الخاطرة ١٩٢ : مبادئ اللغة الإلهية
خواطر من الكون المجاور
قبل حوالي عامين تقريبا ، أحد القراء الجدد عندما رأى بعض الأفكار غير المألوفة في مقالتي ، كتب تعليق على المقالة واتهم آرائي بأنها خرافات وخزعبلات وانها تعارض تعاليم الدين الإسلامي ، فردت عليه قارئة وأكدت له على خطأ رأيه بفقرة معينة وكذلك اتهمته بالتناقض لأنه يدعي أنه يدافع عن الإسلام الصحيح ولكن الأسلوب الذي يستخدمه في نقده كان أسلوب همجي معاكس تماما لأسلوب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحوار ، فالدين الإسلامي كما قالت له هو ليس معلومات فقط ولكن هو أيضا سلوك واسلوب حياة ، وفعلا كان اسلوب هذا القارئ في نقد فقرات المقالة أقرب إلى شتم صاحبها منها إلى مناقشة صحتها أو خطأها . فرد القارئ نفسه عليها بأسلوب أكثر إحتراما وحاول أن يؤكد لها ببعض الإثباتات على أن أفكار المقالة تشوه الإسلام ، وكون آرائه هو كانت تدل على أنه متعصب دينياً وأنه لا يقبل بأي شيء جديد مختلف عما تعلمه هو ، رد عليه قارئ آخر يبين له أنه آرائه هي التي تشوه الإسلام ، ليعود ويرد هذا الأخير عليه أيضا بأدلة سطحية أخرى ، فتدخل شخص آخر ليرد عليه ، ثم آخر ، ولا أدري ربما هذا القارئ المتعصب لدينه تعصب أعمى كونه يحمل شهادة جامعية جعلته يظن نفسه أن ثقافته عالية وبإمكانه أن يرد على جميع الذين يناقضون آرائه ، وبسبب شدة تعصبه الديني الذي جعله ينظر إلى جميع غير المسلمين على أنهم كفار ، كان بردوده هذه قد حرض بعض القراء للرد على آرائه التعصبية .
عندما رأيت أن عشرات الردود التي كُتبت من أجل أن يفهم هذا القارئ بأن آرائه على باطل ورغم ذلك لم يقتنع ، وإصراره بالرد على كل من انتقد رأيه ووافق على ما جاء في المقالة وكذلك حرصه في كل رد من ردوده على الطلب من بقية القراء كونهم مسلمين أن يمنعوا أصحاب العقول الفاسدة من تشويه الإسلام ، وأن الله سيحاسبهم على أي تهاون يحدث في هذا الأمر ، فرأيت أنه من الواجب علي أن أرد على آرائه و على كل من كان متعصبا لرأيه بأدلة قوية لا تترك أي شك في التأكيد له ولغيره بأن آرائي لا تعارض القرآن ولا الأحاديث الشريفة وأيضا لا تعارض آراء علماء عصر الحضارة الإسلامية ، بل على العكس تضيف إليها زاوية رؤية جديدة تعطي معنى أرقى للموضوع ، وأن هذه الرؤية الجديدة التي أُضيفها للموضوع تجعل المعلومة مناسبة أيضا لفكر الإنسان المعاصر ، وتؤكد على أن معاني آيات الكتب المقدسة صالحة باستمرار لهداية البشرية في كل العصور .
عندما قرأ هذا الشخص الصفحات العديدة التي كتبتها له كرد على كل الآراء التي ذكرها هو في تعليقه وردوده على القراء لأؤكد له أن آرائه هذه هي من إجتهادات علماء عصر الإنحطاط الإسلامي وأنها خاطئة وتعارض معاني آيات القرآن والأحاديث الشريفة ، عندها وبدلا من أن يعترف بأنني على حق وأنه على خطأ ، قام بحذف تعليقه مباشرة لكي لا يترك وقت لبقية القراء ان يقرأوا ردي الطويل على آرائه ، وطبعا مع حذف تعليقه حُذفت كل الردود التي تخص هذا التعليق .
