الخاطرة ١٨٨ : رمز الكعبة والحكمة من الحج إليها الجزء ٣
خواطر من الكون المجاور
ذكرنا في المقالة الماضية أن المعجزات الإلهية ليس هدفها الحقيقي هو إظهار قوة الله وعظمته ولكن في الحقيقة لتكون رموز روحية حيث تفسيرها يفيد الإنسانية في كشف حقيقة شيء ما عن تكوينها الروحي حين تصعب العلوم الأخرى في إكتشافه، لتستفيد منه الإنسانية جمعاء في تحسين سلوكها وكذلك لتساعدها في إختيار الطريق الصحيح في مسيرتها لتصل إلى السعادة الأبدية التي يحلم بها كل إنسان ، فالإيمان الحقيقي هو كما عبر عنه رسول الله في حديثه الشريف " خير الناس أنفعهم للناس " .
الكعبة هي رمز روحي يهم الإنسانية جمعاء وليس المسلمين فقط ، ولكن للأسف المتاجرة بقدسيتها قد أنتج مهازل علمية أساء إليها وبدلا من دفع غير المسلمين أو الملحدين للتأمل في الكعبة لفهم حقيقتها وطبيعة قدسيتها ، نجدهم قد أستغلوا هذه الأبحاث العلمية عن الكعبة واتهموا المسلمين بالتخلف العلمي والتعصب الديني. والغريب في الأمر كما ذكرت في المقالة الماضية الماضية أن علماء يحملون شهادة دكتوراه ومكانة علمية عالية صدقوا هذه الأبحاث وساهموا هم أيضا بدورهم في نشرها في البرامج التلفزيونية دون أن يتأكدوا من صحتها أولا . فأصبحت هذه الأبحاث كمعجزات بالنسبة للناس المسلمين البسطاء فراحوا وعملوا عليها مقاطع فيديو قصيرة ونشروها في الإنترنت تحت عناوين تحمل مضمون يدل على تعصب ديني بحيث يحفز الطرف الآخر بالرد على هذه الفيديوهات بطريقة مجرحة .
إن كشف الحكمة الإلهية في قدسية الكعبة تحتاج إلى رؤية شاملة تعبر عن مصلحة الإنسانية بأكملها وليس مصلحة فئة معينة فقط . وعلى هذه النوعية من الرؤية سنحاول توضيح السر الإلهي الذي وضعه الله في الكعبة .
إذا تمعن شخص لا يعلم شيئا عن الكعبة المشرفة في كل ما كتبه علماء المسلمين عن الكعبة وعن تلك الإعجازات التي وضعها الله فيها حسب دراساتهم العلمية لها و التي ذكرناها قبل قليل ، سيظن هذا الشخص بأن منطقة وجود هذه الكعبة هي منطقة من الجنة . ولكن عندما يذهب إلى الكعبة ويرى المنطقة المحيطة بها والظروف المناخية فيها سيشعر بالصدمة وسيشعر أن منطقة الكعبة تصلح ان تكون منطقة من جهنم أكثر من أن تكون منطقة من الجنة . فالكعبة توجد في منطقة محاطة بجبال جرداء ذات أحجار سوداء بركانية شكلها ولونها يعطي المنطقة نوع من الكآبة و سكون موحش وكأنها منطقة خالية من الحياة .
فبسبب وقوعها في المنطقة قليلة الإرتفاع عن سطح البحر وموقعها البعيد نسبياً عن البحر جعل مناخها صحراوي جاف ، يسود فيه صيف شديد الحرارة حيث تصل درجة الحرارة أحيانا إلى ٤٧ مئوية وبعض الأحيان قد تصل إلى ٥٠ مئوية . وهي تقع في واد غير ذي زرع فالمعدل السنوي للأمطار في مكة المكرمة لا يتجاوز 50- 80 ملم وعندما تسقط الأمطار تسقط بشكل فجائي غزير وفي مدة قصيرة جدا فيجعل هذه الامطار غير صالحة للاعتماد عليها في الزراعة. ولهذا كانت قبيلة قريش مضطرة أن تعتمد على التجارة في تأمين معيشتها في هذه المنطقة ، بمعنى أن هذه المنطقة فقيرة جدا وليس لديها أي إكتفاء ذاتي لتضمن إحتياجاتها ، فبدون الإعتماد على خيرات المناطق الاخرى فإنه لا يمكن العيش في هذه المنطقة . وهذه حقيقة لا يمكن لأحد أن ينكرها وقد أشار الله إلى هذه الناحية في القرآن الكريم على لسان إبراهيم " رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ... " فإختيار هذه المنطقة بهذه المواصفات الصعبة هو شيء مقصود وليس صدفة .
