الخاطرة ١٧٨ : فلسفة عيد الفطر الجزء الثاني
خواطر من الكون المجاور
ذكرنا في الجزء الأول بأنه من غير المعقول أن يكون تسمية عيد الفطر الذي يعتبر يوم مبارك ويوم فرح وبهجة للمسلمين باسم (فطر) لأنه فقط يعبر عن الإنتهاء من أيام الصيام وأنه ليس من المعقول أن يكون هذا العيد المبارك يتعلق فقط بموضوع الطعام والشراب ليكون معناه هذا بهذه السطحية ، فالأمور الدينية تم وضعها بحكمة إلهية تفسر لنا أشياء غامضة لا نستطيع فهمها بالتحليلات الفكرية المادية . وذكرنا أيضا ان تسمية العيد بكلمة ( فطر ) المشابهة لاسم الكائن الحي ( فطر ) الذي ينتمي إلى مملكة الفطريات هي حكمة إلهية تساعدنا في فهم ما يحدث في تطورنا كبشر ، وفي هذه المقالة سنشرح شيئا عن علاقة عيد الفطر بكائن الفطر .
إذا بحثنا في أشكال أنواع تلك الكائنات الحية التي تنتمي إلى مملكة الفطريات قد لا نجد لها شكل معين يساعدنا على فهم علاقته بمعنى عيد (الفطر) ، فبعضها عبارة عن وحيدة الخلايا ولها شكل بدائي جدا ، وبعضها لها شكل كتلة اسفنجية واخرى شكلها كروي ، وبعضها لها شكل مظلة ، او قمع ،او قرص ...الخ .
في الحقيقة النظرة العشوائية لاشكال أنواع الفطريات لن تساعدنا على ربط هذه الأشكال مع بعضها البعض لنفهم مخطط تطور الفطريات والهدف منه وكذلك فهم علاقة (الفطر ) مع عيد الفطر ، والسبب هو أننا نرى كل شكل وكأنه منفصل عن بقية الأشكال الأخرى وكأن كل نوع قد تطور بشكل عشوائي منفصل عن الأنواع الأخرى دون اي مخطط او قانون ، وهذا طبعا غير صحيح لأن كل نوع من انواع الكائنات الحية تطورت تحت رقابة إلهية لتاخذ شكلا معين يعبر عن هويتها وسبب وجودها وعلاقتها بالتكوين الإنساني .
في الخاطرة ١٧٤ التي تحمل عنوان ( الأنبياء ومراحل تطور الإنسانية الجزء ٦) ذكرنا أن الإسلام هو آخر ديانة سماوية وهو يمثل المرحلة الأخيرة من حياة الطفولة وهي تلك المرحلة التي تسبق مرحلة البلوغ ، وهي المرحلة الأخيرة في التكوين الروحي للطفل ، حيث الطفل بعدها يدخل في مرحلة نمو جديدة مختلفة نهائيا عن مرحلة الطفولة حيث يصاحبها سلسلة من التغيرات الجسدية تجعل شكله يعبر عن جنسه بشكل مطلق فيما إذا كان ذكرا أو أنثى .
شهر رمضان الذي يصوم به المسلمون في الحقيقة هو رمز لمرحلة الطفولة منذ خروج الجنين من بطن امه وحتى المرحلة الاخيرة قبل دخوله في سن المراهقة والنضج الجنسي. لذلك كانت الحكمة الإلهية ان تكون بداية نزول القرآن الكريم والبعثة النبوية في أواخر أيام شهر رمضان كرمز يعبر عن ظهور آخر ديانة جديدة ستلعب دور آخر مرحلة من مراحل التطور الروحي للإنسانية. ففترة ظهور الإسلام وازدهار عصر الحضارة الإسلامية هي في الحقيقة تعبر عن الأيام الأخيرة من رمضان . أما عيد الفطر فهو يعبر عن المرحلة التي ستأتي بعدها حيث يتم فيها نضج الأعضاء التناسلية ليدخل الإنسان في مرحلة نمو جديدة مختلفة نهائيا عن تلك المراحل التي سبقتها ، حيث يصبح الإنسان كاملا جسديا ويصبح أيضا مسؤول بشكل مطلق عن نفسه وعن سلوكه ، لذلك كان الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) هو خاتم الأنبياء بمعنى انه آخر مساعدة إلهية للإنسانية ، فطالما أنها ستدخل في مرحلة النضج الجنسي والبلوغ ، فهذا يعني انها أصبحت مسؤولة عن نفسها ، لذلك تتوقف عندها المساعدة الإلهية لها .