عشرات الصفحات التي كُتبت من بعض القراء كردود على آراء هذا الشخص الذي كان في كل عدة أسطر ينوه ويطلب من هؤلاء القراء بأن يتمسكوا بتعاليم دينهم الإسلامي وأن لا يسمحوا لأي شخص أن يشوه تعاليم هذا الدين ، هو بنفسه عندما رأى أن آرائه هي التي حقا تشوه الدين الإسلامي ذهب وحذف كل شيء ، فقط لكي لا يظهر أمام الآخرين أن ثقافته فقيرة وأن معلوماته السطحية عن الأمور هي التي في الحقيقة تشوه الدين الإسلامي وتجعل هذا الدين العظيم يبدو في نظر الأمم الأخرى دين متخلف .
إن آراء هذا الشخص والإثباتات التي كان يذكرها ليؤكد على صحة آرائه عن الإسلام ، للأسف يؤمن بصحتها العديد من المسلمين اليوم ويأخذونها كتعاليم الدين الإسلامي الحقيقية، ولكنها في الحقيقة تختلف عن تعاليم الدين كما كانت على زمن الرسول وزمن عصر الحضارة الإسلامية ، فجميع آرائه التي تعلمها من شيوخ متخلفين علميا ، ظهرت بعد ظهور الإسلام بأكثر من ثمانمائة عام ، حيث هذه الآراء الخاطئة عن تعاليم الإسلام هي التي قادت الأمة الإسلامية إلى عصور الإنحطاط .
سأعطيكم مثال بسيط لتوضيح هذه الفقرة أكثر، على زمن الرسول مثلا وفي القرون الأولى من ظهور الإسلام كان المسلمون يؤمنون أن حواء هي التي أغواها الشيطان أولا وأنها هي بدورها التي طلبت من آدم مشاركتها في الأكل من الشجرة التي حرمها عليهما ، فلم يكن في ذلك الوقت أي أختلاف في هذه القصة عند المسلمين عن تلك القصة الموجودة في الكتب المقدسة المسيحية واليهودية ، ولكن مع دخول الأمة الإسلامية في عصر الإنحطاط بدأت تظهر إجتهادات من بعض العلماء المتعصبين ، الذين كان هدفهم الأول فصل الدين الإسلامي فصلا تاما عن جميع الديانات الأخرى ، فذهبوا وغيروا المسبب الاول للخطيئة ، فأصبح آدم حسب إجتهاداتهم هو الذي أغواه الشيطان أولا ، واليوم وللأسف نجد علماء مسلمين يقدمون البرامج الدينية على التلفزيون أو يظهرون فيها ، يؤكدون على أن آدم هو الذي إرتكب الخطيئة أولا، ليظهروا للمسلمين وغير المسلمين أن الدين الإسلامي يحترم المرأة أكثر من الديانة المسيحية والديانة اليهودية ، ولكن هؤلاء العلماء المسلمين ، لم يعرفوا أنه في تحريفهم لهذه الحادثة وتحويل المسبب الاول للخطيئة من حواء إلى آدم ، قد جعلوا الفكر الإسلامي في العصر الحديث فكر عشوائي يناقض الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة ويناقض جميع القوانين الكونية .
فكرة أن حواء هي التي ارتكبت الخطيئة أولا هو القانون الأول في تطور كل شيء " الجنة تحت أقدام الأمهات " وجميع أبحاثي تعتمد على هذا القانون ، وفي كل مقالة أكتب هذه الفكرة ، أجد بعض القراء يعلقون على فقرات المقالة بأنها خزعبلات أو غير صحيحة لأنها تعارض معاني الآيات القرآنية والتي تؤكد حسب زعمهم على أن آدم هو الذي أخطئ أولا وليس حواء.
القراء الجدد الذين يعتقدون أن آدم هو الذي أغواه الشيطان أتمنى أن يعودوا إلى المقالة رقم ٥٣ "فلسفة الخروج من الجنة، والمقالة ٥٤ " دور الحقيقي للمرأة" .