والسؤال هنا ما هي الحكمة الإلهية في إختيار هذه المنطقة الموحشة بالذات لتكون منطقة تواجد بيت الله ؟ فطالما ان هذا البيت هو أقدس مكان على سطح الأرض لماذا لم يختار الله منطقة أخرى من العالم معتدلة في درجة الحرارة وذات معدل امطار سنوي أكبر تجعل المنطقة ملائمة لنمو النباتات لتعطي المنطقة لونها الأخضر وحيويتها المنعشة وجمالها الخلاب تجعل الحجاج أثناء زيارتهم الكعبة يشعرون بروعة الخلق وعظمة الخالق ؟
يبدو أنه بسبب عدم وجود أي صفات جمالية في طبيعة هذه المنطقة ، دفع بعض العلماء المسلمين إلى تبرير وجود الكعبة فيها فراحوا من خلال أبحاثهم العلمية يصنعوا نوعا آخر من الجماليات ليغطوا او ليخفوا حقيقة الوضع في منطقة الكعبة . وظهور هذه الإعجازات العلمية المزيفة عن منطقة الكعبة من قبل علماء المسلمين هو أكبر دليل على أن الأبحاث العلمية لعلماء المسلمين اليوم تعاني من التعصب الديني ، لذلك أبحاثهم هذه لم يكن لها أي منفعة لا لمسلمين ولا للإنسانية . وكما ذكرت في المقالة الماضية أن علماء متخصصين مسلمين يعارضون بشدة صحة هذه الإعجازات عن الكعبة ، وسأذكر هنا إعجاز واحد يساعدنا في متابعة موضوعنا ، وهو طواف الحجاج حول الكعبة والذي يكون بجهة من اليسار إلى اليمين ، فيقول العلماء ان جهة الطواف هو نفسه في كل شيء يدور في هذا الكون ، الكواكب،المجرات ، الذرات، الخلية ...إلخ . وهذا إدعاء خطأ علمي ولا أعلم كيف تقبله معظم علماء للمسلمين بهذه السهولة ، مثال بسيط عليه هو ان المجموعة الشمسية تدور حول مركز مجرتها بعكس جهة طواف الحجاج ( كما تبين الصورة في الأسفل) ، والشيء الأهم من كل حركات محتويات الكون ، هو ان جهة كتابة كلمات القرآن الكريم الذي هو كلام الله بعكس جهة طواف الحجاج ، من اليمين إلى اليسار. ما هو الأهم هنا جهة الطواف حول الكعبة ام جهة كتابة كلمات القرآن الكريم الذي هو كلام الله ؟
أيضا هناك استفهامات أخرى ، لماذا اسماعيل وليس اسحاق الذي ساعد إبراهيم في رفع قواعد البيت ؟ اسماعيل ليس ابن زوجة ابراهيم ولكن ابن خادمة مصرية اسمها هاجر ، سارة زوجة ابراهيم هي التي اصرت عليه أن يضاجعها لتنجب له طفلا ، بينما اسحاق هو ابن سارة التي كان يحبها إبراهيم أكثر ابراهيم من نفسه.
نبي الإسلام هو محمد صلى الله عليه وسلم ، إذاً لماذا علي رضي الله عنه هو الذي ولد في جوف الكعبة وليس محمد صلى الله عليه وسلم طالما ان الكعبة هي بيت الله ؟
هذه الأشياء هي رموز ليست صدفة ولكن وضعها الله لتفسر لنا عظمة حكمته في اختيار الكعبة كبيت الله.
