصدره من كلمة (سلام) ليكون خاتم الأديان السماوية لأن الهدف الأول للإيمان وتعاليم جميع الأديان هو أن يصل الإنسان في الأخير إلى مستوى تكوين أهل الجنة والذي عبرت عنه الآية القرآنية ٢٨ من سورة المائدة ( لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ).
الله عز وجل أعطى العديد من العلامات الإلهية عن هذه العلاقة بين منطقة مكة واليونان ، فنجد أن القرآن الكريم كُتب باللغة العربية ، أما الإنجيل ورغم ظهوره في فلسطين ولكنه كُتب باللغة اليونانية، وعندما بدأت الفتوحات الإسلامية نجد الله سخر كل شيء أمام الجيوش الإسلامية لتتابع فتوحاتها فإنتصرت على جيوش الإمبراطورية الرومانية في افريقيا وأسبانيا والتي كانت تابعة للقسم الإيطالي ، ولكنها عندما وصلت إلى مدينة القسطنطينية التي يحكمها القسم اليوناني من الإمبراطورية الرومانية (البيزنطية) نجد أن الله يسخر الأمور لصالح البيزنطيين اليونانين ويمنع الجيوش الإسلامية من الإنتصار لتبقى مدينة القسطنطينية صامدة لأكثر من ثمانية قرون من الزمن .
في الزمن الحديث أيضا نجد أنه بعد إنهيار دولة يوغسلافيا الشيوعية عندما أخذت المنطقة الجنوبية منها إستقلالها وحاولت أن تسمي نفسها جمهورية مقدونيا وكأنها هي أصل الشعر المقدوني ، نجد ان رئيسها كيرو غليغوروف الذي بدأ حملته السياسية لتسمية بلاده عالميا بجمهورية مقدونيا رغم اعتراض اليونان على هذه التسمية والتي إعتبرتها نوع من السرقة وتشويه هوية وتاريخ الشعب اليوناني ، نجد ان في محاولة إغتياله من فئة سياسية معارضة في بلاده عام ١٩٩٥ ، ان شظية من المتفجرات تصيب منطقة عينه اليمنى لتحدث بها تشوهات( الصورة) ليظهر أمام رؤساء العالم وكأنه أعور بعينه اليمنى وهو يتابع حواراته السياسية معهم من أجل إقناعهم بإعترافهم بتسمية بلاده بإسم جمهورية مقدونيا.
للأسف لم يعطي أحد هذه الحادثة أي أهمية كمعنى روحي ، وكأنها حدثت بالصدفة ، ولكن في الحقيقة هذه الحادثة كانت علامة إلهية تؤكد على أن كل شخص يدعي أن مقدونيا هي منطقة منفصلة عن بلاد اليونان فهو من أتباع أعور الدجال لأنه يساعد في تشويه المخطط الإلهي ، فمقدونيا هي منطقة من مناطق اليونان مثل سبارطة وأثينا وثيفا وكريت وغيرها ، وإسكندر المقدوني هو يوناني وهو ثمرة الحضارة الإغريقية لذلك مكنه الله في الارض، وأن تشويه هويته يعني ليس فقط تشويه تاريخ اليونان بل تشويه تاريخ الإنسانية بأكمله.
للأسف جميع الدول الإسلامية اليوم تطلق على دولة سكوبيا إسم جمهورية مقدونيا دون أن يعلموا أن هذه التسمية لها علاقة بإسم المكة المكرمة وأن فصل منطقة مقدونيا عن بلاد اليونان يعني أنهم هم أنفسهم يساعدون أتباع أعور الدجال في تشويه الرموز الإلهية التي تفسر لنا مضمون الأشياء والأحداث ليظهر وكأن تاريخ الإنسانية ليس إلا أحداث عشوائية حدثت بالصدفة لتمنع الإنسان من رؤية وفهم المخطط الإلهي في تطور البشرية.
وسوم: العدد 761