ما أود أن يعرفه القراء الجدد أن أسلوبي في البحث عن حقيقة الأشياء والأحداث أنني أستخدم منهج علمي شامل مختلف نهائيا عن المنهج العلمي الذي يستخدمه علماء عصرنا الحديث . وهذا يجعل تفسيراتي للأشياء والأحداث غير مألوفة للآخرين كونها تفسيرات جديدة تظهر لأول مرة ، لذلك يجد الكثير من القراء الجدد صعوبة ليس في فهم أفكار الموضوع ولكن صعوبة في ربط هذه الأفكار مع بعضها البعض ليصلوا إلى المضمون الذي هو جوهر الموضوع ، فيجدون أنه في مؤلفاتي أذكر معلومة من علم الفلك ومعلومة من قانون فيزيائي ومعلومة من شكل الخرائط ومعلومة من الأساطير وأخرى من التاريخ وأخرى من التوراة وأخرى من القرآن وأخرى من الإنجيل وأخرى من علم الأرقام .... وأخيرا جميع هذه المعلومات تجتمع لتوضيح حقيقة شيء معين ، فينظر البعض إلى هذه المعلومات المختلفة في نوعيتها ويستغرب ويقول ما علاقة هذه المعلومة بتلك وما علاقتها مع الاخرى ، ولا يعلم هذا القارئ أن كل معلومة ذكرتها بشكل مختصر كنت قد شرحتها بالتفصيل في مقالة أخرى وتحدثت عن دورها كوجود وأن هذه المعلومة قد أصبحت جزء من القاعدة العلمية التي أعتمد عليها في أبحاثي ، ولكن وبسبب عدم معرفة القارئ الجديد لتفاصيل هذه المعلومة يشعر أنها غريبة عن الموضوع الرئيسي واستخدامها كإثبات لتفسير الموضوع يعتبر خرافات وخزعبلات ، ولكن الحقيقة هي ان الحقيقة الكاملة للشيء لا يمكن أن تظهر من خلال دراسته من زاوية واحدة ولكن من خلال قاعدة ثقافية شاملة تنظر إلى الشيء المدروس من جميع الزوايا ، جميع الأفكار غير المألوفة التي أطرحها تعتمد على هذه القاعدة الثقافية الشاملة والتي تختلف نهائيا عن القاعدة الثقافية المادية التي يعتمد عليها علماء عصرنا الحاضر ، فللأسف نحن اليوم نعيش في عصر الجميع يعترف انه عصر يعاني من إنحطاط روحي ، ولكن رغم ذلك نجد علماء هذا العصر متمسكين بقوة بتلك القاعدة الثقافية التي قادت هذا العصر إلى هذا الإنحطاط . وحتى نوضح هذا الامر بشكل أفضل سنعطي بعض الأمثلة :
علماء اليوم يعتمدون على مبدأ فكري مشابه تماما لمبدأ داروين في تفسير تطورالحياة ، والذي ببساطة يمكن تشبيهه بمبدأ رأس الخيط ، فحتى نصل إلى معرفة حقيقة الشيء نمسك رأس الخيط ونذهب معه لنرى ما قبله والذي يدلنا بدوره على الذي ياتي قبله وهكذا حتى نصل إلى جذور هذه المعلومة . فنظن أننا وصلنا إلى الحقيقة الكاملة للشيء المدروس.
منطق فكر علماء عصرنا بجميع فروعهم العلمية تعتمد على هذا المبدأ (مبدأ رأس الخيط) . فنظرية دارون في التطور مثلا ، ترى أن جسم الإنسان يشبه كثيرا جسم القرد ، فحسب مبدأ هذه النظرية ان اصل الإنسان من القرد ، جسم القرد يشبه كثيرا جسم الليمور ، هذا يعني أن القرد أصله من الليمور ، الليمور يشبه الفأر ، هذا يعني أن الليمور اصله من الفأر .... وهكذا .
هذا المبدأ بالنسبة لإنسان ولد وترعرع في مدارس وبيئة فكرية لعصرنا الحديث سيعتقد أنها صحيحة وستبدو له أنها منطقية جدا ، وهنا تكمن المشكلة الكبرى . لأن المنهج العلمي لعصرنا الحديث هو الذي شوه الفكر الإنساني وجعله يتقبل هذا المبدأ ، فمبدأ رأس الخيط هو مبدأ فقير لا يخلق حضارات ولا يخلق تطورات إبداعية تستطيع ان تجعل الإنسان كنوع من انواع الكائنات الحية هكذا فجأة أن يسيطر على مصير جميع الكائنات الحية الأخرى.