هكذا أراد الله أن تكون منطقة الكعبة المشرفة وكأنها منطقة من كوكب خالي من الحياة ، وهنا تكمن الحكمة الإلهية في هذا الإختيار . وحتى يتم فهم ما نقصده بالضبط سنحاول ذكر أشياء تتعلق بموضوع الكعبة وسنحاول ربطها ببعضها البعض لتتوضح لنا قصة الكعبة ورموزها الروحية.
حسب المعتقد الاسلامي أن الله تعالى أمر النبي إبراهيم برفع قواعد الكعبة ، وساعده ابنه إسماعيل في بنائها، ولما اكتمل بناء الكعبة أمر الله إبراهيم أن يؤذّن في الناس بأن يزوروها ويحجوا إليها، فقد ورد في القرآن الكريم " وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " (سورة البقرة، الآية 127).
لا يوجد أي شيء عن الكعبة قد تم ذكره قبل إبراهيم ، ولكن من هذه الآية يبدو وكأن إبراهيم يحاول إعادة بناء بيت الله من جديد ، لذلك هناك عدة إعتقادات عن بناء الكعبة أن الملائكة هي أول من بناها ثم آدم ثم ابنه شيث ، ولكنها إعتقادات فقط بدون أي نص صريح سواء في القرآن أو في الأحاديث الشريفة ، والسؤال هنا لماذا اختار الله ابراهيم وحدده هو بشكل واضح ليقوم برفع قواعد البيت ؟ ولماذا اختار إسماعيل وليس إسحاق ليساعده في بناء الكعبة ؟
من المعروف ان قصص الأنبياء في القرآن توجد بشكل غير متسلسل تاريخيا ، وأن ترتيبها يتبع نظاما آخر . لذلك لتسهيل الفهم لنذهب إلى سفر التكوين حيث هناك يتم ذكر تاريخ الإنسانية بشكل بسيط ومتسلسل ، في سفر التكوين نجد أن قصة حياة إبراهيم تعتبر محطة لبداية جديدة كليا في تطور الإنسانية ، فعدا طوفان نوح الذي حدث قبل ولادة إبراهيم نجد بعد ولادة اسماعيل أيضا تحدث أيضا كوارث طبيعية عظيمة تقوم بتدمير قوم سدوم وعمورة كعقاب إلهي .
حياة إبراهيم في سفر التكوين تجعله يبدو وكأنه أخذ دور آدم ليكون الأب الأكبر للإنسانية ولهذا السبب يُعتبر إبراهيم الأب الأكبر عند اليهود ، هذا الدور أيضا نجده في الإسلام ولكن إكتشافه يحتاج إلى نوع من البحث والتحليل وسنحاول عرض بعض الأشياء لتوضيح هذا الإعتقاد في الإسلام وبنفس الوقت لتسهل علينا فهم رمز الكعبة :
من أهم مناسك الحج في الإسلام هو الوقوف بعرفة ، فكما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " الحج عرفة " أي بما معناه أنه بدون وقفة عرفة لا وجود للحج أصلا. وهذا يعني أن فهم رموز الكعبة متعلق بفهم رمز عرفة .
جبل عرفات أو جبل عرفة ، يقال أنه سمي بهذا اﻹسم ﻷن الناس يتعارفون فيه ، وقيل أيضا ﻷن جبريل طاف بإبراهيم وكان يريه المشهد فيقول له : أعرفت ؟ فيرد إبراهيم عرفت ، عرفت. وقيل أيضا أنه سمي عرفة ﻷن آدم وحواء عندما هبطا إلى اﻷرض من الجنة إلتقوا فيه فعرفها وعرفته.