عيد الفطر يعبر عن المرحلة الجديدة التي فيها ستدخل الإنسانية في مرحلة البلوغ حيث سيحدث فيها النضج الجنسي ، لذلك سمي هذا العيد بنفس اسم تلك الكائنات الحية التي تنتمي لمملكة الفطريات .
الآن إذا تمعنا جيدا في الأشكال المختلفة لأنواع الفطريات سنجد أنها فعلا لها علاقة واضحة تماما بالمعنى الروحي لعيد الفطر كما شرحناه ، فتطور هذه الكائنات قد سار ضمن خطة محكمة لتعبر عن الأعضاء الجنسية سواء كشكل عام او تكوين . فنجد ان الأنواع البدائية منها والتي تتألف من وحيدة الخلية بعضها له رأس وزيل وكأنه حيوان منوي (ذكري) وأخرى شكلها كروي وكأنها بويضة (انثوي) ، ونجد ان بعض الانواع المتطورة لها شكل كتلة من الاسفنج تشابه تكوين عضلة القضيب في الرجل ، وأخرى ثمارها لها بعض الشبه بالخصية أو القضيب الذكري نفسه ، وأخرى اشكالها لها شبه ببعض أجزاء الجهاز التناسلي الأنثوي .
إذا تمعنا جيدا في تلك الأنواع من الفطريات التي يمكن اعتبارها الأكثر تطورا من غيرها سنجد ان معظمها قد أخذت أشكالا مشابهة تماما لاشكال الأعضاء التناسلية في الرجل( الصورة) واخرى مشابهة تماما للأعضاء التناسلية في المرأة ( الصورة) ، حتى ان بعضها بسبب الشبه الكبير بينها وبين العضو التناسلي قد سميت شعبيا بنفس اسم العضو التناسلي .
الجدير بالذكر هنا أن شدة التشابه بين شكل الفطر وشكل العضو التناسلي دفع بعض العلماء على مر العصور إلى البحث فيما إذا كان له تأثيرات على الحياة الجنسية في الإنسان ، حيث وجدوا ان الفطر يساعد على تعزيز الرغبة الجنسية ويعتبر واحد من ضمن المنشطات الجنسية الطبيعية بسبب إحتوائه على عناصر تساعد في افراز الهرمونات والتي تلعب دور في تحسين الرغبة الجنسية في الرجل، وكذلك يعتبر الفطر مهم للصحة الجنسية لأنه من المواد الغنية بعنصر الزنك ، وكذلك الفطر كغذاء يمنح الجسم الفيتامينات والمعادن المهمة في تقوية الجسم وتحسين الحالة النفسية وذلك عن طريق تخليص الإنسان من الامراض العصبية والنفسية والتي تلعب دور كبير في الصحة الجنسية.
قبل خمس سنوات وجد بعض العلماء اليابان ان احد أنواع الفطر يمكن استخدامه في علاج اخطر الأمراض الجنسية ونقصد مرض الإيدز .
الفطر كما قلنا له أنواع مختلفة، بعض انواعه تؤكل ولها قيمة غذائية عالية ولكن بعضها سام وقد تكون سميته شديدة الخطورة حيث تناول كمية قليلة منها قد يؤدي إلى الموت ، وحسب رأي المتخصصين في دراسة الفطريات بأنه لا يوجد قانون يسمح لنا في تمييز أنواع الفطر الصالحة للأكل عن تلك السامة ، فهناك شبه كبير جدا بين الانواع الصالحة للأكل والأنواع السامة وفقط الخبرة الطويلة هي التي تضمن أختيار الانواع الصالحة للاكل بشكل آمن .
إن وجود هذا التشابه بين الأنواع الصالحة للأكل والأخرى السامة هو أيضا حكمة إلهية لها معنى روحي وهو ان علاقة جنسية بين الرجل والمرأة ليست واحدة فهناك علاقة جنسية حميدة قد حللها الله على عباده والتي تحدث بعد الزواج حيث هذه العلاقة تقوم في خلق نوع من المتعة بين الزوجين تساعد في تنمية المحبة والتفاهم بين الإثنين، والتي أيضا من خلالها يتم إنجاب أطفالا يساهمون في تجديد و إستمرار الإنسانية على سطح الأرض ، وهذا النوع من العلاقة الجنسية يمثله الفطر الصالح للاكل ، ولكن أيضا هناك علاقة جنسية محرمة (الزنى) هدفها إشباع الشهوات بشكلها الحيواني والتي لها عواقب وخيمة على المجتمع وعلى تطور الإنسانية ، وهذا النوع من العلاقة الجنسية يمثله الفطر السام .