قوانين الطبيعة نفسها ترفض مبدأ رأس الخيط ، لأنه مبدأ فقير عاجز عن تفسير العديد من التطورات الفجائية التي حدثت في مراحل معينة من تاريخ الحياة على سطح الأرض . فقبل حوالي ٦٠٠ مليون عام مثلاً ظهرت فجأة حيوانات راقية في تكوينها بدون أن تسلك مبدأ رأس الخيط الذي طبقناه على الإنسان والقرد والليمور والفأر ، من أين أتت هذه الكائنات الراقية وكيف ظهرت فجأة وكأنها كائنات بدون أجداد أو آباء .
تكوين جسم الإنسان نفسه يشذ عن قاعدة مبدأ رأس الخيط ، لأن جسم الإنسان لم ينحدر من أي نوع من الأنواع الإنسانيات المشابهة له التي إنقرضت من آلاف السنين ، ولكن نجد أنه قد أخذ من جميع هذه الأنواع وكأنه فجأة إنحدر من جميع هذه الأنواع وليس من نوع واحد ، أي أن ظهور الإنسان قد إعتمد مبدأ آخر يختلف عن مبدأ رأس الخيط، ولكن مبدأ " رؤوس الخيوط الكثيرة" ، أي أن هذه الخيوط فجأة أتحدت في رؤوسها لتعطي كائن يملك ميزات جميع هذه الأنواع يدعى "إنسان" . هنا نتكلم فقط عن جسم الإنسان ، ولكن إذا دخلنا في تفاصيل التكوين العام للإنسان (جسدي وفكري) سنجد أن الإنسان لم يأتي من أي حيوان ولكن من جميع أنواع الكائنات الحية معا ، حيث اتحدت مع بعضها البعض فجاة لتعطي هذا كأئن جديد (الإنسان) ، فسفينة نوح التي دخلها زوج من كل الحيوانات هي في الحقيقة قصة رمزية تشرح لنا تفاصيل تكوين الإنسان الذي يحمل الميزات الحسنة من جميع الكائنات الحية وليس من القرد فقط كما هو في نظرية داروين .
نظرية كروية الأرض التي تؤكد أن الأرض شكلها كروي وليس مسطح ، بداية ظهور هذا الرأي لم يعتمد على مبدأ رأس الخيط ، فأول من ذكر أن شكل الأرض هو كروي وليس مسطح هو الفيلسوف اليوناني بيثاغوروس في القرن السادس قبل الميلاد ، حيث إعتمد على مبدأ الجمال الهندسي ، فمن خلال دراسته لقوانين الجمال في الطبيعة توصل إلى فكرة كروية الأرض . العلماء من بعده حاولوا إثبات صحتها فقط بحسابات رياضية وكذلك من تفسير بعض الظواهر الطبيعية كخسوف القمر ومكان النجوم وغيرها من الظواهر إلى التاكيد على كروية الأرض. فنظرية كروية الأرض خرجت لأول مرة بفضل مبدأ رؤوس الخيوط المتحدة وليس رأس الخيط الذي يستخدمه المنهج العلمي للعصر الحديث.
إن أهم لون في الطبيعة هو اللون الأبيض ووجود الضوء الأبيض هو من أهم شروط وجود الحياة مثله مثل الماء ، هذا اللون لا يمكن أن نطبق عليه قانون مبدأ رأس الخيط ، لأن هذا اللون هو لون مركب ينتج من إتحاد الألوان الضوء الرئيسية الأحمر والأخضر والأزرق . فتكوين هذا اللون يتبع مبدأ إتحاد عدة رؤوس خيوط ، فكل لون من الألوان الثلاثة هي بمثابة خيط . لذلك عند تحلل اللون الأبيض نحصل على ألوان قوس قزح.
فن السينما للأسف سُمي كمصطلح بالفن السابع ، وهذه التسمية خاطئة ، لأن فن السينما ليس فناً بسيطاً مثل بقية الفنون الرسم ،النحت ، الموسيقى ..الخ ولكنه فن مركب يستخدم جميع الفنون ويوحدها ليعطي فن واحد متكامل مثله مثل اللون الأبيض تماما، ففن السينما يحوي في داخله جميع أنواع الفنون . الرواية، الموسيقى، الرسم (تصوير) ...الخ . حيث من إجتماع هذه الفنون ينتج فن شامل له لغة تعبيرية جديدة خاصة به .