فأسباب تسمية جبل عرفة تذكر إسمين وهما ( آدم وإبراهيم ) وهذا ليس صدفة ولكن حكمة إلهية تؤكد وجود علاقة قوية بين آدم وابراهيم ، فآدم هو أبو البشرية ،وإسم إبراهيم أيضا له نفس المعنى في اللغة العبرية ( أبو الشعوب ) ،وهذا التشابه ليس صدفة ولكنها حكمة إلهية تربط قصة تضحية إبراهيم بإبنه مع قصة آدم ، فآدم أيضا عاش نفس مشاعر إبراهيم عندما أمره الله أن يقتل ابنه حيث رأى ابراهيم أن إبنه سيموت دون أن يستطيع هو أن يفعل شيئا من أجل منع عملية قتله ، وآدم أيضا عاش مقتل إبنه هابيل على يد إبنه اﻵخر قابيل (قايين ) . فعن طريق حادثة تضحية إبراهيم بإبنه، الحكمة اﻹلهية تربط قصة إبراهيم بقصة آدم وتشرح لنا حقيقة ما حدث في قصة مقتل هابيل ، فكما تقول قصة الخلق أن هابيل كان قربانه من أبكار غنمه ، أما أخاه قابيل فكان قربانه ، من ثمار اﻷرض ، فتقبل الله قربان هابيل ولم يتقبل قربان أخيه ، فاغتاظ قابيل وإرتكب جريمته ،وقتل أخاه. فقصة جريمة مقتل هابيل كما هي مذكورة في سفر التكوين تبدو بسيطة ولا تذكر السبب الحقيقي لوقوع جريمة القتل. لذلك الحكمة الإلهية هنا تربط قصة تضحية إبراهيم بإبنه مع حادثة مقتل هابيل لتدلنا على أن آدم نفسه بطريقة ما كان قد ساهم في حدوث جريمة هابيل، لذلك أمر الله عز وجل إبراهيم أن يذبح إبنه لتاخذ قصة آدم هذا المعنى .
ولكن ما علاقة آدم بمقتل إبنه هابيل ؟ الحكمة اﻹلهية أضافت سببا من أسباب تسمية جبل عرفة يساعد في فهم هذا الموضوع ، هو أن آدم وحواء بعد هبوطهما من الجنة إلتقوا فيه فعرفها وعرفته ، وفي قصة الخلق نقرأ بأن سبب طرد آدم وحواء من الجنة هو بسبب أكلهما من ثمار شجرة المعرفة ، بهذه الطريقة الحكمة اﻹلهية تربط إسم عرفة ( عرفها وعرفته) مع شجرة المعرفة وعلاقتها بجريمة قتل هابيل ، والتي يتم عكسها تماما في الحج . فالكعبة تسمى بيت الله الحرام لأن الله حرم القتال فيها ، وكذلك الناس في جبل عرفة تتعارف على بعضها البعض كتعبير للمحبة والأخوة بينهم بدلا من قتلهم لبعضهم البعض، وذلك بسبب إختلاف نوعية المعرفة. فهناك معرفة تؤدي إلى المحبة والأخوة (في جبل عرفة) ومعرفة أخرى تؤدي إلى الوحشية والقتل (شجرة المعرفة في الجنة).
قصة آدم وحواء في سفر التكوين تذكر أنه بعد أكل ثمار شجرة المعرفة عندها عَلم آدم وحواء أنهما عراة، فالمقصود من شجرة المعرفة هنا هي الثقافة الجنسية ، فآدم وحواء في تلك الفترة من حياتهما كانت روحهما ترمز لمرحلة الطفولة ، لذلك منعهما الله من أكل ثمار هذه الشجرة ، أي أنه منعهما من أن يبحثا ويعلما أي شيء عن العلاقات الجنسية بين الذكر واﻷنثى، هكذا هو التكوين الروحي للطفل ،فنموه السليم يحتاج أولا إلى تقوية إحساساته الروحية من عواطف ومشاعر ، أي تقوية مميزات الكائن العلوي فقط. لذلك فأي محاولة في تقوية مميزات الكائن السفلي كإكتسابه ثقافة جنسية مثلا، ستجعل غريزة القتل وحب العنف تنمو فيه . لذلك كان نتيجة اكل ثمار شجرة المعرفة ( أي الثقافة جنسية ) في الجنة هو ولادة قابيل الذي يمثل إبن الكائن السفلي ﻹن سبب ولادته كان نتيجة علاقة إشباع شهوات في عملية الجماع التي حصلت بين آدم وحواء. لذلك ولد قابيل وهو يحمل في تكوينه غريزة القتل .