من خلال ما شرحناه يُفسر لنا أن الله جعل عيد الفطر هو عيد مبارك للمسلمين لأنه في الحقيقة رمز لدخول الإنسانية في عصر النضج الجنسي والبلوغ ولهذا وضعه الله عز وجل في اول يوم من شهر يحمل أسم شوال وكما ذكرنا في الجزء الاول ان اسم هذا الشهر له معنى تزاوج ، ولذلك تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها في هذا الشهر ليؤكد على صحة سبب تسميته بهذا الأسم . إن هدف الزواج هو تكوين أفراد جدد لضمان استمرار تطور الإنسانية ، فعند دخول الإنسان في سن البلوغ يتحول من كائن ناقص أعضاءه في حالة تطور ونمو إلى كائن متكامل جسديا اعضاؤه في حالة انتاج ، ونقصد إنتاج الحيوانات المنوية (في الذكر) وإنتاج البويضات (في الأنثى) ، فمن هذه المنتجات التي ينتجها جسده ( حيوانات منوية ، بويضات ) ستتكون مخلوقات جديدة لذلك نجد أن كلمة فطر تأخذ بعض الأحيان معنى خلق او أنشأ او اخترع . بمعنى أنه اصبح قادرا على تكوين افراد جدد للمجتمع .
كما ذكرنا في المقالة الماضية بأن الفطر ككائن حي ليس حيوانا ولا نباتا ولكن ينتمي إلى مملكة ثالثة وهي مملكة الفطريات، بمعنى أنه منفصل في تطوره عن باقي الكائنات الحية لذلك يظهر دوره في جسد الإنسان عند دخوله في سن البلوغ ، فالإنسان في مرحلة الطفولة يعتبر مثل الكائنات النباتية ذات تغذية ذاتية ، بمعنى ان التغذية الروحية عند الطفل هي تغذية ذاتية لأنه تحت رعاية إلهية فإدراكه لما يجري حوله لايحدث بسبب تحليلاته الشخصية ولكن حسب فطرة إلهية وضعها الله فيه تجعله يدرك الأمور كما شاء الله عز وجل ، لذلك لا يحاسب الطفل عن نتائج أعماله لأن نموه الروحي لا يزال في مرحلة التكوين ، ولكن عند دخوله في سن البلوغ أي بمعنى ظهور دور الفطر في تكوينه الجسدي ، عندها يتحول الإنسان من تغذية روحية ذاتية إلى تغذية روحية غير ذاتية ويصبح هو مسؤولا عن جميع تصرفاته وعندها يدخل الإنسان في مرحلة العبادة الحقيقة ، حيث يبدأ الإنسان من خلال تحليلاته الشخصية بتحديد طريقه وسلوكه الذي يجب أن يتبعه في حياته ، هل سيكون إنسانا صالح يسير على الصراط المستقيم الذي رسمه الله له أم سيخرج عنه ليفعل ما يشبع شهواته . لذلك كانت الحكمة الإلهية في أن يكون عيد الفطر هو أول أيام مواسم الحج ، فالمعنى العام للحج هو أن يسلك الإنسان طريقا يقربه من ربه تعالى .
قد يشعر البعض بنوع من الغموض فيما شرحناه ، فالإنسانية في عصور الأنبياء والتي ترمز إلى شهر رمضان الذي كما ذكرنا يعبر عن المرحلة الطفولية في تاريخ الإنسانية ، كان يحدث تزاوج بين الرجال والنساء مثلما يحدث الآن تماما فما الذي تغير بعد ظهور الإسلام وإكتمال التطور الروحي الذي يعبر عن إنتهاء مرحلة الطفولة؟ بمعنى آخر أين هو عيد الفطر كرمز عالمي يعبر عن نضوج الإنسانية جنسيا ؟
إذا تمعنا جيدا في وضع المرأة بشكل عام في الماضي سنجد انها كانت بلا أي إرادة في تحديد موعد زواجها او في أختيار الزوج الذي سيشاركها بقية حياتها ، فكل شيء بالنسبة لها كان كما يقال ( قسمة ونصيب ) ، ففي ذلك الوقت كان الله هو الذي يحدد موعد زواجها وهو الذي يختار لها الرجل الذي سيصبح شريك حياتها والذي ستنجب منه أطفالها ، وكانت الظروف من حولها تفرض عليها ان تقبل سواء أعجبها أو لم يعجبها ، لانها كانت تعيش في مرحلة التغذية الروحية الذاتية كما شرحنا قبل قليل . الظروف وكذلك قوانين المجتمع هي التي كانت تسيطر على موضوع الزواج ، والمرأة والرجل أيضا كانوا غير أحرار في تغيير هذا النظام لأنه كان نظام إلهي يتبع خطة معينة هدفها إستمرار التكوين الروحي للإنسانية.
