في طريقنا إلى الله

سهى شماع

في طريقنا إلى الله, تحيط بحافتي الطريق أبهى الأشجار مكتسيةً بحللٍ من نور الشمس المسدَلِ على أكتافها, تضيء بحللها لنا الدرب لتمكّننا من رؤية كل تفاصيل الجمال في ذلك الطريق. نتهافت إليها فإذا بها تحمل لنا من الثمر أصنافاً لم نبصرها من قبل. نأكل من إحداها فإذا بالرضى يجد له طريقاً في كل عروقنا, يترك في كل عضوٍ ذاق هماً أو ألماً أو نشوةَ تنسيه أنه قد كان منذ هنيهة يتجرع العلقم ثم لا يجد ماءً يغسل به آثار طعمه اللاذع. نكمل مسيرنا فإذا بقطوف دانية لا تقاوَم. ما إن تلامسها أناملنا حتى تجد أحدنا يسابق أخاه ليناوله ما قطف متناسياً رغبته فيها. يرقبه بلهفة, يشعر بمتعة عارمة كلما رآه مبتهجاَ بتلك الثمرة.. يفاجأ بشيء يسيل من قدميه فإذا بها قطرات سوداء كانت تغشي عيني قلبه فأمست مهمتهما الوحيدة هي رؤية إحداهما الأخرى. في طريقنا المبارك هذا, يشكّ أحدنا بأنّه قد فقد أذنيه فأصوات الصخب و اللغط حوله لم تعد تجد لها سبيلاَ إليه, في حين أن شكّه هذا يبَدّد بصوت شجيّ, فاق بعذوبته عذوبة النهر النمير. إنّه تلاوةٌ خاشعةٌ, وماأحلاها من تلاوة... ينصت قليلاً ليسمع تلك الآية التي تعلٍّل ابتعاد أصوات الصخب عنه ابتعاد الفريسة عن وكر عدوها ... (والّـــذين هـــم عن الّلــــغو معرضـــــون)... يصغي إليها, يتمنّى أن يصل إلى ذلك القارئ متوسّلاً إليه: أعدها على مسامعي, ضمّد جراح قلبي, فبعدي عن طريقكم قد هوى بي إلى أرض أدغال عاثت فيها وحوش ضارية لم تتوانَ عن نهشي للحظات. ضمّدها بالله عليك, خدّر فؤادي عن الآلام وانعش فيه القدرة على إنقاذ من بقي هناك في الظلام. تمرّ’ سنونَ وأيام, يودّ أحدنا لو يمتطي دابّةً تعدو به ليصل إلى القمة ولكن هيهات, فمن اشتاط حقداً من شياطين الجن والإنس قد رجم طريقنا بالحجارة والألغام فباتوا ينتظرون عثرة لأحدنا تثنيه عن سيره و تميل به إليهم وهِناً خائر القوى. رغم حذرنا من تلك المصائد التي تتربص بنا إلا أننا ربما نفقد أبصارنا للحظات, أو نغفو لبرهةٍ لنجد أنفسنا قد حِدنا عن الطريق و عدنا لسماع بعض الصخب من جديد. تشدّنا أيدٍ كثيرة ترحّب بعودتنا بابتسامةٍ زائفة. نمكث هناك ساعات وربما أياماً, تستثيرنا أتفه العقبات, نغضب, نصرخ, و نبكي, فإذا بدموعنا تحيي لنا بعض الذكريات.. وآآه ما أحلى الذكريات. ندرك بعد ذلك أن لنا رصيداً من الدمع, إما أن ينزل صيّباً نافعاّ بإرادتنا في الصلاة والخلوات, وإما أن تغتصبه بحرقةٍ منّا محنٌ و ابتلاءات. بسرعة الفارِّ من زنزانته وبلهفته لعناق أمه, نقفل عائدين إلى طريقنا الحبيب, مدّثرين بأسدال من الخجل, طامعين بأن نهتدي الطريق على عجل وبأن يكون لنا مكانٌ هناك, يملؤنا الأمل. نقترب مستبشرين, فنجد الأبواب موصدةٌ دوننا, ولكن مفاتيحها ملقاةٌ بجانبها, إنها مفاتيح التوبة العجيبة. إذ لا بدّ لنا من حملها برجاءٍ وخوفٍ و قلبٍ قد احرق سوداءَهُ الندم على سوء العمل و طول الأمل. ندخل مهلّلين بأوجه كالبدور وأرواح ملوّعة بالحنين, كالعائد من سفرٍ شاقٍّ منهك إلى سريره المبطّن بريش النعام و المعطر بطيب المسك الّذي ألِفه لأعوام. نقسم على التزوّد بالتقوى خوفاً من انتكاسةٍ أخرى ونردد ممتنّين: سبحانك ما أعظمك سبحانك ما أحلمك لبّيك وسعديك والخير كله بيديك قد أعدتنا رغم غفلتنا وقبلتنا رغم غناك عنّا فلك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.