جميع أنواع الفنون يمكن أن تقوم بها بعض أنواع الكائنات الحية ، البلبل مثلا يمكنه ان يغرد بصوت عذب (فن الموسيقى) ، عصافير الجنة يمكنها أن تصنع أعشاش بمهارة فائقة( فن العمارة) ، ذكر طائر القيثارة الأسترالي يقوم بأستعراض راقص في موسم الزواج( فن الرقص) ، طائر الطاووس يستخدم ألوان ذيله الجميلة في موسم التزاوج (فن الرسم ) .... إلخ ، ولكن لا يوجد كائن آخر غير الإنسان يستطيع أن يستخدم فن السينما لأنه فن مركب خاص في الإنسان فقط.
لغة القرآن هي اللغة العربية ، بعض علماء العرب اللغويين وللأسف بسبب التعصب القومي يحاولون في أبحاثهم أن يثبتوا أن اللغة العربية هي أصل جميع اللغات السامية وأنها من أقدم اللغات ، ولكن هذا الرأي يخالف جميع الوثائق التاريخية فأقرب النصوص الأثرية القديمة المدونة بلغة مشابهة للعربية يعود تاريخه إلى القرن الأول ميلادي ، فظهور مثل هذا الإدعاء على أن اللغة العربية هي أقدم اللغات وانها أصل اللغات السامية ، ليس فقط تزوير للحقائق التاريخية ولكنه أيضا يقوم بتشويه المخطط الإلهي للتطور الروحي للإنسانية ، فعندما نقول أن اللغة العربية هي أقدم اللغات السامية وكأننا نقول أن فن السينما كان موجودا قبل فن الرسم (فن الرسم ظهر قبل أكثر من ٣٠ ألف عام ) وهذا طبعا لا يتقبله عقل أي إنسان .
اللغة العربية مثلها مثل فن السينما ومثل الضوء الأبيض هي لغة مركبة وليست لغة بسيطة ، فكما حدث مع الفنون التي عندما وصلت أنواع الفنون إلى قمتها في المقدرة على التعبير أتحدت وأعطت فن جديد " فن السينما " له قدرة خارقة في التعبير إذا ما قارناه ببقية الفنون القديمة، وهكذا تماما حدث مع اللغة العربية .فعندما وصلت اللغات إلى قمتها في التعبير كلغة تخاطب ، إتحدت مع بعضها وأعطت اللغة العربية ، فإذا بحثنا بشكل عميق في طبيعة اللغة العربية سنجدها قد أخذت طرق تعبير من جميع اللغات السامية لتوحدها في لغة واحدة ، لذلك أختار الله هذه اللغة لتكون لغة القرآن الكريم ، لذلك فإن من أهم مبادئ تفسير آيات القرآن هو الإلمام باللغات السامية الأخرى ، وهنا لا نقصد تعلم هذه اللغات وتكلمها ، ولكن الإلمام بنوعية طريقة التعبير التي تستخدمها كل لغة وهذا طبعا لا يأتي من دراسة القواعد النحوية لهذه اللغات ولكن عن طريق فهم طريقة التعبير الروحي التي كان يستخدمها شعوب هذه اللغات . لذلك نجد ان العلماء المسلمين الذين صنعوا عصر الحضارة الإسلامية كانوا ينظرون إلى بقية الشعوب المجاورة بنظرة إحترام وهذا الشعور ساعدهم في التعاون معهم والذي بدوره ساعد العلماء المسلمين في إكتساب الميزات الحسنة لهذه الشعوب وإضافتها إلى حضارتهم لتصبح الحضارة الإسلامية حضارة شاملة وليست فقط دين وشريعة كما حدث في شعوب أوربا في العصور الوسطى ، ولكن للأسف مع دخول الأمة الإسلامية في عصور الإنحطاط بدأ علماء هذه الأمة بفصل كل شيء ليس له علاقة بالإسلام عن الإسلام ، ولم يعلموا هؤلاء أن أهم أهداف الإسلام كانت توحيد المعارف العالمية " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) الحجرات "
فالأية القرآنية تبدأ بخلق الذكر والانثى كتعبير عن الكمال ، فمن إتحاد الذكر والأنثى يتم الولادة الجديدة ومع تجدد الولادات يتم التطور بشكل مستمر نحو الأفضل ، هكذا هي معارف الشعوب أيضا نصفها خرجت من فكر ذكري ونصفها الآخر من فكر أنثوي ، وحتى نصل إلى حقيقة الشيء يجب أن نوحد زاوية الرؤية الإنثوية مع زاوية الرؤية الذكرية ، وإلا ستبقى هذه المعارف عقيمة ولن تساعدنا في الإرتقاء بمستوى العلوم.