ولكن في القرون الأخيرة بدأت الامور تتغير بشكل تدرجي، فنجد في عصرنا الحديث أن المرأة قد أستطاعت ان تأخذ الكثير من حقوقها حيث سمحت لها الظروف في دخول المدارس ومتابعة تحصيلها العلمي لتحصل على شهادات دراسية عالية لتسمح لها في التعبير عن رأيها لما يحدث حولها . وهذا ما جعلها قادرة على حماية نفسها وعلى أختيار طريقها في تكوين مستقبلها لتحديد هويتها ونوعية دورها في المجتمع . هذه الحرية التي حصلت عليها المرأة ساهمت في حصولها على القدرة في اختيار الرجل المناسب لها ليكون شريك حياتها ووالد أطفالها .
وكان من المفروض في عصرنا الحاضر ان تعيش الإنسانية فرحة عيد الفطر المبارك لأنها وصلت إلى سن البلوغ ، ولكن للأسف أصحاب روح السوء من العلماء إستطاعوا ان يخدعوا المراة والرجل ، فذهبوا واستغلوا هذا الإحساس الفطري الذي يشعر به الإنسان الحديث وبدلا من أن يصبح الإحساس بالنضج والحرية قوة تساعده في تغيير الظروف السلبية التي كانت في الماضي تسيطر على المجتمع لتجعله مجتمع ظالم مشابه لمجتمع الغاب حيث القوي يسيطر على الضعيف ويستغله جسديا وفكريا ،بدلا من ذلك تحول هذا الإحساس بالنضج والحرية إلى حركة تمرد ، تمرد على كل شيء له علاقة بالماضي ، حيث تم توجيه حركة التمرد هذه بشكل خاص ضد كل ما ساهمت به الديانات في تنمية المبادئ السامية والأخلاق الحميدة ، فتحول المجتمع الإنساني إلى مجتمع مادي يعاني من إنحطاط روحي والذي أدى بدوره إلى تدهور العلاقة بين الرجل والمراة وتحولت هذه العلاقة من علاقة حميدة إلى علاقة اشباع شهوات فقط ، حيث نجد في البلدان الغربية وبسبب كثرة حالات الطلاق اصبح الزواج يُعتبر بالنسبة للكثير عادة من عادات المجتمعات المتخلفة لذلك يرفض الكثيرون تطبيقها ، ويفضلون العلاقات الحرة التي لا تفرض عليهم اي رسميات او إلتزامات قانونية .
وهكذا انقسمت الإنسانية قسمين قسم متحرر من القوانين الأخلاقية وقسم آخر متخلف يفرض على أفراده وخاصة على المرأة ان تعيش في ظروف مشابهة تماما للظروف القاسية التي كانت تطبق في العصور الماضية . وعدا عن ذلك فالإنحطاط الروحي الذي تعيشه الإنسانية اليوم جعل ظروف كثير من المجتمعات مضطربة ، بعضها بسبب سوء الحالة الإقتصادية وبعضها بسبب الحروب الأهلية التي دفعت قسم كبير من سكانها إلى الهروب واللجوء إلى بلدان اخرى ليعيشوا فيها حياة غير مستقرة لا نفسيا ولا ماديا ، هذه الظروف المتوترة ساهمت في منع الكثير من النساء والرجال من الزواج .
ربما ما يحصل اليوم الذي نجد فيه إنتصار اصحاب روح السوء في جميع المجالات ليس إلا علامة إلهية لها معنى أن الإنسان بدون الله هو لا شيء فمصير الإنسانية في الطريق التي اختارته لتسير عليه في عصرنا الحاضر بلا اي شك هو الدمار المطلق ، فولادة ظاهرة الطفل المجرم التي لم يعرف التاريخ مثلها من قبل هي أكبر إثبات على أن الإنسانية قد خسرت هويتها الإنسانية وأن نوعية نضجها الجنسي اليوم لا يختلف عن النضج الجنسي لبقية الحيوانات .
ولكن الله وضع عيد الفطر لتحتفل به آخر ديانة سماوية ، ولا تزال هذه الامة تحتفل به كل عام ، وبإذن الله سيأتي ذلك اليوم الذي ستحتفل الإنسانية بأكملها بالمعنى العالمي لعيد الفطر كما خططه الله وسترى به الإنسانية جمعاء أن الله يمهل ولا يهمل وأن مخططه سيسير كما شاء هو ولو كره الكافرون .
وسوم: العدد 778