قابيل في الحقيقة هو الإبن الروحي لحواء والشيطان الذي أغواها فطلبت هي من آدم أن يأكلا من شجرة المعرفة ، أي لتمارس الجنس مع آدم من أجل اشباع الشهوة ،أما الابن الآخر هابيل فهو إبن آدم الذي رضي بمعاشرة حواء ليس بدافع إشباع شهوته ولكن حبا بها ، لذلك فقابيل يعتبر إبن الكائن السفلي ( إبن الغريزة )، أما هابيل فيُعتبر إبن الكائن العلوي ( ابن عاطفة المحبة ) .فقابيل هو رمز العلاقة ( زنى - قتل ) أما هابيل فهو رمز العلاقة ( العفة - السلام ) .
من المعروف في عصر الجاهلية أن أحب الفنون في نفوس أهل مكة كان فن الشعر فكانت تحدث مباريات بين الشعراء لاختيار أفضل قصيدة وكانت القصيدة الفائزة تكتب بماء الذهب وتعلق على ستار الكعبة لذلك سميت هذه القصائد بالمعلقات ، وكانت مواضيع هذه المعلقات بشكل عام هو الحب العذري ، الحب العذري هو صورة أخرى عن العفة ، ووجود العفة في المجتمع كما ذكرنا قبل قليل تكون نتيجتها في نمو عاطفة السلام ، لذلك كان نتيجة نمو صفة العفة في نفوس سكان هذه المنطقة ظهور دين جديد يدعى الإسلام ومعنى كلمة (إسلام) بشكل دقيق هو فرض حب السلام على المؤمنين ، فالدين الإسلامي هو في الحقيقة هدية من الله عز وجل لهذه المنطقة بسبب ظهور عاطفة الحب العذري في نفوس سكانها.
صفات اسماعيل مذكورة في سفر التكوين في الإصحاح ١٦ ، حيث يقول الله لهاجر عن الابن الذي ستلده " وَإِنَّهُ يَكُونُ إِنْسَانًا وَحْشِيًّا، يَدُهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ، وَيَدُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَيْهِ، وَأَمَامَ جَمِيعِ إِخْوَتِهِ يَسْكُنُ" فصفة اسماعيل هي الوحشية، لانه عبارة عن رمز لقابيل الجديد فصفته الوحشية هذه ليست من أجل ارتكاب الجريمة مثلما فعل قابيل ولكن للدفاع عن الحق .لذلك ولد اسماعيل من إمرأة جارية وليس من زوجة إبراهيم لأن امه تعتبر رمز لحواء التي إرتكبت الخطيئة وكانت سببا في طرد الإنسانية من الجنة ، ولهذا كان أسمها هاجر فمصدر أسمها من الهجرة ، وله معنى هجرة الإنسانية إلى خارج الجنة .
لذلك وجب أن يكون بيت الله الذي سيرفع قواعده ابراهيم وابنه أسماعيل اللذان هما في الحقيقة يمثلان رمز آدم وأبنه قابيل الجديد ، أن يكون هذا البيت في منطقة قاسية مختلفة نهائيا عن الجنة . لذلك أختار الله منطقة مكة الصحراوية لتكون رمز لمكان طرد الإنسان من الجنة ، لتعلم الإنسانية حقيقة ما حدث في الماضي وكذلك لتعلم أسباب حدوثه .
الأمور ليست بهذه البساطة لنفسر رمز الكعبة بهذا المعنى ، وهناك أشياء أخرى يجب ذكرها لتعطي الموضوع صورة أوضح لتكشف أسرار الكعبة ليعلم علماء المسلمين أن الحكمة الإلهية أرقى بكثير مما يظنون وأن دينهم أسمى بكثير مما يظنون ، وان مفتاح سر كشف عظمة هذه الحكمة الإلهية هو البحث بنية سليمة هدفها حل مشاكل الإنسانية كما هو مذكور في الحديث الشريف (خير الناس أنفعهم للناس) والناس هنا ليس المسلمين فقط ولكن شعوب العالم أجمعين .
في المقالة القادمة إن شاء الله سنتابع تفسير رموز الكعبة لنؤكد على صحة ما ذكرناه ولنكتشف الاسرار الإلهية في الكعبة لتساعدنا في فهم تكويننا الروحي كبشر وكذلك لنفهم سبب وجودنا على سطح للأرض .
وسوم: العدد 788