جميع أبحاثي تعتمد على توحيد النوعين من الرؤية ، الرؤية الأنثوية (الروحية) والرؤية الذكرية (المادية) ، لذلك تظهر أفكاري غير مألوفة لإنسان العصر الحديث الذي يعتمد على الرؤية الذكرية فقط(المادية) ، لذلك سُميت مقالاتي " خواطر من الكون المجاور " وأقصد بالكون المجاور هو الكون الروحي الذي حذفه علماء عصرنا من أحاسيس الإنسان المعاصر ، هكذا شاء القدر أن أدرس في كلية الزراعة ( الرؤية المادية) التي تُدّرس جميع العلوم المادية (علم نبات ، حيوان ، طب بيطري، فسيولوجيا ، كيمياء ، فيزياء ، ميكانيك ، بيئة ، هندسة....إلخ ) ، وكذلك أن أدرس في معهد الإخراج السينمائي( الرؤية الروحية ) الذي يعتمد على الإلمام بجميع أنواع الفنون . وأحمد الله انه وهبني عقلا لا يجد أي صعوبة لفهم أعقد المواضيع الفيزيائية والرياضية وبنفس الوقت يستطيع أن يشعر بأدق تفاصيل التعبير الروحي في الأشياء والأحداث.
في كل مؤلفاتي يوجد إثباتات عديدة من الكتب المقدسة ، ولكني لست باحثاً دينياً ، فمؤلفاتي جميعها التي تبحث في مواضيع مختلفة لها هدف واحد وهو كشف أسباب تزايد حب العنف في الأطفال في عصرنا الحاضر ، والذي أدى إلى ولادة ظاهرة (الإجرام الطفولي) التي لم يعرفها التاريخ من قبل . وفي أبحاثي أستخدم معارف جميع العلوم لتحقيق هذا الهدف ومن هذه المعارف التي استخدمها هي معلومات الكتب المقدسة لأن الكتب المقدسة هي أرقى العلوم لأنها هبة من الله للإنسانية لتساعدنا في رؤية ما لا نستطيع رؤيته بأعيننا وأحاسيسنا.
وكما يقول الحديث الشريف " خير الناس أنفعهم للناس" وأكبر مشكلة تعاني منها الإنسانية اليوم هو مشكلة الوحشية في سلوك البشر بسبب نمو حب العنف في جميع الأمم ، وواجب على كل شخص مفكر أن يحاول بدوره أن يساعد في حل هذه المشكلة التي تقود الإنسانية إلى الدمار والفناء ، لذلك أتمنى من القراء الجدد قبل أن يتهموا أفكاري بالخرافات والخزعبلات ، على الأقل أن يحاولوا العودة إلى مقالاتي الماضية ليأخذوا فكرة عامة عن مبادئ القاعدة الثقافية التي أعتمد عليها في أبحاثي . فقد تكون هذه المعلومات التي اتهمتوها بالخزعبلات أنفع بكثير من تلك المعلومات التي قرأتموها في كتب أخرى ولم تنفع في شيء ، فالله عز وجل قد أعطانا العقل لنتناقش ليس من أجل أن ينتصر أحدنا على الآخر ولكن من أجل أن نصل نحن الإثنين إلى الحقيقة ، فهناك فقط تتجلى عظمة وحكمة الخالق.
قال الله تعالى "إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) البقرة " ، في مؤلفاتي أذكر تلك العلامات التي رأتها عيني لتراها أعينكم أيضا، وأرجوا الله أن يكون هو - لا أنا - من سينير عقولكم لتستطيعوا التفريق بين الحقيقة والدجل .
وسوم: العدد 793